khalled مساعد
عدد الرسائل : 44 العمر : 39 الموقع : 6of october العمل/الترفيه : maintenance engineer تاريخ التسجيل : 03/12/2010
| موضوع: المبدا الخالد ,المخطوط الأول,ج2 الخميس 11 أغسطس 2011 - 10:13 | |
| الريع يرجع أصل حق مالك الأرض إلى السرقة (ساي – المجلد الأول – ص 136 – الهامش). فملاك الأرض – كغيرهم من الناس – يحبون أن يحصدوا حيث لم يبذروا، ويطلبون ريعًا حتى عن الناتج الطبيعي للأرض (سميث – المجلد الأول – ص 44). "وقد يظن البعض أن ريع الأرض ليس في كثير من الأحيان أكثر من ربح معتدل أو فائدة عن الأموال التي استخدمها مالك الأرض في تحسينها. ولا شك أن هذا قد يكون هو الوضع في بعض الحالات.. لكن المالك يطلب: 1- ريعًا حتى عن الأرض غير المحسنة، وتعد الفائدة أو الربح المفترضين عن نفقات التحسين عمومًا إضافة إلى هذا الريع الأصلي. 2- كما أن هذه التحسينات لا تتم دائمًا بأموال مالك الأرض، بل تتم أحيانًا بأموال المستأجر. غير أنه عند تجديد الإيجار فأن مالك الأرض عادة ما يطلب نفس الزيادة في الريع وكأنه هو الذي قام بها. وهو أحيانًا يطلب ريعًا عمًا لا يقبل تحسينًا بشريًا" (نفس المصدر ص 131). ويعطي سميث كمثال على هذه الحالة الأخيرة عشب البحر (Kelp)، وهو نبات بحري يعني حين يحرق ملحًا قلويًا يستخدم في صناعة الزجاج والصابون الخ.. وينمو هذا العشب في أنحاء كثيرة من بريطانيا وبخاصة في اسكوتلندا، وإنما على تلك الصخور التي تقع في حدود مد البحر والتي يغضبها البحر مرتين في اليوم، ومن هنا فأن ناتجها لم يزد أبدًا بفعل الصناعة البشرية. غير أن مالك الأرض الذي يحد ضيعته شاطئ من هذا النوع ينتجد عشب البحر يطلب ريعًا موازيًا لريع حقول قمحه. والبحر المجاور لجزر سيتلاند وفير أكثر من المألوف بالأسماك التي تمثل جانبًا كبيرًا من معيشة سكانها. ولكن الاستفادة من ناتج الماء تتطلب مسكنًا في الأرض المجاورة. ولا يتناسب ريع مالك الأرض مع ما يستطيع المزارع الحصول عليه من الأرض، بل مع ما يستطيع الحصول عليه من الأرض والماء معًا" (نفس المصدر ص 131). "ويمكن أن يعتبر هذا الريع نتاج تلك القوى الطبيعية التي يعير مالك الأرض استخدامها للمزارع. وهو يزيد أو يقل تبعًا للمدى المفترض لهذه القوى، أو بعبارة أخرى تبعًا للخصوبة الطبيعية أو المحسنة للأرض. أنه عمل الطبيعة الذي يبقى بعد استقطاع أو تعويض كل ما يمكن اعتباره من عمل الإنسان" (نفس المصدر ص 324 – 325). "وهكذا فأن ريع الأرض – الذي يعتبر ثمنًا مدفوعًا لاستخدام الأرض – هو بالطبع ثمن احتكاري. وهو لا يتناسب بحال مع ما يمكن أن يكون مالك الأرض قد أنفقه على تحسين الأرض، أو ما يتحمل أن يأخذه دون خسارة، وإنما مع ما يطيق المزارع أن يدفعه" (نفس المصدر ص 131). ومن بين الطبقات الأصلية الثلاث فأن ملاك الأرض هم الذين "لا يكلفهم دخلهم عملاً أو اهتمامًا، وإنما يأتيهم وكأنما من تلقاء نفسه، وبغض النظر عن أية خطة أو مشروع من جانبهم" (نفس المصدر ص 230). لقد عرفنا أن مقدار الريع يتوقف على درجة خصوبة الأرض. وثمة عامل آخر في تحديده هو الموقع. "ولا يختف ريع الأرض باختلاف خصوبتها أيًا كان ناتجها فقط بل يختلف كذلك باختلاف موقعها أيًا كانت خصوبتها" (نفس المصدر ص 133). "وناتج الأرض والمناجم والمصايد حين تتساوي خصوبتها الطبيعية يتناسب مع المدى والاستخدام السليم لرؤوس الأموال فيها. وحين تتساوي رؤوس الأموال وتتكافأ في حسن استخدامها فإنه يتناسب مع خصوبتها الطبيعية) (نفس المصدر ص 249). وعبارات سميث هذه هامة، لأنه مع تساوي نفقات الإنتاج وحجم رأس المال فإنها تنتهي بريع الأرض إلى زيادة أو انخفاض خصوبة الأرض. وبذلك تبين بوضوح انحراف مفاهيم الاقتصاد السياسي التي تحول خصوبة الأرض إلى صفة لمالك الأرض. ولكن لننظر الآن إلى ريع كما يتكون في الحياة الواقعية. يتحدد ريع الأرض نتيجة للصراع بين المستأجر ومالك الأرض. ونجد التناقض العدائي بين المصالح، الصراع، الحرب، معترفًا به في الاقتصاد السياسي كله كأساس للتنظيم الاجتماعي. ولنر الآن ما العلاقات بين مالك الأرض والمستأجر. "يسعى مالك الأرض عند أعداد شروط الإيجار ألا يترك له أكثر من ذلك الجانب من الناتج الذي يكفيه ليحصل على المال الذي يوفر به البذور ويدفع أجر العمل ويشتري الماشية وأدوات الفلاحة الأخرى ويصونها إلى جانب الأرباح العادية التي تدرها المزارع المجاورة. ومن الواضع أن هذا هو أصغر نصيب يمكن للمستأجر أن يقنع به دون أن يخسر. ونادرًا ما يريد مالك الأرض أن يترك له أكثر منه. وأي جزء من الناتج، أو بعبارة أ×رى أي جزء من ثمن الناتج يزيد عن هذا النصيب فإنه يسعى بوضوح لأن يبقيه لنفسه كريع للأرض. وهو بوضوح أكبر ما يمكن للمستأجر أن يدفعه في الظروف الراهنة للأرض.. غير أن هذا الجزء يمكن مع ذلك أن يظل يعتبر الريع الطبيعي للأرض، أو الريع الذي يقصد بشكل طبيعي أن تؤجر غالبية الأرض مقابله" (نفس المصدر ص 130 -131). ويقول ساي "ويمارس ملاك الأرض نوعًا من الاحتكار ضد المستأجرين. فالطلب على سلعتهم – الموقع والأرض – يمكن أن يتسع إلى مالا نهاية، وليست هناك سوى كمية معينة محدودة من سعلتهم.. فالمساومة التي تجري بين مالك الأرض والمستأجر هي دائمًا في صالح الأول لأكبر درجة ممكنة.. وفضلاً عن الميزة التي يحصل عليها من طبيعة الحالة، فإنه يستمد ميزة أخرى من مركزه، ومن ثروته الأكبر، والثقة والوضع الأكبر اللذين يتمتع بهما. لكن الميزة الأولى وحدها تكفي لتمكنه هو، وهو وحده، من الاستفادة من الظروف المواتية للأرض. فشق قناة أو طريق، وزيادة السكان، وازدهار المنطقة، دائمًا ما يؤدي إلى زيادة في الريع.. والحق أن المستأجر نفسه قد يحسن الأرض على نفقته، لكنه لا يجني ربحًا من رأسماله هذا إلا طيلة مدة الإيجار، ومع انتهاء الإيجار يبقى الربح مع مالك الأرض. ومن هنا فأن الأخير هو الذي يحصل على الفائدة منذ ذلك الحين دون أن يكون قد قام بالإنفاق أذ ستحدث الآن مناسبة في الريع" (ساي – المجلد الثاني – ص 142 – 143). "والريع بعبارة الثمن الذي يدفع مقابل استخدام الأرض هو بالطبع أعلى ما يستطيع المستأجر أن يدفع في الظروف الفعلية للأرض "سميث –المجلد الأول – ص 130). "وريع أي مزرعة على سطح الأرض يصل إلى ما يفترض أنه هو الناتج الإجمالي، وهو عمومًا ريع مؤكد مستقل عن التغيرات الطارئة في الحصول" (نفس المصدر ص 153) وهذا الريع "نادرًا ما يقل عن ريع الناتج كله" (نفس المصدر ص 225). وريع الأرض لا يمكن أن يدفع عن كل السلع. فعلى سبيل المثال لا يدفع ريع عن الأحجار في بعض المناطق. "فلا يمكن عادة أن تجلب إلى السوق إلا تلك الأجزاء من الناتج التي يكفي ثمنها العادي لتغطية الأموال التي لا بد أن تستخدم في جلبها إليه من أرباحها العادية. وإذا كان الثمن العادي أكبر من ذلك – فإن الجزء الزائد سيذهب بشكل طبيعي إلى ريع الأرض. وإذا لم يكن أكبر فرغم أن السلعة يمكن أن تجلب إلى السوق فإنها لا تستطيع أن تقدم ريعًا للمالك. أما هل سيكون الثمن أكثر أو لا يكون فهذا أمر يتوقف على الطلب" (نفس المصدر ص 132). ومن هنا فإننا نلاحظ أن الريع يدخل في تركيب ثمن السلع بطريقة مختلفة عن الأجور والأرباح. فالأجور أو الأرباح المرتفعة أو المنخفضة أسباب للأثمان المرتفعة أو المنخفضة. أما الريع المرتفع أو المنخفض فنتيجة لها". والغذاء ينتمي إلى المنتجات التي تدر دائمًا ريعًا عقاريًا. "فإذ يتكاثر الناس بشكل طبيعي – شأنهم شأن سائر الحيوانات – بما يتناسب مع وسائل معيشتهم فأن الأغذية تكون دائمًا – بدرجة أو أخرى – موضعًا للطلب، وهي تستطيع دائمًا أن تشتري أو تطلب كمية أكبر أو أقل من العمل، وهناك دائمًا من هو على استعداد لأن يفعل شيئًَا لكي يحصل عليها. والحق أن كمية العمل التي تستطيع أن تشتريها ليست دائمًا مساوية لما تستطيع أن تعولها إذا ما أديرت بأكثر الطرق اقتصادًا نظرًا للأجور العالية التي تعطي أحيانًا للعمل. لكنها تستطيع دائمًا أن تشتري كمية العمل التي تستطيع أن تعولها وفقًا للمعدل الذي يعيش به هذا النوع من العمل عادة في الجيرة. لكن الأرض – في أي وضع ممكن تقريبًا – تنتج كمية من الطعام أكثر مما يكفي للإبقاء على كل العمل اللازم لجلبه إلى السوق بأكثر الطرق التي يعيش بها هذا العمل سخاء. كما أن الفائض دائمًا أكبر مما يكفي لاستبدال رأس المال الذي استخدم العمل مع أرباحه. وهكذا يبقى دائمًا شيء كريع لمالك الأرض" (نفس المصدر ص 132 – 133). "وهكذا فأن الغذاء بهذه الطريقة ليس فحسب المصدر الأصلي للريع، بل أن كل جزء من ناتج الأرض يوفر ريعًا بعد ذلك يستمد هذا الجزء من قيمته من تحسين قوى العمل في إنتاج الغذاء عن طريق تحسين الأرض وزراعتها" (نفس المصدر ص 150). "ويبدو أن الغذاء الإنساني هو ناتج الأرض الوحيد الذي يوفر دائمًا بالضرورة بعض الريع للأرض" (نفس المصدر ص 147). "ولا يتناسب مكان الدول مع عدد الناس الذين يستطيع ناتجها أن يكسيهم ويسكنهم وإنما يتناسب مع من يستطيع هذا الناتج أن يطعمهم" (نفس المصدر ص 149). "وبعد الطعام يعد الملبس والمسكن أكبر احتياجين للبشرية" (نفس المصدر ص 147) "وهما عادة يعودان بريع، ولكن هذا ليس أمرًا حتميًا". ولنر الآن كيف يستغل مالك الأرض كل مزايا المجتمع. 1- يزيد ريع الأرض مع زيادة السكان (نفس المصدر ص 146). 2- عرفنا من ساي فيما سبق أن ريع الأرض يزيد مع إقامة السكك الحديدية الخ.. ومع تحسن وسائل المواصلات وأمنها وتضاعفها. 3- "وكل تحسن في ظروف المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر إلى زيادة الريع الحقيقي للأرض، إلى زيادة الثروة الحقيقية لمالك الأرض، وقدرته على شراء العمل، أو ناتج عمل الآخرين.. ويتجه توسيع التحسين والزراعة إلى زيادتها بشكل مباشر. فنصيب مالك الأرض من الناتج يزيد بالضرورة مع زيادة الناتج. كذلك فإن الزيادة في الأثمان الحقيقية لتلك الأجزاء من منتجات الأرض الخام.. الزيادة في أثمان الماشية مثلاً، تتجه إلى زيادة ريع الأرض بشكل مباشر وبنسبة أكبر. أن القيمة الحقيقية لنصيب مالك الأرض – أي تحكمه الفعلي في عمل الآخرين – لا تزيد فحسب مع القيمة الحقيقية بل تزيد معها كذلك نسبة نصيبه إلى الناتج كله. فهذا الناتج – بعد الزيادة في ثمنه الحقيقي – لا يتطلب الحصول عليه عملاً أكبر من ذي قبل. ومن هنا فإن نسبة أقل منه ستكون كافية لاستبدال رأس المال الذي يستخدم هذا العمل مع الأرباح العادية. وبالتالي فإن نسبة أكبر منه لا بد أن تؤول إلى مالك الأرض" (نفس المصدر ص 228 – 229). وقد ينشأ تزايد الطلب على الناتج الخام، وبالتالي ارتفاع القيمة جزئيًا عن زيادة السكان وزيادة احتياجاتهم. لكن كل ابتكار جديد، كل استخدام جديد في الصناعة لمادة أولية لم تكون تستخدم من قبل أو لم تكن تستخدم إلا قليلاً تزيد من ريع الأرض. وهكذا كانت هناك مثلاً زيادة هائلة في ريع مناجم الفحم مع ظهور السكك الحديدة والسن البخارية الخ... وإلى جانب هذه الميزة التي يحصل عليها مالك الأرض من الصناعة والاكتشافات والعمل، فأن هناك ميزة أخرى سنراها الآن. 4- "إن هذه التحسينات في القدرات الإنتاجية للعمل التي تتجه مباشرة إلى تخفيض الثمن الحقيقي للمصنوعات تتجه بشكل غير مباشر إلى زيادة الريع الحقيقي للأرض. فمالك الأرض يبادل ذلك الجزء من الناتج الخام الذي يزيد على استهلاكه الشخصي، أو يبادل ثمن هذا الجزء من الناتج – وهو نفس الأمر – بالناتج المصنوع. وكل ما يقلل الثمن الحقيقي لهذا الأخير يزيد الثمن الحقيقي للأول. وهكذا فإن نفس الكمية من الأول تصبح معادلة لكمية أكبر من الأخير، ويصبح في وسع مالك الأرض أن يشتري كمية أكبر من وسائل الرفاهية أو الزينة أو الترف التي تعن له" (نفس المصدر ص 229). لكن من الحماقة أن نستخلص من ذلك – كما فعل سميث – أنه ما دام مالك الأرض يستغل كل ميزة يحققها المجتمع فإن مصلحة مالك الأرض متطابقة دائمًا مع مصلحة المجتمع (نفس المصدر ص 230). ففي الاقتصاد السياسي – في ظل حكم الملكية الخاصة – تتناسب المصلحة التي لفرد ما في المجتمع تناسبًا عكسيًا تمامًا مع مصلحة المجتمع فيه – تمامًا كما لا تتطابق مصلحة المرابي مع مصلحة المبذر بأي حال. ولن نشير إلا عرضًا إلى تسلط فكرة الاحتكار ضد ملكية الأرض في البلاد الأجنبية لدى مالك الأرض الذي نشأت عنه مثلاً قوانين القمح. كما سنصرف النظر هنا عن القنانة في العصور الوسطى، والعبودية في المستعمرات، والظروف البائسة لسكان الريف، عمال المياومة، في بريطانيا. ولنقتصر على قضايا الاقتصاد السياسي ذاته. 1- أن حرص مالك الأرض على رفاهية المجتمع يعني – وفقًا لمبادئ الاقتصاد السياسي – حرصه على نمو سكانه وإنتاجه واتساع احتياجاته – وباختصار زيادة ثروته، والزيادة في الثروة تتطابق – كما رأينا من قبل – مع زيادة الفقر والعبودية. والعلاقة بين زيادة إيجار المساكن وزيادة الفقر مثل لمصلحة مالك الأرض في المجتمع، لأن ريع الأرض – الفائدة المتحققة من الأرض التي يقوم عليها المسكن – يرتفع مع ارتفاع إيجار المسكن. 2- وفقًا لرجال الاقتصاد السياسي أنفسهم فأن مصلحة مالك الأرض هي الضد تمامًا لمصلحة المزارع المستأجر – وبالتالي لمصلحة جزء له شأنه من المجتمع. 3- لما كان مالك الأرض يستطيع أن يطلب مزيدًا من الريع من المزارع المستأجر كلما قل ما يدفعه الزارع من أجور، ولما كان المزارع يخفض الأجور كلما زاد ما يطلبه مالك الأرض من ريع فأنه ينتج من ذلك أن مصلحة مالك الأرض معادية لمصالح عمالهم. وهي تخفض الأجور إلى الحد الأدنى بنفس الطريقة. 4- لما كان التخفيض الحقيقي في ثمن المنتجات المصنوعة يزيد ريع الأرض فإن لمالك الأرض مصلحة مباشرة في تخفيض أجور العمال الصناعيين، وفي المنافسة بين الرأسماليين، وفي الإنتاج الزائد، وفي كل أوجه البؤس المرتبطة بالإنتاج الصناعي. 5- وفي نفس الوقت الذي نجد فيه أن مصلحة مالك الأرض أبعد من أن تتطابق مع مصلحة المجتمع، وإنما هي تقف على الضد تمامًا من مصلحة المزارعين المستأجرين والعمال الزراعيين وعمال المصانع والرأسماليين فأن مصلحة مالك أرض ما – من الناحية الأخرى – ليست متطابقة حتى مع مصلحة مالك أرض آخر بسبب المنافسة التي سنتعرض لها الآن. وبشكل عام فإن العلاقة بين ملكية الأرض الكبيرة والصغيرة شبيهة بالعلاقة بين رأس المال الكبير والصغير. ولكن هناك – فضلاً عن ذلك – ظروفًا خاصة تؤدي حتمًا إلى تراكم ملكية الأرض الكبيرة، وابتلاعها للملكية الصغيرة. (1) فليس من مجال يتناقص فيه العدد النسبي للعمال والمعدات مع الزيادة في حجم رأس المال كما يتناقص في ملكية الأرض. وبالمثل لا تزيد أمكانية الاستغلال الشامل، وتوفير نفقات الإنتاج، والتقسيم الفعال للعمل، مع زيادة حجم رأس المال بقدر ما تزيد في ملكية الأرض فمهما كان الحقل صغيرًا فأن فلاحته تتطلب حدًا أدنى من المعدات لا يمكن الهبوط عنه (محراث، منشار، الخ...) في حين أن حجم جزء من ملكية أرض يمكن أن يقل كثيرًا عن هذا الحد الأدنى. (2) تراكم الملكية العقارية لنفسها الفائدة على رأس المال الذي استخدمه المزارع المستأجر لتحسين الأرض. أما ملكية الأرض الصغيرة فأن عليها أن تستخدم رأسمالها هي، ومن هنا فإنها لا تحصل على هذا الربح على الإطلاق. (3) في حين أن كل تحسين اجتماعي يفيد المزرعة الكبيرة فإنه يضر الملكية الصغيرة لأنه يزيد من احتياجها إلى المال السائل. (4) وما زال علينا أن ندرس قانونين هامين يتعلقان بهذه المنافسة. (أ) إن ريع الأرض المنزرعة التي تنتج الغذاء الإنساني يحدد ربع الجانب الأكبر من الأراضي المنزرعة الأخرى. (نفس المصدر ص 144). وفي نهاية الأمر فإن الضياع الكبيرة وحدها هي التي تستطيع أن تنتج أنواعًا من الطعام مثل الماشية إلخ... ومن هنا فإنها تحدد ريع الأراضي الأخرى، وتستطيع أن تخفضها إلى أدنى حد. ومن هنا فإن مالك الأرض الصغير الذي يعمل لحسابه الخاص يرتبط بمالك الأرض الكبير بنفس العلاقة التي تربط بين الحرفي الذي يمتلك أداته الخاصة وبين مالك المصنع. لقد أصبحت الملكية الصغيرة للأرض مجرد أداة للعمل. وريع الأرض يختفي كلية بالنسبة للمالك الصغير ولا يبقى له على الأكثر إلا فائدة رأسماله وأجوره، لأن المنافسة يمكن أن تهبط بريع الأرض حتى لا يزيد عن فائدة رأس المال الذي يستثمره المالك. (ب) وفضلاً عن ذلك عرفنا أنه مع تساوي الخصوبة والاستغلال الكفء للأرض والمناجم والمصائد فإن الناتج يتناسب مع حجم رأس المال. ومن هنا يأتي انتصار مالك الأرض الكبير. وبالمثل فحينما تستخدم رؤوس أموال متساوية يتناسب الناتج مع الخصوبة. ومن هنا فحيث تتساوى رؤوس الأموال يكون النصر من نصيب الأرض الأكثر خصوبة. (جـ) "ويمكن أن يقال عن منجم من أي نوع أنه خصب أو مجدب وفقًا لما إذا كانت كمية المعدن التي يمكن الحصول عليها منه بكمية معينة من العمل أكبر أو أقل مما يمكن الحصول عليه بنفس كمية العمل من الجزء الأكبر من المناجم من نفس النوع". (نفس المصدر ص 151). "وأكثر مناجم الفحم خصوبة يحدد – أيضًا – ثمن الفحم في كل المناجم الأخرى في الجيزة. فكل من المالك والقائم بالعمل يجدان أنهما يستطيعان أن يحققا ريعًا أكبر بالنسبة للأول، وربحًا أكبر بالنسبة للثاني، بالبيع بثمن أقل إلى حد ما من كل جيرانهما. وسرعان ما يجبر الجيران على البيع بنفس السعر رغم أنهم أقل قدرة على ذلك، ورغم أن هذا الثمن يتناقض باستمرار، وأحيانًا ما يلغي كل ريعهم وربحهم. وهكذا يرك العمل في بعض المناجم كلية، في حين لا يعود في وسع البعض الآخر أن يقدم ريعًا، ولا يعود من الممكن أن يعمل به سوى مالكه" (نفس المصدر ص 152) "وبعد اكتشاف مناجم بيرو هجر الجانب الأكبر من مناجم الفضة في أوروبا... وحدث نفس الأمر بالنسبة لمناجم كوبا وسان دومينجو، بل حتى لمناجم بيرو القديمة بعد اكتشاف مناجم بوتوسي". (نفس المصدر ص 154). وما يقوله سميث هنا عن المناجم ينطبق بدرجة أو أخرى على ملكية الأرض عمومًا. (د) "وينبغي أن نلاحظ أن سعر السوق العادي بالنسبة للأرض يتوقف في كل مكان على معدل الفائدة العادي في السوق... فلو أن ريع الأرض انخفض – إلى حد أكبر - عن فائدة النقود فإن أحدًا لن يشتري الأرض، الأمر الذي سيهبط سريعًا بسعرها العادي. وعلى العكس إذا كانت المزايا أكثر كثيرًا من مجرد تعويض الفارق فإن كل امرئ سيشتري أرضًا، الأمر الذي سيزيد ثانية سعرها العادي" (نفس المصدر ص 320). وينتج عن هذه العلاقة بين ريع الأرض وبين فائدة النقود أن الريع لا بد أن يهبط أكثر فأكثر بحيث لا يعود قادرًا في النهاية على أن يعيش على الريع إلا أغنى الناس. ومن هنا تأتي المنافسة المتزايدة على الدوام بين ملاك الأرض الذين لا يؤجرون أرضهم لمستأجرين. خراب بعضهم. ومزيد من تراكم ملكية الأرض الكبيرة. ولهذه المنافسة نتيجة أخرى هي جانبًا كبيرًا من ملكية الأرض يسقط في أيدي الرأسماليين، وأن الرأسماليين يصبحون في نفس الوقت ملاك أرض، تمامًا كما أن ملاك الأرض الأصغر لم يعودوا في مجموعهم بالفعل سوى رأسماليين. وبالمثل فإن قسمًا من كبار ملاك الأرض يصبحون في نفس الوقت صناعيين. وهكذا فإن النتيجة النهائية هي إلغاء التمايز بين الرأسمالي ومالك الأرض، بحيث لا تبقى هناك إجمالاً إلا طبقتان من السكان – الطبقة العاملة وطبقة الرأسماليين. إن هذا الإتجار بملكية الأرض، تحويل ملكية الأرض إلى سلعة، يشكل التطويح النهائي بالقديم، والاكتمال الأخير للأريستقراطية المالية. 1- ولن نشترك في الدموع العاطفية التي تذرفها الرومانسية لهذا السبب. فالرومانسية تخلط دائمًا بين عار الإتجار بالأرض وبين النتيجة العقلانية تمامًا والحتمية والمرغوب فيها في إطار مملكة الملكية الخاصة، وهي الإتجار بالملكية الخاصة في الأرض. وفي المقام الأول فإن الملكية الإقطاعية للأرض هي بالفعل وبحكم طبيعتها ذاتها أرض اتجر بها – الأرض التي اغتربت عن الإنسان ومن ثم تواجهه في شكل عدد من السادة العظام. فسيطرة الأرض كقوة غريبة على الناس كامنة بالفعل في الملكية الإقطاعية للأرض. فالقن ملحق بالأرض، وبالمثل فإن سيد الضيعة الموروثة – الابن الأكبر – ينتمي للأرض. إنها ترثه. والحق أن سيادة الملكية الخاصة تبدأ بملكية الأرض – فهذا هو أساسها. ولكن السيد في ظل ملكية الأرض الإقطاعية يبدو على الأقل مليكًا للضيعة. وبالمثل لا يزال يبدو مظهر علاقة بين المالك وبين الأرض أوثق من مجرد الثروة المادية. فالضيعة تتكيف مع فردية سيدها: إن لها درجته، فهي بارونية أو دوقية معه، ولها امتيازاته، وولايته ومركزه السياسي إلخ... وهي تبدو جسدًا غير عضوي لسيدها. ومن هنا جاء المثل القائل “nulle terre sans maitre” ([37]) الذي يعبر عن الانصهار بين النبالة وبين ملكية الأرض. وبالمثل لا يبدو حكم ملكية الأرض بشكل مباشر كمجرد حكم لرأس المال. فالضيعة بالنسبة لمن ينتمون إليها أقرب إلى أن تكون وطنًا. إنها نوع ضيق من القومية. وبنفس الطريقة تعطي ملكية الأرض الإقطاعية اسمها لسيدها، كما تعطي المملكة اسمها لمليكها. فتاريخ أسرته، تاريخ عائلته إلخ... – كل هذا يكيف فردية الضيعة بالنسبة له، ويجعلها عائلته بالمعنى الحرفي ويشخصها. وبالمثل فإن أولئك الذين يعملون في الضيعة ليس لهم وضع عمال المياومة، لكنهم أنفسهم مملوكون له جزئيًا، كالأقنان. وهم يرتبطون به جزئيًا بروابط الاحترام والولاء والواجب. ومن هنا فإن علاقته بهم علاقة سياسية مباشرة، كما أن لها بالمثل جانبًا إنسانيًا حميمًا، فالعادات والطبيعة إلخ... تتغير من ضيعة إلى أخرى، وتبدو متطابقة مع الأرض التي ينتمون إليها. غير أنه فيما بعد يرتبط الإنسان بالأرض – لا بطبيعته أو فرديته – وإنما فحسب بخيوط كيس نقوده. وأخيرًا لا يحاول السيد الإقطاعي أن يستخلص أقصى ميزة من أرضه، بل هو بالأحرى يستهلك ما فيها، وفي هدوء يترك هم الإنتاج للأقنان والمستأجرين. تلك هي علاقة النبلاء بملكية الأرض، التي تضفي هالة رومانسية على سادتها. ومن الضروري أن يلغي هذا المظهر – وأن تجر ملكية الأرض – جذر الملكية الخاصة – كلية إلى حركة الملكية الخاصة، وأن تصبح سلعة، وأن يبدو حكم المالك حكمًا غير مقنع للملكية الخاصة، لرأس المال، المتحرر من كل صبغة سياسية، وأن تنتهي العلاقة بين المالك والعامل إلى العلاقة الاقتصادية بين المستغل والمستغل، وأن تكف كل علاقة شخصية بين المالك وملكيته، وتصبح الملكية مجرد ثروة مادية موضوعية، وأن يحل زواج المصلحة محل زواج الشرف بالأرض، وأن تهبط الأرض بالمثل إلى وضع القيمة التجارية مثلها مثل الإنسان. من الضروري أن يظهر جذر ملكية الأرض – المصلحة الذاتية الدنيئة – أيضًا في شكله الصارخ. من الضروري أن يتحول الاحتكار العقاري إلى الاحتكار المنقول غير المستقر، إلى المنافسة، وأن يتحول الاستمتاع الكسول بمنتجات دم الآخرين وكدحهم إلى تجارة نشطة في نفس السلعة. وأخيرًا من الضروري – في هذه المنافسة – أن تبدي ملكية الأرض – في شكل رأس المال – سيطرتها على كل من الطبقة العاملة والملاك أنفسهم الذين أما أن يصيبهم الخراب أو يرتفعوا بفعل القوانين التي تحكم حركة رأس المال. وهكذا حل محل مثل العصور الوسطى" “null terre Sans maitre” ، ([38]) مثل آخر هو “l’argent n’a pas de maitre” ([39])، الذي يعبر عن السيطرة الكاملة للمادية الميتة على الناس. 2- وفيما يتعلق بالجدال حول تقسيم أو عدم تقسيم ملكية الأرض ينبغي مراعاة ما يلي: إن تقسيم ملكية الأرض ينفي الاحتكار الكبير لملكية الأرض – يلغيه، وإنما بتعميم هذا الاحتكار، إنه لا يلغي مصدر الاحتكار، الملكية الخاصة، إنه يهاجم الشكل القائم للاحتكار لا جوهره. والنتيجة هي أنه يقع ضحية لقوانين الملكية الخاصة. لأن تقسيم ملكية الأرض يتفق مع حركة المنافسة في مجال الصناعة. وفضلاً عن المساوئ الاقتصادية لمثل هذا التقسيم لأدوات العمل وللعمل المنفصل (وهو ما يجب أن نميزه تمامًا عن تقسيم العمل. ففي العمل المنفصل لا يتقاسم الكثيرون العمل وإنما يقوم كل واحد بنفس العمل. إنه مضاعفة لنفس العمل)، فإن هذا التقسيم للأرض – مثل المنافسة في الصناعة – يتحول بالضرورة ثانية إلى تراكم. وهكذا فحيث يحدث تقسيم الأرض لا يبقى أمامه إلا أن يعود احتكارًا في شكل أكثر خبثًا، أو ينفي، يلغي، تقسيم الأرض ذاته. بيد أن ذلك لا يعني العودة إلى الملكية الإقطاعية، بل إلغاء الملكية الخاصة للأرض كلية. فأول إلغاء للاحتكار هو دائمًا تعميمه، توسيع وجوده. وإلغاء الاحتكار بعد أن يوجد في أعرض وأوسع أشكاله هو القضاء عليه كلية. وللمشاركة (Association) إذا ما طبقت على الأرض الميزة الاقتصادية لملكية الأرض الكبيرة، وهي أول ما يحقق الاتجاه الأصلي الكامن في تقسيم الأرض... المساواة. وبنفس الطريقة فإن المشاركة تعيد من جديد – وإنما على أساس عقلاني الآن لم تعد تمليه القنانة والتحكم وصوفية الملكية الحمقاء – الروابط الحتمية بين الإنسان والأرض، لأن الأرض تكف عن أن تكون موضعًا للإتجار، وتصبح من جديد عن طريق العمل الحر والاستمتاع الحر ملكية شخصية حقًا للإنسان. ومن المزايا الكبيرة لتقسيم ملكية الأرض أن جماهيرها – التي لم تعد تستطيع أن تقبل العبودية – تهلك عن طريق الملكية بطريقة تختلف عنها في الصناعة. أما ملكية الأرض الكبيرة فإن المدافعين عنها قد طابقوا دائمًا – بطريقة سوفسطائية – بين المزايا التي توفرها الزراعة الكبيرة وبين ملكية الأرض الكبيرة، وكأنما لم يكن إلغاء الملكية هو بالتحديد السبب في أن هذه الميزة تلقت – من ناحية – أقصى اتساع لها، ومن ناحية أخرى إنها لن تكون ذات فائدة اجتماعية إلا عندئذ. وبنفس الطريقة فقد هاجموا روح الإتجار لدى ملكية الأرض الصغيرة، وكإنما ملكية الأرض الكبيرة لا تحوي إتجارًا كامنًا فيها حتى في شكلها الإقطاعي – إذا لم نتحدث عن الشكل الإنجليزي الحديث الذي يجمع بين إقطاعية مالك الأرض وإتجار المزارع المستأجر وصناعته. وكما تستطيع ملكية الأرض الكبيرة أن تأخذ على تقسيم الأرض نفس مأخذ الاحتكار الذي يأخذه تقسيم الأرض عليها، لأن تقسيم الأرض يستند إلى احتكار الملكية الخاصة، فإن في وسع تقسيم الأرض بالمثل أن يأخذ على ملكية الأرض الكبيرة مأخذ التقسيم، لأن التقسيم يسودها أيضًا، وإن يكن في شكل جامد متبلور. والحق أن الملكية الخاصة تستند كلية إلى التقسيم. وفضلاً عن ذلك فكما يؤدي تقسيم الأرض ثانية إلى ملكية الأرض الكبيرة كشكل للثروة الرأسمالية، فإن ملكية الأرض الإقطاعية لا بد أن تؤدي بالضرورة إلى التقسيم، أو على الأقل تسقط في أيدي الرأسماليين، مهما لفت ودارت. ذلك أن ملكية الأرض الكبيرة – كما في إنجلترا – تدفع الأغلبية الساحقة من السكان إلى أحضان الصناعة، وتنتهي بعمالها إلى التعاسة الكاملة. وهكذا فإنها تولد وتوسع قوة عدوها، رأس المال، الصناعة، بإلقاء الفقراء، ووجه بأكمله من نشاط البلاد، إلى الجانب الآخر. إنها تجعل غالبية الناس في البلاد صناعيين، وبالتالي خصومًا لملكية الأرض الكبيرة. وحينما حققت الصناعة قوة كبيرة – كما في إنجلترا في الوقت الحالي – فإنها تجبر ملكية الأرض الكبيرة بالتدريج على أن تتخلى عن احتكاراتها ضد الدول الأجنبية، وتلقي بها إلى المنافسة في ملكية الأرض في الخارج. لأنه تحت ضغط الصناعة لا تستطيع ملكية الأرض أن تبقي على جلالها الإقطاعي إلا عن طريق الاحتكارات ضد البلاد الأجنبية، وبذلك تحمي نفسها من القوانين العامة للتجارة التي لا تتفق مع طبيعتها الإقطاعية. وما أن يلقي بملكية الأرض إلى المنافسة، حتى تخضع لقوانين المنافسة، كأي سلعة أخرى خاضعة للمنافسة. وهكذا تبدأ في التذبذب، في الانخفاض والارتفاع، وتطير من يد إلى أخرى، ولم يعد ثمة قانون يستطيع أن يبقيها في بضع أياد مقدرة من قبل. والنتيجة المباشرة هي تمزيق الأرض بين كثير من الأيدي. وعلى أي الأحوال الخضوع لسلطة رؤوس الأموال الصناعية. وأخيرًا فإن ملكية الأرض الكبيرة – التي أبقيت بالقوة بهذه الطريقة، والتي ولدت إلى جانبها صناعة هائلة، تقود إلى الأزمة بسرعة أكبر مما يقود إليها تقسيم الأرض الذي تبقى الصناعة إلى جانبه دائمًا في المرتبة الثانية. إن ملكية الأرض الكبيرة – كما نرى في إنجلترا – قد ألقت عنها بالفعل طابعها الإقطاعي، واتخذت طابعًا صناعيًا بقدر ما تستهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من النقود. فهي تقدم للمالك أقصى ريع ممكن، وللمزارع المستأجر أقصى ريع لرأسماله. وبالتالي فإن العمال في الأرض قد هبطوا إلى الحد الأدنى، وتمثل طبقة المزارعين المستأجرين بالفعل داخل ملكية الأرض قوة الصناعة ورأس المال. ونتيجة للمنافسة الأجنبية. لم يعد ريع الأرض في أغلب الأحوال قادرًا على أن يشكل دخلاً مستقلاً. ويصبح على عدد كبير من ملاك الأرض أن يزيحوا المزارعين الذين يهبط بعضهم بهذه الطريقة إلى صفوف البروليتاريا. ومن الناحية الأخرى سيستولى كثير من المزارعين على ملكية الأرض لأن كبار الملاك الذين انغمسوا في التبذير – نتيجة دخولهم المريحة – هم في أغلبهم غير أكفاء لممارسة الزراعة الكبيرة، وفي بعض الحالات لا يمتلكون رأس المال ولا المقدرة على استغلال الأرض. ومن هنا فإن قسمًا من هذه الطبقة أيضًا يدمر تمامًا. وفي النهاية فإن الأجور – التي خفضت بالفعل إلى الحد الأدنى – لا بد أن تخفض من جديد، لمواجهة المنافسة الجديدة، وهذا يؤدي بالضرورة عندئذ إلى الثورة. وكان على ملكية الأرض أن تتطور في كل من هذين الطريقين حتى تمارس في كليهما انهيارها الضروري، تمامًا كما أن على الصناعة – سواء في شكل الاحتكار أو شكل المنافسة – أن تدمر ذاتها حتى تتعلم الإيمان بالإنسان.
العمل المغترب لقد انطلقنا من مقدمات الاقتصاد السياسي، وتقبلنا لغته وقوانينه، وافترضنا الملكية الخاصة، والانفصال بين العمل ورأس المال والأرض، وبين الأجور وربح رأس المال وريع الأرض – كما افترضنا تقسيم العمل والمنافسة ومفهوم القيمة التبادلية إلخ...، وعلى أساس الاقتصاد السياسي، وبعباراته ذاتها، أوضحنا أن العامل يهبط إلى مستوى السلعة، وأنه يصبح في الحقيقة أتعس أنواع السلع، وأن تعاسته تتناسب تناسبًا عكسيًا مع قوة وحجم إنتاجه، وأن النتيجة الضرورية للمنافسة هي تراكم رأس المال في بضعة أيد، وبالتالي عودة الاحتكار في شكل أبشع، وأخيرًا أن التمييز بين الرأسمالي وصاحب ريع الأرض، تمامًا كالتمييز بين فالح الأرض وعامل المصنع، يختفي، وينقسم المجتمع كله إلى طبقتين: الملاك والعمال الذين لا يملكون شيئًا. والاقتصاد السياسي ينطلق من حقيقة الملكية الخاصة، لكنه لا يفسرها. وهو يعبر في صيغ عامة مجردة عن العملية المادية التي تمر بها الملكية الخاصة بالفعل، ثم يأخذ هذه الصيغ كقوانين. وهو لا يدرك هذه القوانين – أي لا يوضح كيف نشأت من طبيعة الملكية الخاصة ذاتها. والاقتصاد السياسي لا يوضح مصدر التقسيم بين العمل ورأس المال، وبين رأس المال والأرض، وهو حين يحدد مثلاً العلاقة بين الأجور والربح يجعل من مصالح الرأسماليين سببًا نهائيًا، أي أنه يأخذ كأمر مسلم ما هو مفروض أن يوضحه. وبالمثل تظهر المنافسة في كل مكان، وهي تفسر بالظروف الخارجية، أما كيف أن هذه الظروف الخارجية التي تبدو – في الظاهر – عارضة (Furtuitous) ليست سوى التعبير عن المسار الضروري للتطور فإن الاقتصاد السياسي لا يعرفنا بشيء من ذلك. وقد رأينا كيف أن التبادل ذاته يبدو له حقيقة عارضة. والعجلات الوحيدة التي يحركها الاقتصاد السياسي هي التعطش للثروة والحرب بين الأطماع – المنافسة. وبالتحديد لأن الاقتصاد السياسي لا يدرك العلاقات داخل الحركة فقد استطاع أن يقابل مثلاً بين مبدأ المنافسة ومبدأ الاحتكار، بين مبدأ الحرية الحرفية ومبدأ النقابة الحرفية، بين مبدأ تقسيم ملكية الأرض ومبدأ الضياع الكبيرة – لأنه لم يفسر المنافسة والحرية الحرفية وتقسيم ملكية الأرض ولم يدركها إلا كنتائج عارضة عمدية عنيفة للاحتكار والنقابة الحرفية والملكية الإقطاعية وليس كنتائجها الضرورية الحتمية الطبيعية. ومن هنا فإن علينا الآن أن ندرك العلاقة الجوهرية بين الملكية الخاصة، التعطش إلى الثروة، والانفصال بين العمل ورأس المال وملكية الأرض، وبين التبادل والمنافسة، والقيمة وهبوط قيمة البشر، والاحتكار والمنافسة إلخ.. والعلاقة بين كل هذا الاغتراب وبين النظام النقدي. ولنحاول ألا نعود إلى ظرف أصلي خيالي كما يفعل رجل الاقتصاد السياسي حين يحاول أن يفسر. فمثل هذا الظرف الأصلي لا يفسر شيئًا. وإنما هو فحسب يدفع بالمسألة بعيدًا إلى مسافة سديمية معتمة. أنه يفترض – في شكل حقيقة أو حدث – ما هو مفروض أن يستخلصه – وهو العلاقة الضرورية بين شيئين – بين تقسيم العمل والتبادل مثلاً. وبنفس الطريقة يشرح اللاهوت مصدر الشر بسقوط الإنسان، أي أنه يفترض كحقيقة – في شكل تاريخي – ما عليه أن يشرحه. إننا ننطلق من حقيقة اقتصادية فعلية. إن العامل يزداد فقرًا كلما زادت الثروة التي ينتجها، وكلما زاد إنتاجه قوة ودرجة، والعامل يصبح سلعة أكثر رخصًا كلما زاد عدد السلع التي يخلقها، فمع القيمة المتزايدة لعالم الأشياء ينطلق في تناسب عكسي انخفاض قيمة عالم البشر. والعمل لا ينتج سلعًا فحسب، وإنما هو ينتج ذاته وينتج العامل كسلعة – وهو يفعل ذلك بنفس النسبة التي ينتج بها السلع عمومًا. ولا تعبر هذه الحقيقة إلا عن أن الشيء الذي ينتجه العمل – ناتج العمل – يواجهه كشيء غريب، كقوة مستقلة عن المنتج. فناتج العمل هو عمل تجمد في موضوع، أصبح ماديًا، إنه تموضع (Objectification) العمل، فتحقق العمل هو تموضعه، وفي الظروف التي يعالجها الاقتصاد السياسي يبدو هذا التحقق للعمل فقدانًا للواقع بالنسبة للعمال، ويبدو التموضع فقدانًا للموضوع، وعبودية للموضوع، والتملك تغربًا، انسلابًا (Alienation). ويبدو تحقق العمل فقدانًا للواقع حتى أن العامل ليفقد الواقع إلى حد الموت جوعًا، ويبدو التموضع فقدانًا للموضوع حتى أن العامل ليسلب الموضوعات الأشد ضرورة لا لحياته فحسب، بل لعمله كذلك. والحق أن العمل ذاته يصبح شيئًا لا يمكن أن يحصل عليه إلا بأكبر جهد وأشد الانقطاعات بعدًا عن الانتظام. ويبدو تملك الموضوع اغترابًا إلى حد أنه كلما زاد عدد الموضوعات التي ينتجها العامل قل ما يستطيع أن يتملكه، وزاد وقوعه تحت سيطرة ناتجه... رأس المال. وكل هذه النتائج يحويها التعريف القائل أن العامل يرتبط بناتج عمله كما يرتبط بموضع غريب، لأنه من الواضح بحكم هذه المقدمة أنه كلما أنفق العامل نفسه زادت قوة العالم الموضوعي الغريب الذي يخلقه أمام نفسه وأصبح هو – عالمه الداخلي – أكثر فقرًا، وقل ما ينتمي إليه كشيء مملوك له. ونفس الشيء في الدين.. فكلما زاد ما يضعه الإنسان في الله قل ما يحتفظ به في نفسه. إن العامل يضع حياته في الموضوع، لكن حياته الآن لم تعد تنتمي له وإنما للموضوع. ومن هنا فكلما زاد نشاط العامل، زاد افتقاره إلى الموضوعات. وأيًا كان ناتج عمله، فإنه هو لا يوجد. ومن هنا فكلما زاد هذا الإنتاج أصبح هو ذاته أقل. ولا يعني اغتراب العامل في ناتجه أن عمله قد أصبح موضوعًا – وجودًا خارجيًا – فحسب، وإنما يعني أنه يوجد خارجه، مستقلاً عنه، كشيء غريب عنه، وأنه يصبح قوة في ذاته تواجهه، إنه يعني أن الحياة التي منحها للموضوع تواجهه كأمر معاد غريب. ولننظر الآن بدقة أكبر إلى التموضع، إلى إنتاج العامل، ومن هنا إلى الاغتراب، إلى فقدان الموضوع، فقدان ناتجه. إن العامل لا يستطيع أن يخلق شيئًا دون الطبيعة، دون العالم الخارجي المحسوس، إنها المادة التي يتحقق فيها عمله، التي يمارس فيها عمله، التي ينتج منها وبواسطتها. ولكن كما تزود الطبيعة العمل بوسيلة الحياة بمعنى أن العمل لا يستطيع أن يعيش دون موضوعات يعمل عليها، فإنها من الناحية الأخرى توفر وسيلة الحياة – بالمعنى الضيق للكلمة، أي وسيلة الوجود الجسدي للعامل ذاته. وهكذا فكلما زاد تملك العامل للعالم الخارجي – الطبيعة المحسوسة – بعمله، زاد حرمانه لنفسه من وسيلة الحياة بالمعنى المزدوج: أولاً أن العالم الخارجي المحسوس يكف أكثر فأكثر عن أن يكون موضوعًا ينتمي إلى عمله – عن أن يكون وسيلة حياة عمله، وثانيًا أن يكف أكثر فأكثر عن أن يكون وسيلة الحياة بالمعنى المباشر، وسيلة الوجود الجسدي للعامل. وهكذا ففي هذا المجال المزدوج يصبح العامل عبدًا لموضوعه، أولاً في أنه يتلقى موضوعًا للعمل، أي أنه يتلقى عملاً، وثانيًا في أنه يتلقى وسائل المعيشة. ومن هنا فإنه يمكنه من أن يوجد أولاً كعامل وثانيًا كذات جسدية، والصورة القصوى لهذه العبودية هي أنه لا يستمر في الإبقاء على نفسه كذات جسدية إلا باعتباره عاملاً، وأنه ليس عاملاً إلا كذات جسدية. (وتعبر قوانين الاقتصاد السياسي عن اغتراب العامل في موضوعه بالطريقة التالية: كلما زاد ما ينتجه العامل قل ما يستهلكه، وكلما زادت القيم التي ينتجها أصبح هو أكثر تفاهة وقلة شأن. وكلما تحسن شكل ناتجه زاد العامل تشوهًا، وكلما زادت مدنية موضوعه أصبح العامل أكثر وحشية وكلما زادت قدرة العمل أصبح العامل أكثر عجزًا، وكلما زاد إبداع العمل أصبح العامل أكثر غباء، وازدادت عبوديته للطبيعة). ويخفي الاقتصاد السياسي الاغتراب الكامن في طبيعة العمل بعدم دراسته للعلاقة المباشرة بين العامل (العمل) وبين الإنتاج. صحيح أن العمل ينتج للأغنياء أشياء رائعة – لكنه ينتج للعامل الحرمان. أنه ينتج القصور – وللعامل الأكواخ، ينتج الجمال – وللعامل التشوه. يحل الآلات محل العمل – لكنه يلقي ببعض العمال إلى طراز بربري من العمل ويحول البعض الآخر إلى آلات، أنه ينتج الذكاء – وللعامل البلاهة والحماقة. إن العلاقة المباشرة بين العمل وما ينتجه هي العلاقة بين العامل والموضوعات التي ينتجها، أما علاقة الثري بموضوعات الإنتاج بالإنتاج ذاته فليست سوى نتيجة لهذه العلاقة الأولى – وهي نتيجة تؤكدها. وسندرس هذا الجانب الآخر فيما بعد. فحين نسأل إذن – ما العلاقة الأساسية للعمل فإنما نحن نسأل عن علاقة العامل بالإنتاج. وحتى الآن كنا ندرس اغتراب، انسلاب، العامل في أحد جوانبه فقط أي علاقة العامل بمنتجات عمله، لكن الاغتراب لا يبدو فحسب في نتيجة الإنتاج بل في فعل الإنتاج – داخل النشاط الإنتاجي ذاته. فكيف يمكن للعامل أن يواجه ناتج نشاطه كشخص غريب لو لم يكن في عملية الإنتاج ذاتها يغترب بذاته عن ذاته؟ فليس الناتج في نهاية الأمر إلا خلاصة النشاط الإنتاجي، فإذا كان ناتج العمل هو الانسلاب فلا بد أن يكون الإنتاج نفسه انسلابًا نشطًا، انسلاب النشاط، نشاط الانسلاب، ففي اغتراب موضوع العمل إنما يتلخص الاغتراب، الانسلاب، في نشاط العمل ذاته. فماذا إذن يشكل اغتراب العمل؟ أولاً، حقيقة أن العمل خارجي عن العامل، أي أنه لا ينتمي إلى وجوده الأساسي، وأنه بالتالي لا يؤكد ذاته في العمل وإنما ينكرها، لا يشعر بالارتياح، بل بالتعاسة، لا ينمي بحرية طاقته البدنية والذهنية وإنما يقتل جسده ويدمر ذهنه. ومن هنا فإن العامل إنما يشعر بنفسه خارج العمل، وهو في العمل يشعر بأنه خارج نفسه، إنه في مكانه حين لا يعمل، وحين يمل فإنه ليس في مكانه. ومن هنا فإن عمله ليس اختيارًا، وإنما هو قسر، إنه عمل إجباري، وهكذا فهو ليس إشباعًا لحاجة، وإنما هون مجرد وسيلة لإشباع حاجات خارجية، وتبرز طبيعته الغربية بوضوح في حقيقة أنه طالما لا يوجد إجبار مادي أو غير مادي فإن العمل يتجنب كأنه الطاعون. إن العمل الخارجي، العمل الذي ينسلب فيه الإنسان عن ذاته – هو عمل من التضحية بالنفس، من قتل النفس. وأخيرًا يبدو الطابع الخارجي للعمل بالنسبة للعامل في حقيقة أنه ليس له، وإنما هو لآخر، أنه لا ينتمي له، أنه خلاله لا ينتمي لنفسه وإنما لآخر، وكما نجد في الدين أن النشاط التلقائي للخيال البشري، وللذهن البشري، والقلب البشري، يعمل بشكل مستقل عن الفرد – كذلك فإن نشاط العامل ليس هو نشاطه التلقائي، إنه ينتمي لآخر، إنه فقدان ذاته. وكنتيجة لذلك فإن الإنسان (العامل) لا يعود يشعر بنفسه يتصرف بحرية إلا في وظائفه الحيوانية – الأكل والشرب والتكاثر وعلى أكثر تقدير في مسكنه وملبسه إلخ... أما في وظائفه الإنسانية فإنه لا يعود يشعر إلا بأنه حيوان، فما هو حيواني يصبح إنسانيًا، وما هو إنساني يصبح حيوانيًا. وصحيح أن الأكل والشرب والتكاثر إلخ. هي كذلك وظائف إنسانية حقة، ولكنها في التجريد الذي يفصلها عن مجال كل نشاط إنساني آخر ويحولها إلى أهداف وحيدة ونهائية، تكون حيوانية. ولقد درسنا الآن عملية اغتراب النشاط الإنساني العملي – العمل – في جانبين. (1) العلاقة بين العامل وناتج العمل كموضوع غريب يمارس قوته عليه، وهذه العلاقة هي في نفس الوقت العلاقة بالعالم الخارجي، بموضوعات الطبيعة كعالم غريب يعارضه معارضة عدائية. (2) علاقة العمل بفعل الإنتاج داخل عملية العمل. وهذه العلاقة هي علاقة العامل بنشاطه هو كنشاط غريب لا ينمي إليه، إنها النشاط كمعاناة، والقوة كضعف، والإنجاب كعقم، إنها وجود العامل المادي ذاته، وطاقته الذهنية – أو حياته الشخصية، وإلا فما الحياة إن لم تكن النشاط؟ - يتحول ضده، ولا يعتمد عليه أو ينتمي إليه. وهنا نجد اغتراب الذات، كما رأينا من قبل اغتراب الشيء. بيد أن أمامنا جانبًا ثالثًا للعمل المغترب نستخلصه من الجانبين السابقين. فالإنسان كائن نوعي (Species being)، ولا يرجع هذا فحسب إلى أنه يتخذ النوع – في الممارسة وفي النظرية – موضوعًا له (نوعه فضلاً عن نوع الأشياء الأخرى) وإنما هو يرجع كذلك – وليس هذا سوى أسلوب آخر للتعبير – إلى أنه يعامل نفسه باعتباره النوع الحي الفعلي، يعامل نفسه ككائن كل وبالتالي حر. وحياة النوع – سواء عند الإنسان أو عند الحيوان – تتألف ماديًا من حقيقة أن الإنسان (كالحيوان) يعيش على الطبيعة غير العضوية، وكلما ازدادت كلية الإنسان بالمقارنة بالحيوانات ازدادت كلية مجال الطبيعة غير العضوية التي يعيش عليها. وتمامًا كما تشكل النباتات والحيوانات والأحجار والهواء والضوء إلخ.. جزءًا من الوعي الإنساني في مملكة النظرية، جزئيًا كموضوعات للعلم الطبيعي وجزئيًا كموضوعات للفن – طبيعته الروحية غير العضوية، غذاءه الروحي الذي ينبغي عليه أولاً أن يعده كي يكون سائغًا وقابلاً للهضم – فإنها تشكل كذلك في مملكة الممارسة جزءًا من الحياة الإنسانية والنشاط الإنساني. ومن الناحية البدنية لا يعيش الإنسان إلا على منتجات الطبيعة هذه – سوا ظهرت في شكل طعام أو دفء أو ملابس أو مسكن أو أي شيء آخر. وكلية الإنسان تظهر في الممارسة بالتحديد في الكلية التي تجعل من الطبيعة بأسرها جسمه غير العضوي – سواء من حيث أن الطبيعة هي (1) وسيلته المباشرة للعيش و(2) مادة وموضوع وأداة نشاط حياته. فالطبيعة هي جسم الإنسان غير العضوي – ونحن نشير هنا إلى الطبيعة من حيث أنها ليست هي الجسم الإنساني. فكون الإنسان يعيش على الطبيعة – يعني أن الطبيعة هي جسده الذي ينبغي أن يظل البدنية والروحية ترتبط بالطبيعة يعني أن الطبيعة ترتبط بذاتها، لأن الإنسان جزء من الطبيعة. والعمل المغترب، حين يغترب بالإنسان عن (1) الطبيعة و(2) عن ذاته، عن وظائفه النشطة، عن نشاطه حياته إنما يغترب بالنوع عن الإنسان. إنه يحول حياة النوع بالنسبة له إلى وسيلة لحياة الفرد. وهو أولاً يغترب بحياة النوع عن حياة الفرد وثانيًا يجعل حياة الفرد في شكلها المجرد هدف حياة النوع – وبالمثل في شكلها المجرد والمغترب. وذلك في المقام الأول لأن العمل – نشاط الحياة، الحياة الإنتاجية ذاتها – يبدو للإنسان مجرد وسيلة لإشباع حاجة – الحاجة إلى المحافظة على الوجود الجسدي. غير أن الحياة الإنتاجية هي حياة النوع، إنها حياة تولد حياة، وطابع أي نوع – طابعه كنوع – يحويه طابع نشاط حياته، والنشاط الحرب الواعي هو طابع نوع الإنسان. والحياة نفسها لا تظهر إلا كوسيلة للحياة. ويتطابق الحيوان بشكل مباشر مع نشاط حياته، وهو لا يميز نفسه عنه، إنه نشاط حياته. والإنسان يجعل نشاط حياته ذاته موضوع إرادته ووعيه. أن لديه نشاط حياة واعيًا، وهو ليس تحديدًا يندمج فيه بشكل مباشر، فنشاط الحياة الواعي يميز الإنسان بشكل مباشر عن نشاط حياة الحيوان، وهو لهذا السبب بالتحديد يعد كائنًا نوعيًا، أو هو ليس كائنًا واعيًا – أي أن حياته ذاته موضوع له – إلا لأنه كائن نوعي. ولهذا السبب وحده فإن نشاطه حر، لكن العمل المغترب يقلب هذه العلاقة بحيث أن الإنسان – ولأنه كائن واع – يجعل نشاط حياته، وجوده الأساسي، مجرد وسيلة للوجود. والإنسان إذ يخلق عالمًا موضوعيًا. بنشاطه العملي، وإذ يصوغ الطبيعة غير العضوية يؤكد ذاته ككائن نوعي. صحيح أن الحيوانات أيضًا تنتج، فه
| |
|