(الملكية الخاصة والعمل.
آراء المذهب التجاري والفزيوقراطية وأدم سميث وريكارد ومدرسته)
حول الصفحة 36. الماهية الذاتية للملكية الخاصة – الملكية الخاصة كنشاط لذاته ([46]) ، كذات، كشخص – هي العمل. ومن هنا فمن البديهي أن الاقتصاد السياسي الذي يعترف بالعمل كمبدأ له (آدم سميث)، والذي لم يعد من ثم ينظر إلى الملكية الخاصة كمجرد ظرف خارجي عن الإنسان – أن هذا الاقتصاد السياسي وحده هو الذي ينبغي أن ينظر إليه من ناحية – كنتيجة للطاقة الفعلية والحركة الفعلية للملكية الخاصة ([47]) ، كنتاج للصناعة الحديثة – ومن ناحية أخرى كقوة أسرعت ومجدت طاقة وتطور الصناعة الحديثة، وجعلتها قوة في مملكة الوعي. وهكذا فبالنسبة لهذا الاقتصاد السياسي المستنير – الذي أكتشف داخل الملكية الخاصة الماهية الذاتية للثروة – يبدو أنصار المذهب النقدي والتجاري الذين لا ينظرون إلى الملكية الخاصة إلا الجوهر ([48]) موضوعي يواجه الناس عبدة أصنام ووثنيين وكاثوليك ومن هنا كان انجلز على حق حين سمى آدم سميث لوثر الاقتصاد السياسي ([49]) . فكما أعترف لوتر بالذين – الإيمان – كجوهر للعالم الخارجي، وبالتالي وقف معارضًا للوثنية الكاثوليكية – وكما تجاوز ([50]) التدين الخارجي بجعل التدين الجوهر الداخلي للإنسان، وكما نفى الكهنة خارج الإنسان العادي لأنه غرس الكاهن في قلوب الناس العاديين... هكذا تمامًا كان الأمر مع الثروة: فقد الغيث الثروة كشيء خارج الإنسان ومستقل عنه، ومن ثم كشيء لا يمكن أن يحفظ أو يؤكد إلا بطريقة خارجية، أي أن هذه الموضوعية الخارجية اللا معقولة للثروة قد ألغيت، إذ أصبحت الملكية الخاصة متجسدة في الإنسان نفسه، والإنسان نفسه يعتبر ما هية لها. ولكن نتيجة لذلك يجلب الإنسان إلى داخل مدار الملكية الخاصة، تمامًا كما جلب – عند لوثر – إلى داخل مدار الدين. وتحت مظهر الاعتراف بالإنسان لم يعد الاقتصاد السياسي حقًا – ومبدؤه هو العمل – أكثر من التحقق المنسق لإنكار الإنسان، لأن الإنسان ذاته لم يعد يقف في علاقة خارجية من التوتر مع الجوهر الخارجي للملكية الخاصة، بل أصبح هو ذاته هذه الماهية المتوترة للملكية الخاصة. وما كان من قبل خارجيًا بالنسبة للذات – تخارج الإنسان في الشيء ([51]) – قد أصبح مجرد فعل التخارج – عملية الانسلاب. وهكذا فإذا كان هذا الاقتصاد السياسي يبدأ بالتظاهر بالاعتراف بالإنسان (استقلاله وتلقائيته الخ..)، وإذا كان يحدد موضع الملكية الخاصة في وجود الإنسان ذاته، فإنه لم يعد يمكن أن يظل محددًا بالخصائص المحلية أو القومية أو غيرها من خصائص الملكية الخاصة، وكأنها شيء يوجد خارجه، وإذا كان هذا الاقتصاد السياسي يكشف بالتالي عن طاقة كوزموبوليتية، كلية، تطيح بكل قيد ورابطة حتى تضع نفسها مكانها باعتبارها السياسة الوحيدة، والكلية الوحيدة، والقيد الوحيد، والرابطة الوحيدة، فإن عليه أن يطرح جانبًا هذا النفاق في مجرى تطوره المقبل، وأن يبرز بكل تبجحه. وهو يفعل ذلك – دون أن تزعجه كل التناقضات الظاهرة التي ينغمس فيها – بتطوير فكرة العمل تطويرًا أكثر أحادية، ومن ثم أكثر أنساقًا، باعتباره الماهية الوحيدة للثروة: بإثباته أن نتائج هذه النظرية لا إنسانية في طابعها، على عكس المعالجة الأخرى الأصلية وأخيرًا بتوجيه اللطمة الساحقة للريع – آخر شكل فردي طبيعي للملكية الخاصة، وآخر مصدر للثورة يوجد مستقلاً عن حركة العمل، هذا التعبير عن الملكية الإقطاعية، وهو تعبير أصبح اقتصاديًا تمامًا في طابعه، وبالتالي عاجزًا عن مقاومة الاقتصاد السياسي (مدرسة ريكاردو). وليست هناك فحسب زيادة نسبية في تبجح الاقتصاد السياسي منذ سميث وخلال ساي حتى ريكاردو وميل الخ... بقدر ما تبدو نتائج الصناعة أكثر تطورًا وأكثر تناقضًا في أعين هؤلاء الأخيرين، بل أن هؤلاء الاقتصاديين الأخيرين تقدموا بثبات ووعي إلى أبعد من أسلافهم بصورة إيجابية في تغربهم عن الإنسان. غير أنهم إنما يفعلون ذلك لأن علمهم يتطور باتساق وأصالة أكبر. ولأنهم يجعلون الملكية الخاصة في شكلها النشط الذات، وبذلك يجعلون الإنسان في نفس الوقت – والإنسان كشيء غير ما هوى – الماهية، فإن تناقض الواقع يتجاوب كلية مع الماهية المتناقضة التي يقبلونها كمبدأ لهم. وعالم الصناعة الممزق يؤكد مبدأهم الممزق داخليًا ولا يدحضه. ومبدأهم هو – في نهاية الأمر – مبدأ هذا التمزق.
ويشكل مذهب الفزيوقراط الذي وضعه الدكتور كيسناي الشكل الانتقالي من المذهب التجاري إلى آدم سميث. والفزيوقراطية هي بشكل مباشر ذوبان الملكية الإقطاعية في الاقتصاد السياسي، لكنها كذلك وبنفس الصورة المباشرة تحولها وعودتها في الاقتصاد السياسي، فيما عدا أن لغتها الآن لم تعد لغة إقطاعية بل اقتصادية. فكل الثروة تحلل إلى أرض وزراعة. والأرض ليست بعد رأسمالاً: إنها لا تزال شكلاً خاصًا لوجوده، يفترض أن صحته تكمن وتستمد من خصوصيته الطبيعية. غير أن الأرض عنصر طبيعي عام في حين أن المذهب التجاري لا يعترف بالثروة إلا في شكل معدن ثمين. وهكذا فإن موضوع الثروة – مادتها – قد أتخذ صراحة أعلى درجة من العمومية داخل حدود الطبيعة، من حيث أنه بشكل مباشر ثروة موضوعية حتى كطبيعة. والأرض لا توجد بالنسبة للإنسان إلا من خلال العمل، من خلال الزارعة. وهكذا فإن الماهية الذاتية للثروة قد حولت إلى العمل. ولكن في نفس الوقت فالزراعة هي العمل الإنتاجي الوحيد. ومن هنا فإن العمل لا يفهم بعد في عموميته وتجريده: فهو لا يزال انسلابًا نوعيًا، خاصًا، للإنسان، تمامًا كما أن ناتجه لا يدرك إلا كشكل نوعي للثروة، يرجع إلى الطبيعة أكثر مما يرجع إلى العمل ذاته. ولا تزال الأرض تدرك هنا كظاهرة طبيعية مستقلة عن الإنسان – وليس وبعد كرأسمال أي كمظهر للعمل ذاته. وبالأحرى أن العمل يبدو كمظهر للأرض. ولكن ما كانت وثنية الثروة الخارجية القديمة – والثروة التي توجد كموضوع فقط – قد ردت على عنصر طبيعي بسيط للغاية، ولما كانت ما هيتها – ولو جزئيًا فحسب وفي شكل خاص – قد أدركت داخل وجودها الذاتي، فإن هناك الخطوة الضرورية إلى الأمام من حيث أن الطبيعة العامة للثروة قد اتضحت، وأن العمل بالتالي – في إطلاقه الكلي (أي في تجريده) – قد أثير وأقر باعتباره المبدأ. ويرد على الفزيوقراطية بأن الزراعة من وجهة النظر الاقتصادية – أي من وجهة النظر الصحيحة الوحيدة – لا تختلف عن أي صناعة أخرى، وأن منفعية الثروة من هنا ليست شكلاً نوعيًا للعمل مرتبطًا بعنصر خاص – تعبيرًا خاصًا عن العمل – وإنما هي العمل عمومًا.
وتنكر الفزيوقراطية الثروة الخاصة الخارجية الموضوعية فحسب بإعلانها أن العمل هو ماهية الثروة. لكن العمل عند الفزيوقراطية ليس منذ البداية الأولى إلا الماهية الذاتية لملكية الأرض (فهي تنطلق من طراز الملكية الذي يبدو تاريخيًا الطراز المسيطر المعترف به) وهي أنما تحول ملكية الأرض إلى إنسان منسلب. وهي تلغي طابعها الإقطاعي بإعلان أن الصناعة (الزراعة) هي ماهيتها. لكن موقفها من عالم الصناعة هو موقف الإنكار، وهي تعترف بالنظام الإقطاعي بإعلان أن الزراعة هي الصناعة الوحيدة.
ومن الواضح أنه إذا كانت الماهية الذاتية للصناعة قد أدركت الآن (للصناعة في مواجهة ملكية الأرض أي الصناعة وهي تشكل ذاتها كصناعة) فإن هذه الماهية تشمل نقيضها. فتمامًا كما تجسد الصناعة ملكية الأرض الملغاة فإن الماهية الذاتية للصناعة تجسد في نفس الوقت الماهية الذاتية لملكية الأرض.
وتمامًا كما أن ملكية الأرض هي أول أشكال الملكية الخاصة، وأن الصناعة قد واجهتها في البداية تاريخيًا كمجرد شكل خاص للملكية – أو بالأحرى كعبد أعنق لملكية الأرض – فإن هذه العملية تكرر ذاتها على مستوى الإدراك العلمي للماهية الذاتية للملكية الخاصة، للعمل. ويبدو العمل في البداية كعمل زراعي فحسب، لكنه بعدئذ يؤكد ذاته كعمل عمومًا.
لقد أصبحت كل الثروات ثروات صناعية، ثروة العمل، والصناعة عمل منجن، تمامًا كما أن نظام المصنع هو ماهية الصناعة – العمل – وقد توصلت إلى النضج، وتمامًا كما أن رأس المال الصناعي هو الشكل الموضوعي المنجز للملكية الخاصة.
ونستطيع الآن أن نرى كيف أنه عند هذه النقطة فحسب تستطيع الملكية الخاصة أن تكمل سيطرتها على الإنسان، وتصبح في أكثر أشكالها عمومية قوة تاريخية عالمية.
(الملكية الخاصة والشيوعية.
مختلف مراحل تطور الأفكار الشيوعية.
الشيوعية الفجة والشيوعية القائمة على المساواة والشيوعية بوصفها اشتراكية تتوافق مع الإنسانية)
حول الصفحة 39. أن التضاد بين اللا ملكية والملكية – طالما لم يفهم باعتباره تضادًا بين العمل ورأس المال، لا يزال تضادًا لا مباليًا، لم يدرك في صلته الفاعلة، في علاقته الداخلية – لا يزال تضادًا لم يدرك كتناقض. وهو يمكن أن يجد تعبيرًا في هذا الشكل الأول حتى دون التطور المتقدم للملكية الخاصة (كما في روما القديمة وتركيا ألخ...)، أنه لا يبدو بعد وكأن الملكية الخاصة ذاتها هي التي أقامته، لكن العمل – الماهية الذاتية للملكية الخاصة كاستبعاد للملكية، ورأس المال – العمل الموضوعي كاستبعاد للعمل – يشكلان الملكية الخاصة في حالة تناقضها المتطورة – ومن هنا علاقة دينامية تتحرك بعناد نحو حلها.
حلو الصفحة نفسها، أن تخطي ([52]) اغتراب الذات يتبع نفس تطور اغتراب الذات، فالملكية الخاصة ترى أولاً في جانبها الموضوعي وحده – ولكن مع العمل كماهية لها. ومن هنا فإن شكل وجودها هو رأس المال الذي ينبغي أن يلغي "باعتباره هذا" (برودون)، أو أن شكلاً خاصًا من أشكال العمل – العمل السوي المجزأ، وبالتالي غير الحر – يتصور كمصدر لضرر الملكية الخاصة، ولوجودها في اغتراب عن الناس، وعلى سبيل المثال فوربيه الذي كان كالفزيوقراط يتصور بدوره العمل الزراعي باعتباره على الأقل النموذج المثالي، في حين يعلن سان سيمون على العكس أن العمل الصناعي من حيث هو كذلك هو الماهية، ثم هو يتطلع إلى حكم الصناعيين وحدهم وتحسين ظروف العمال. وأخيرًا فالشيوعية هي التعبير الإيجابي عن الملكية الخاصة الملغاة – أولاً كملكية خاصة كلية Universal. والشيوعية بإحاطتها بهذه العلاقة ككل فإنها:
(1) في شكلها الأول مجرد تعميم واكتمال لهذه العلاقة، وهي تكشف عن نفسها باعتبارها هذا في شكل مزدوج: فمن ناحية تتضخم سيطرة الثروة المادية إلى حد أنها تزيد أن تحطم كل شيء لا يقبل أن يحوزه الجميع كملكية خاصة، إنها تريد أن تزيل الموهبة... الخ بالقوة لأن هدف الحياة والوجود الوحيد بالنسبة لها هو الحيازة المادية المباشرة. أن مقولة العامل لا تلغي، وإنما هي توسع لتشمل كل الناس. وتستمر علاقة الملكية الخاصة باعتبارها علاقة الجماعة بعالم الأشياء، وأخيرًا فإن حركة المقابلة بين الملكية الخاصة الكلية وبين الملكية الخاصة تجد تعبيرًا عنها في الشكل الحيواني لمقابلة الزواج (وهو بالتأكيد شكل للملكية الخاصة الاستئثارية) بمشاعية النساء، التي تصبح المرأة فيها جزءًا من الملكية الجماعية المشتركة. ويمكن أن نقول أن فكرة مشاعية النساء هذه تكشف عن سر هذه الشيوعية التي لا تزال فجة تمامًا وبلا تفكير. فتمامًا كما تنتقل المرأة من الزواج إلى البغاء العام ([53]) فإن كل عالم الثروة (أي جوهر الإنسان الموضوعي) ينتقل من علاقة الزواج المستأثرة بمالك الملكية الخاصة إلى حالة من البغاء الكلي مع الجماعة. وهذا الطراز من الشيوعية بنفيه شخصية الإنسان في كل مجال ليس في الحقيقة إلا التعبير المنطقي للملكية الخاصة، الذي هو هذا النفي. أن الحسد العام الذي يشكل ذاته كقوة هو القناع الذي يتخذه التعطش إلى الثروة، والذي يشبع به نفسه وإنما بطريقة أخرى. أن أفكار كل قطعة من الملكية الخاصة – الكامنة في كل قطعة بما هي كذلك – تتجه على الأقل ضد كل ملكية خاصة أغني في شكل الحسد واللهفة إلى الهبوط إلى مستوى مشترك بحيث أن هذا الحسد واللهفة يشكلان جوهر المنافسة. وليست الشيوعية الفجة إلا اكتمال هذا الحسد وهذه التسوية منطلقة من الحد الأدنى المتصور مسبقًا. أن لديها معيارًا محددًا محدودًا. أما كيف أن هذا الإلغاء للملكية الخاصة ليس في الحقيقة تملكًا فهو ما يؤكده النفي المجرد لكل عالم الثقافة والمدنية، والردة إلى البساطة غير الطبيعية للإنسان الفقير الذي ليست له مطالب، الذي لم يفشل فحسب في تخطي إطار الملكية الخاصة، بل حتى لم يبلغها بعد.
وليست الجماعة إلا جماعة عمل، ومساواة في الأجور التي يدفعها رأس المال الجماعي – الجماعة كرأسمالي كلي، وكلا جانبي العلاقة يرفع إلى كلية متخيلة – العمل كحالة يوضع فيها كل شخص، ورأس المال ككلية الجماعة وقوتها المعترف بهما.
وفي الموقف من المرأة كغنيمة وخادمة للشهوة الجماعية ينعكس الانحطاط اللانهائي الذي يوجد فيه الإنسان لذاته، لأن سر هذا الموقف يجد تعبيره الجلي القاطع الواضح غير المقنع في علاقة الرجل بالمرأة، وفي الطريقة التي يتم بها تصور علاقة التكاثر المباشرة الطبيعية، فالعلاقة المباشرة والطبيعية والضرورية بين شخص وشخص هي علاقة الرجل بالمرأة. ففي هذه العلاقة الطبيعية بين الجنسين تكون علاقة الإنسان بالطبيعة هي مباشرة علاقته بالإنسان، تمامًا كما أن علاقته بالإنسان هي مباشرة علاقته بالطبيعة – بوظيفته الطبيعية الخاصة. ومن هنا ففي هذه العلاقة يتجلى بشكل محسوس – وقد انتهى إلى واقعة يمكن ملاحظتها – المدى الذي أصبحت فيه ماهية الإنسان طبيعة للإنسان. أو الذي أصبحت فيه الطبيعة بالنسبة له الماهية الإنسانية للإنسان. ومن هنا يستطيع المرء من هذه العلاقة أن يحكم على كل مستوى تطور الإنسان، ويتضح من طبيعة هذه العلاقة إلى أي حد تمكن الإنسان – ككائن نوعي، كإنسان – من أن يصبح ذاته، وأن يدرك ذاته، فالعلاقة بين الرجل والمرأة هي العلاقة الأكثر طبيعية بين الكائن الإنساني والكائن الإنساني، وهي بالتالي تكشف عن المدى الذي أصبح به سلوك الإنسان الطبيعي إنسانيًا، أو المدى الذي أصبحت به الماهية الإنسانية فيه ماهية طبيعية – المدى الذي أصبحت فيه طبيعته الإنسانية هي الطبيعة بالنسبة له، وفي هذه العلاقة يتضح أيضًا المدى الذي أصبحت به حاجة الإنسان حاجة إنسانية، ومن ثم المدى الذي أصبح به الشخص الآخر كشخص حاجة بالنسبة له – المدى الذي يكون فيه في وجوده المفرد هو في نفس الوقت كائن اجتماعي. وهكذا فإن الإلغاء الإيجابي الأول للملكية الخاصة – الشيوعية الفجة – هو مجرد شكل تظهر فيه على السطح وضاعة الملكية الخاصة التي تريد أن تضع نفسها باعتبارها الجماعة الإيجابية.
(2) الشيوعية (أ) التي لا تزال ذات طبيعية سياسية – ديموقراطية أو مطلعة. (ب) مع إلغاء الدولة، إلا أنها لا تزال بعد غير كاملة. ولا تزال متأثرة بالملكية الخاصة (أي باغتراب الإنسان). وفي كلا الشكلين تدرك الشيوعية نفسها باعتبارها عودة تكامل الإنسان مع ذاته أو رجوعه إليها، وتخطي اغتراب الذات الإنساني، ولكن لأنها لم تدرك بعد الماهية الإيجابية للملكية الخاصة، ولم تدرك بنفس القدر الطبيعة الإنسانية للحاجة، فإنها تظل أسيرة لها وملوثة بها، إنها حقًا قد أدركت مفهومها، لكنها لم تدرك ماهيتها.
(3) ألشيوعية باعتبارها التخطي الإيجابي للملكية الخاصة، أو لاغتراب الذات الإنساني، وبالتالي باعتبارها التملك الحقيقي للماهية الإنسانية من جانب الإنسان وللإنسان، وبالتالي الشيوعية باعتبارها عودة الإنسان الكاملة إلى ذاته ككائن اجتماعي (أي إنساني) – عودة تصبح واعية ومكتملة في إطار كل ثروة التطور السابق. وهذه الشيوعية – كطبيعية مكتملة التطور – تساوي الإنسانية، وكإنسانية مكتملة التطور تساوي الطبيعية، إنها الحل الحقيقي للنزاع بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والإنسان – الحل الحقيقي للصراع بين الوجود والماهية، بين التموضع وتأكيد الذات، بين الحرية والضرورة، بين الفرد والنوع. الشيوعية هي لغز التاريخ وقد حل، وهي تعرف نفسها باعتبارها هذا الحل.
ومن هنا فإن كل حركة التاريخ هي كل من فعل توليدها الواقعي (فعل ولادة وجودها التجريبي) وكذلك بالنسبة لوعيها المفكر العملية المدركة والمعروفة لصيرورتها. وفي نفس الوقت فإن تلك الشيوعية الأخرى – التي لا تزال غير ناضجة – تبحث عن برهان تاريخي لذاتها – برهان في مملكة الموجود – بين الظواهر التاريخية غير المترابطة المعارضة للملكية الخاصة، منتزعة مراحل مفردة من العملية التاريخية، ومركزة الاهتمام عليها كبراهين على أصالة نسبها (وهذا جواد طالما امتطاه كابيه وفيلجارديل وغيرهما). وهي إذ تفعل ذلك فإنها إنما توضح أنه حتى الآن فإن الجانب الأكبر من هذه العملية يناقض مزاعمها، وأنها إذا كانت قد وجدت ذات مرة، فإن وجودها في الماضي بالتحديد يدحض زعمها أنها جوهرية (Essential).
فمن السهل أن نرى أن كل الحركة الثورية تجد بالضرورة كلا من أساسها التجريبي وأساسها النظري في حركة الملكية الخاصة – وبتعبير أدق في حركة الاقتصاد.
وهذه الملكية الخاصة المادية المحسوسة مباشرة هي التعبير المادي الحسي عن الحياة الإنسانية المغتربة. وحركتها – الإنتاج والاستهلاك – هي الانكشاف الحسي لحركة كل الإنتاج حتى الآن – أي تحقق الإنسان أو حقيقته. فالدين والعائلة والدولة والقانون والأخلاق والعلم والفن إلخ.. ليست سوى أساليب إنتاج خاصة، وتخضع لقانونه العام. ومن هنا فإن التخطي الإيجابي للملكية الخاصة كتملك للحياة الإنسانية هو التخطي الإيجابي لكل اغتراب – وبعبارة أخرى عودة الإنسان من الدين والعائلة والدولة إلخ.. إلى أسلوب وجوده الإنساني أي الاجتماعي. فالاغتراب الديني بما هو كذلك لا يحدث إلا في مملكة الوعي، حياة الإنسان الداخلية، لكن الاغتراب الاقتصادي هو اغتراب الحياة الواقعية، وبالتالي فإن تخطيه يشمل كلا الجانبين. ومن الواضح أن المرحلة الأولى للحركة بين مختلف الشعوب تتوقف على ما إذا كانت الحياة الحقة للشعب والأصيلة بالنسبة له تتجلى أكثر في الوعي أو في العالم الخارجي – ما إذا كانت بدرجة أكبر مثالية أو واقعية. والشيوعية تبدأ منذ البداية (أوين) مع الإلحاد. لكن الإلحاد في البداية أبعد من أن يكون شيوعية، والحق أنه لا يزال في أغلبه تجريدًا.
وهكذا فإن خيرية (Philanthropy) الإلحاد هي في البداية مجرد خيرية فلسفية مجردة، أما خيرية الشيوعية فهي على الفور واقعية تتجه مباشرة إلى الفعل.
وقد رأينا كيف أنه مع افتراض الملكية الخاصة الملغاة إيجابيًا فإن الإنسان ينتج الإنسان – ينتج نفسه وينتج الإنسان الآخر، وكيف أن الموضوع – باعتباره التجسيد المباشر لفرديته – هو في الوقت نفسه وجوده للإنسان الآخر، ووجود الإنسان الآخر، ووجود الإنسان الآخر بالنسبة له. بيد أنه بالمثل فإن كلا من مادة العمل والإنسان كذات هما نقطة انطلاق الحركة فضلاً عن نتيجتها (وفي هذه الحقيقة بالتحديد – أنهما لا بد أن يشكلا نقطة الانطلاق – تكمن الضرورة التاريخية للملكية الخاصة). وهكذا فإن الطابع الاجتماعي هو الطابع العام للحركة كلها: فتمامًا كما أن المجتمع ذاته ينتج الإنسان كإنسان فإن المجتمع ينتجه الإنسان. والفاعلية والاستهلاك – في كل من مضمونهما وأسلوب وجودهما – اجتماعيان: فاعلية اجتماعية واستهلاك اجتماعي، والماهية الإنسانية للطبيعة لا توجد أولاً إلا بالنسبة للإنسان الاجتماعي، والماهية الإنسانية للطبيعة لا توجد أولاً إلا بالنسبة للإنسان الاجتماعي، لأنه هنا فحسب توجد الطبيعة بالنسبة له كرابطة مع إنسان – كوجوده بالنسبة للآخر ووجود الآخر بالنسبة له – كعنصر الحياة للعالم الإنساني، هنا فحسب توجد الطبيعية كأساس لوجوده الإنساني. هنا فحسب أصبح ما هو بالنسبة له وجوده الطبيعي هو وجوده الإنساني، وأصبحت الطبيعة هي الإنسان بالنسبة له. وهكذا فإن المجتمع هو الوحدة المكتملة في الجوهر بين الإنسان والطبيعة – البعث الحقيقي للطبيعة – طبيعية الإنسان وإنسانية الطبيعة وقد وصل كلاً منهما إلى تحققه.
غير أن الفاعلية الاجتماعية والاستهلاك الاجتماعي لا يوجدان فقط في شكل نوع من الفاعلية الجماعية المباشرة والاستهلاك الجماعي المباشر رغم أن الفاعلية الجماعية والاستهلاك الجماعي – أي الفاعلية والاستهلاك اللذين يتجليان ويتأكدان مباشرة في الترابط الحقيقي مع الناس الآخرين – سيحدثان حيثما ينبع مثل هذا التعبير المباشر عن الاجتماعية من الطابع الحقيقي لمضمون الفاعلية الإنسانية، ويكون ملائمًا لطبيعة الاستهلاك.
ولكن مرة أخرى فحين أنشط علميًا إلخ... – حين أنغمس في فاعلية لا أكاد أستطيع أن أؤديها في اشتراك مباشر مع الآخرين – فإنني حينئذ اجتماعي، لأنني أنشط كإنسان، ولا يقتصر الأمر على أن مواد فاعليتي ق