خالد عويس
- شالوم يستهدف معسكرات الفلاشا في جوندار
- جدل حول "يهودية" الفلاشا
- استحقاقات الفلاشا وتدعيم التوازن الديمغرافي
- مياه النيل: الملف الأكثر سخونة
- أهداف استراتيجية لإسرائيل في إفريقيا
ترى ماذا تريد إسرائيل من إثيوبيا وماذا تريد إثيوبيا من إسرائيل! هل سيفضي التقارب بين تل أبيب وأديس أبابا إلى تهديد جدي للمصالح العربية على الصعيد الاستراتيجي! إلى ماذا أدت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم إلى إثيوبيا في 6 يناير الماضي، وماذا يمكن أن تسفر عنه زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي إلى إسرائيل في مطلع يونيو 2003!
كيف ستكون النتائج على المدى القريب المتمخضة عن الزيارة الأولى لرئيس وزراء إثيوبي إلى إسرائيل منذ إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1989! لماذا تحاشت الخارجية الإثيوبية تماما الرد على على استفسارات "العربية.نت"، ورفض مسؤولوها الإدلاء بأي تعليق؟ مياه النيل ، تقوية التوازن الديمغرافي لجهة اليهود في فلسطين، الأهداف الاستراتيجية الخفية لإسرائيل في القارة الإفريقية، تطويق عدد من البلدان العربية من بينها مصر والسعودية واليمن والسودان، التلاعب بورقة النزاع الإثيوبي الاريتري وتطويعها لمصلحة إسرائيل، ضرب التحالف المسمى "نادي صنعاء"، وتحقيق علاقات مميزة على الأصعدة كافة مع الأفارقة، تلك هي مرامي الساسة الإسرائيليين من تقاربهم الحثيث مع إثيوبيا بحسب خبراء استطلعتهم "العربية نت"، في إطار تحقيق شامل عن الأبعاد الاستراتيجية لهذه العلاقة. زادت صادرات إسرائيل "التكنلوجية" إلى إثيوبيا بنسبة 500% عن العام الماضي وبفضل هذا التقارب حققت إسرائيل إلى غاية الآن عدد من الأهداف الاستراتيجية المهمة. فالإسرائيليون افلحوا في تهجير 100 ألف من الفلاشا. وشهد العام الحالي تهجير مزيد منهم. وزادت صادرات إسرائيل "التكنلوجية" إلى إثيوبيا بنسبة 500% عن العام الماضي. وعلى مستوى آخر تطمح إسرائيل إلى تحويل صحراء النقب إلى واحات خضراء عبر الإفادة من مياه النيل من إثيوبيا. ويرمي الإسرائيليون أيضا إلى تطويق عدد من البلدان العربية من خلال التواجد في إثيوبيا. ويكشف عدد من الخبراء لـ"العربية.نت" في إفادات عن جوانب خفية وخطيرة في هذه العلاقة. ويتساءل غالبيتهم .. هل العرب منتبهون؟ خلال الشهور الستة الأولى من 2004، شهد الجانب الدبلوماسي بين البلدين تنشيطا أخذ إيقاعه في التسارع بشكل غير مسبوق. فقد زار وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم رفقة (30) من كبار رجال أعمال إثيوبيا في 6 يناير الماضي، واستمرت 3 أيام، وعكست توجها إسرائيليا جادا لتقوية العلاقات مع الدول الإفريقية، وأشارت إلى إمكان أن تقوم أديس أبابا بدور لافت للدفع في هذا الإتجاه، في مقابل مكاسب إستراتيجية ستحظى بها حال رصف الجسور بينها وبين إسرائيل. ضم وفد الوزير الإسرائيلي إلى إثيوبيا 20 من رجال الأعمال من أكبر الشركات الإسرائيلية من بينها "تلراد" "غيلان" و"نطافيم" بغية توطيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين وقالت مصادر سياسية في تل أبيب عن الزيارة "انها عنصر جيد لتقوية العلاقات مع إفريقيا بصفة عامة، وإثيوبيا بصفة خاصة". في حين أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عشية الزيارة التي تعد الأولى من نوعها إلى إفريقيا منذ 12 عاما، أن صادرات إسرائيل التكنولوجية إلى إثيوبيا أرتفعت بنسبة 500 بالمائة. مشيرة إلى أن وفد رجال الأعمال المرافقين للمسئول الإسرائيلي، مثلوا 20 من أكبر الشركات الإسرائيلية ومن بينها " تلراد"، "غيلان" و"نطافيم" بغية توطيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتؤكد هذه الجدية الإسرائيلية الواضحة في صعيد تطوير علاقاتها التجارية بإثيوبيا، إلى خطط إستراتيجية، تهدف إسرائيل من ورائها إلى تحقيق أكبر مكاسب، من خلال تدعيم علاقاتها بإفريقيا، عبر البوابة الإثيوبية.
شالوم يستهدف معسكرات الفلاشا في جوندار
لم يحصر شالوم أنشطته الدبلوماسية الضخمة في المحادثات التي جرت بينه وبين الرئيس الإثيوبي جرما ولد جرجس ورئيس الوزراء ملس زيناوي ووزير الخارجية سيوم مسفين، فالمسؤول الإسرائيلي، توجه إلى منطقة جوندار، شمال البلاد (750) كلم من العاصمة أديس أبابا، في جولة قصد منها لقاء أعضاء من الجالية اليهودية. وقال التلفزيون الإثيوبي الرسمي أن المسؤول الإسرائيلي توجه لزيارة (مواقع تاريخية في شمال البلاد)، ولم يشر للفلاشا والفلاشا مورا. قال التلفزيون الإثيوبي الرسمي إن المسئول الإسرائيلي توجه لزيارة (مواقع تاريخية في شمال البلاد) ولم يشر للفلاشا وكانت قضية "الفلاشا مورا"، المجموعة الإثيوبية الذين يبلغ عددهم 60 ألفا، ويقيم (10) آلاف منهم في معسكر في مدينة جوندار تشرف عليه القنصلية الإسرائيلية في انتظار الترحيل، للحاق بأقاربهم الذين يعيش غالبيتهم في مستوطنات في الضفة الغربية، أثيرت على نحو واسع في داخل إسرائيل في فبراير 2003، نظرا لمطالبتهم الجمعية بالإفادة من حق العودة الذي يسمح لكل يهودي خارج إسرائيل بالإقامة فيها. مما دفع الحكومة الإسرائيلية لإعطاء الضوء الأخضر بخصوص ترحيل (17) ألفا من إثيوبيا في 16 شباط / فبراير 2003. الأمر الذي يعيد إلى الأذهان عملية ( موسى) لترحيل الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر الأراضي السودانية في 1984 بتسهيلات من حكومة جعفر نميري ودعم واشنطن، وكان ثلاثة آلاف من اليهود الفلاشا، تظاهروا أمام مقر رئاسة الوزارة الإسرائيلية في الثاني عشر من كانون الأول / يناير 2003 من أجل السماح لأقاربهم بالانضمام إليهم، على الرغم من مظاهر التشكيك الواسعة في إسرائيل، التي تحيط بديانتهم اليهودية.
جدل حول "يهودية" الفلاشا
وكانت إسرائيل أقامت جسرين جويين، نقلا حوالي (80) ألفا من الفلاشا والفلاشا مورا من إثيوبيا إلى إسرائيل في 1984 و1991 (عمليتي موسى و سليمان)، إضافة إلى ثمانية آلاف آخرين ما بين 2000 و.2002. وبحث وزير الداخلية الإسرائيلي وقتها ناتان شارنسكي ملف اليهود الفلاشا والفلاشا مورا، في زيارة إلى إثيوبيا في التاسع من أبريل 2000 للتحقق من انتمائهم للديانة اليهودية، في أثر تشكيك دوائر إسرائيلية في صحة انتسابهم لليهودية. وفي حين انشغلت دوائر صنع القرار في إسرائيل طوال العقد الماضي بهذه القضية، دفع وزير الداخلية وقتها إيلي يشاي حديثا في اتجاه استيعاب 60 ألفا من الفلاشا مورا والفلاشا، بالتشاور مع الحاخام عوباديا يوسف بفحص يهوديتهم. قرار الحكومة الإسرائيلية في شباط فبراير 2003 حسم الجدل حول يهودية الفلاشا لتنطلق عملية "يوسف" تقديرا لجهد الحاخام عوباديا يوسف بكلفة ملياري شيكل سنويا وأوفد يشاي نائبه دافيد أزولاي إلى إثيوبيا على رأس وفد من الداخلية الإسرائيلية والحاخام الشرقي (لتلابيب) شلومو عمار. وأسفر تدقيق الوفد عن تهجيرهم لإسرائيل وفقا للتقرير الذي رفع لجهات عليا متضمنا صحة انتسابهم لليهودية و"مواجهتهم خطر الموت جراء ظروف حياتهم الصعبة". من ناحيتها عارضت وزارة الإسكان الإسرائيلية إجراءات التهجير، محذرة من أثقال خزينة الدولة ومما أسمته "عملية لا لزوم لها". غير أن قرار الحكومة الإسرائيلية في شباط فبراير 2003 حسم الجدل، لتنطلق عملية "يوسف" تقديرا لجهد الحاخام عوباديا يوسف بكلفة ملياري شيكل سنويا حسم الجدل.
استحقاقات الفلاشا وتدعيم التوازن الديمغرافي
وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي تلقاها قرارات جلب مزيد من اليهود إلى إسرائيل، نظرا للأعباء التي تفرضها على الخزانة الإسرائيلية، فان عدد المسلمين الذي سيبلغ ( 1,677) مليون بحلول 2020، فضلا عن النمو الإنجابي بنسبة 3,65 بالمائة، يشكل هاجسا حقيقيا بالنسبة للإسرائيليين،، وينتاب الإسرائيليين قلق بالغ جراء الوضع الديمغرافي الذي يشير إلى رجحان الكفة العربية في العقود الثلاثة المقبلة، مما دفع بعض المسؤولين والباحثين الإسرائيليين لتوقع زوال إسرائيل في ذلك الوقت. ينتاب الإسرائيليين قلق بالغ جراء الوضع الديمغرافي الذي يشير إلى رجحان الكفة العربية في العقود الثلاثة المقبلة في المقابل يشدد رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية د (مصطفى البرغوثي) على أن تهجير 60 ألف من اليهود الفلاشا والفلاشا مورا إلى إسرائيل، بمثابة حجة المفلس. واللافت هنا أن البرغوثي حدد عدد الذين تنوي إسرائيل تهجيرهم ب(60) ألف ثلاثة أضعاف ما "أعلنت عنه" الحكومة الإسرائيلية، مما يشير بإشارات دالة على أن تهجير سري سيرافق مع التهجير العلني. وفي إفاداته ل"العربية نت"، نوّه البرغوثي إلى أن التهجير لن يحل مشكلة إسرائيل في إطار ما وصفه ببحث إسرائيل عن "مرتزقة". مشيرا إلى أن 30 بالمائة من المهاجرين الروس ليسوا يهودا، وإنما مسيحيين أرثوذكس، مما أحدث جدلا في إسرائيل، تواصل في شأن 300 ألف يهودي هاجروا خلال العامين الماضيين، تأثرا بالانتفاضة استقر 20 ألفا منهم في تورنتو بكندا وحدها. وحذر البرغوثي من مردودات الاستهانة بالخطوات الإسرائيلية الواسعة في اتجاه الهند الصين وإفريقيا من خلال البوابة الإثيوبية على حد وصفه. حذر البرغوثي من مردودات الاستهانة بالخطوات الإسرائيلية الواسعة في اتجاه الهند الصين وإفريقيا من خلال البوابة الإثيوبية على حد وصفه وفي شأن الأبعاد الاستراتيجية لزيارة شالوم إلى إثيوبيا، نبه البرغوثي إلى محاولات إسرائيل جعل قوتها ليست محصورة في الصعيد العسكري فحسب، وإنما خلق قوة اقتصادية مما يؤثر حتما على الأمن القومي العربي. لأن إسرائيل - بحسب البرغوثي - تقود حملة لضرب مصر، ووضعها في كماشة علاوة على استهدافها الأمن الاستراتيجي لمصر والسودان من خلال إيجاد موطيء قدم في منابع نهر النيل، على الرغم من توقيعها اتفاق سلام مع مصر ما عاد يكفي ساسة إسرائيل للشعور بأن جانبها آمن.
مياه النيل: الملف الأكثر سخونة
في خصوص السباق المصري الإسرائيلي تجاه أفريقيا - يضيف-، كان لإثيوبيا دورا بارزا في تقوية العلاقات العربية الإفريقية بشكل عام، إلى حد مقاطعة الدول الإفريقية لإسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وساعد الامبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي وقتها في تنشيط علاقة مصرمع إفريقيا، نظرا لخصوصية علاقته بمصر، وترؤسه الكنيسة الأرثوذكسية التي يتبعها غالبية أقباط مصر. وتنشأ تقديرات إسرائيلية بأن أفضل مدخل لاستعادة علاقاتها بإفريقيا يمر من خلال إثيوبيا. كلفت الحكومة الإسرائيلية المهندس اليشع كلي بدراسة نقل مياه النيل إلى النقب يعود الاهتمام الإسرائيلي بمياه النيل، إلى مؤتمر بال في سويسرا في عام 1897، الذي وضع حدود إسرائيل بين نهري الفرات والنيل وأجرى (تيودور هرتزل)، أحد منظري مؤتمر بال الكبار، مباحثات في القاهرة بعد ست سنوات على انعقاد المؤتمر، لإقناع زعماء مصر وبريطانيا - التي كانت تستعمر مصر وقتها-، بتنفيذ مشروع نقل مياه النيل إلى صحراء النقب وسيناء. ففي آذار مارس 1903، بدأ هرتزل بحثه إمكان إرواء الصحراء بالمياه بحسبه بعد مباحثاته مع اللورد البريطاني كرومر في القاهرة بعدها، أجرى هرتزل محادثات في لندن تتعلق بالموضوع ذاته مع كلا من وزير المستعمرات جوزيف تشمبرلين، ووزير الخارجية الماركيز لاستروان، اللذين وافقا على خطته. غير أنه تبلغ من الحكومة البريطانية أنها ستقرر في هذا الشأن لاحقا. ولم يتقلص اهتمام إسرائيل بنهر النيل ثاني أنهار العالم طولا بعد المسيسبي (6695) كلم. الأمر الذي وجد تفسيرا لدى الباحث الأميركي توماس ستوفر الذي شدد في ندوة حول "إسرائيل والمياه العربية" على أن (الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية هي جزء من مفهوم إسرائيلي متكامل لسياسة الموارد). لم يكن بوسع إسرائيل التطلع إلى شراكات مع الدول العربية بشأن استغلال المياه، في منظور الصراع الناشب منذ 1948، غير أن توقيع اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل في 1978، أنعش التطلعات الإسرائيلية في هذا الجانب. كلفت الحكومة الإسرائيلية المهندس اليشع كلي بدراسة نقل مياه النيل، في أعقاب إحراز مفاوضات الجانبين الإسرائيلي والمصري تقدما ملحوظا، بعد حرب أكتوبر 1973، وقبل أن تكتمل عملية السلام بين الجانبين. قدم كلي مشروعه إلى الحكومة الإسرائيلية في 1974، وكان بمثابة دراسة شاملة حول امكان الإفادة بسحب 1 % من مياه النيل، أي ما يساوي (800) مليون متر مكعب سنويا. درست إسرائيل امكان الإفادة بسحب 1 % من مياه النيل أي ما يساوي (800) مليون متر مكعب سنويا وكان مشروع (ييئور) الذي تصوره كلي، يقضي بتوسعة قناة الإسماعيلية إلى (30) مترا في الثانية، ومن ثم تنقل المياه إلى قطاع غزة والنقب الغربي. باستمرار مفاوضات الجانبين بشأن السلام، كلفت الحكومة الإسرائيلية عدد من الخبراء إلى جانب كلي، لتطوير الخطة، وتحدث الإسرائيليون وقتها عن "المياه المصرية والخبرة الإسرائيلية" بطريقة تفضي إلى تحويل صحراء النقب وسيناء إلى أراض خضراء في 1979، بدا الرئيس المصري الراحل أنور السادات أكثر جدية في التحدث عن (نزعة السلام" الواصلة بين مصر وإسرائيل. ففي العام ذاته أعلن عن موافقته الرسمية، وأشار في حديث صحفي مع مجلة "أكتوبر " المصرية في 16 كانون الأول / ديسمبر 1979 إلى أنه يريد " توصيل مياه النيل إلى القدس، لتكون في متناول المترددين على المسجد الأقصى ومسجد الصخرة وكنيسة القيامة وحائط المبكى". وفيما بعد، ونظرا لتطور الأحداث في مصر واغتيال السادات، وتوتر العلاقات المصرية الإسرائيلية، تم تجميد التنفيذ. وبدا للإسرائيليين أن الاستمرار في خططهم الرامية للإفادة من مياه النيل عبر مصر، ستصطدم بعقبات في ظل متغيرات، لا تصب لجهة المشروع. كان التهديد الإثيوبي الأول لمصالح مصر المائية في 1956، أثناء حرب السويس بإعلان احتفاظها بحقها في استعمال الموارد المائية لنهر النيل لمصلحة شعبها. ورفعت إثيوبيا درجة تصعيدها الموقف بتقديمها مذكرات احتجاج عامي 56، 1957 مطالبة بحقوق "مكتسبة" في مياه السد العالي معلنة عن عزمها إنشاء (33) مشروعا لم ينفذ منها سوى واحد بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت آنذاك. إلا أن إثيوبيا وبعد زوال نظام منغستو هيلا مريام في 1991، شرعت في إنشاء سدود على الأنهار التي تغذي السودان ومصر ب 85 بالمائة من مياه النيل. يستشعر الإسرائيليون تأثير الدور المصري في حال نجاح مصر في خطط التنمية والبناء وقدرتها على زعزعة ملف المياه الذي حركته إثيوبيا وكينيا في ديسمبر الماضي ما يهدد مصالح إسرائيل ويعوق استقرارها ويشرح الصحفي السوداني الخبير في شئون القرن الإفريقي، سيد أحمد خليفة ل"العربية نت" أبعاد المخاطر التي تحدق بمياه النيل جراء تقوية علاقة إسرائيل بإثيوبيا، بأن ملف المياه لا يغيب أبدا عن الملاحقة الإسرائيلية لمصر خصوصا بعد اجتماع دول حوض النيل في القاهرة في ديسمبر الماضي، الذي شهد تحسنا واضحا في علاقة مصر بإثيوبيا، واستشعار إسرائيل الدائم تأثير الدور المصري في حال نجاح مصر في خطط التنمية والبناء، وقدرتها على زعزعة ملف المياه، الذي حركته إثيوبيا وكينيا في ديسمبر الماضي، مما يهدد مصالح إسرائيل ويعوق استقرارها.
أهداف استراتيجية لإسرائيل في إفريقيا
والواضح كما يرى خليفة، أن وجود إسرائيل في إثيوبيا هو تخطيط للمستقبل فضلا عن امكان احراز كثير من النجاحات في إفريقيا. مبررا رؤيته بأن علاقات إسرائيل بإثيوبيا، ظلت دائما مميزة، و لم تتأثر حتى بحقبة منغستو هيلا مريام، الاشتراكية على الرغم من كون النظام الإثيوبي وقتها جزء من المعسكر الاشتراكي، وحلف عدن، المعاديين للغرب، ورد السبب إلى التخوف الإسرائيلي والإثيوبي المشترك من المد العربي في البحر الأحمر. خلال الحروب الإثيوبية الأريتيرية، اتخذت الدول العربية موقفا دائما مؤيدا لإريتريا، وبعد استقلال اريتريا، وقعت تحت قبضة نظام معاد للعرب.
الخيار الإثيوبي تجاه أريتريا يحظى بدعم إسرائيلي لخشيتها من وصول قوى إسلامية وعربية إلى الحكم في أريتريا من جهتها كانت إثيوبيا تخشى أن تسفر العلاقة العربية الإريترية عن دعم للرئيس الإريتري أسياس أفورقي. وتتوقع انهيار النظام الأريتيري، عوضا عن رغبة القوميات الإثيوبية المختلفة في إحلال النظام الإريتري بنظام يتوافق مع إثيوبيا يمكن الأخيرة من الوصول إلى البحر الأحمر. لأن قيام دولة أريتريا المستقلة حرم إثيوبيا من سواحلها البحرية، التي تم ضمها لإريتريا. الخيار الإثيوبي تجاه أريتريا يحظى بدعم إسرائيلي، لخشيتها من وصول قوى إسلامية وعربية إلى الحكم في أريتريا، ويطرح خليفة وجهة نظر تتمثل بفائدة إسرائيلية في هذا الاتجاه تدعمها الزيارة التي قام بها شالوم لإثيوبيا.
مناورة إسرائيلية على طرفي المعادلة الإثيوبية الأريترية
وينفي خليفة لـ"العربية نت" أن تكون علاقة إسرائيل بإريتريا مستندة إلى النظام الإريتيري، منبها إلى أنها علاقة ببلد وبحر وموقع. مشيرا إلى إدراك إسرائيل بما تواجهه حكومة أفورقي من صعوبات داخلية وخارجية خصوصا بعد المحاولة الانقلابية التي جرت في ديسمبر الماضي وأصبح جراءها معظم "الحرس القديم" للحكومة الإريترية في السجون.
اللعب على طرفي المعادلة الإثيوبية الإريترية هو الخيار الإسرائيلي الأفضل وتتساوق الرغبتان الإسرائيلية والإثيوبية في اتجاه تفكيك النظام الإريتري، الذي بادر رئيسه بزيارة إسرائيل في عام حكمه الأول، مما أدى لردات فعل عربية، ودفعه تاليا لتحسس خطواته تجاه تل أبيب، بسعي غربي ملحوظ في الاتجاه ذاته. وتتحوط إسرائيل للمستقبل برمي شباكها تجاه إثيوبيا. لكنها لن تبادر إلى إساءة العلاقة مع أريتريا، فاللعب على طرفي المعادلة الإثيوبية الإريترية، هو الخيار الإسرائيلي الأفضل بحسب خليفة. أسياس أفورقي الذي يلمح حاليا لعضوية جامعة الدول العربية، لشعوره بخيبة الأمل، وتوجسه إتجاه الغرب، واستشعاره نمو العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية، وتوقعاته بشأن استثمارات خليجية ستتدفق إلى بلاده، وفّر للإسرائيليين حافزا في سبيل تدعيم علاقاتهم بجارته الجنوبية، خصوصا على مستوى الاستثمار، الأمر الذي لم يقدموا عليه بهذا المستوى في إريتريا. وتسعى إسرائيل لجني فوائد من الموارد الطبيعية التي تتوفر لإثيوبيا، ولإحراز تقدم في انسياب صناعاتها لأفريقيا من خلال مدينتين للتجارة الحرة من دون رقابة تملكهما إثيوبيا في كلا من جيبوتي والسودان.
إسرائيل تبحث استغلال علاقة إثيوبيا بالسودان وجيبوتي
من جهة أخرى لا يستطيع سيدأحمد خليفة نفي تطلعات إسرائيل للصومال البلد الذي يعيش فوضى، والبحث عن دور إستراتيجي يمر من خلال تقوية العلاقة مع إثيوبيا، تمهيدا لاستغلال الحدود الطويلة التي تفصل بين البلدين، والاتجاه إلى الجزء الشمالي من الصومال، المحكوم بواسطة حكومة علمانية غير مهتمة بالبعد العربي، وباحثة عن تقارب مع إسرائيل، لتتمكن تاليا من بتر ريشة أساسية في الجناح العربي: الصومال بشقيه.
تبحث إسرائيل عن بتر ريشة أساسية في الجناح العربي هي الصومال بشقيه ويجنح خليفة لرؤية اتفاق السلام المتوقع في السودان، والذي سيتيح كيانا ذاتيا في الجنوب، ولا يمنع إقامة علاقة بين الكيان الجنوبي، وبين أية دولة في العالم، بمنظار أنه يحقق لإسرائيل نشاطا استثماريا ضخما. ولكيلا تحس الحكومة في شمال السودان بحرج - يشير خليفة -، سيتعين على إسرائيل أن تتسلل خلسة من خلال البوابة الإثيوبية، التي ستمكنها كذلك من استغلال المدينة التجارية الإثيوبية المفتوحة في ميناء سواكن على ساحل البحر الأحمر شرق السودان، إضافة إلى مدينة إثيوبية على الشاكلة ذاتها في جيبوتي، في انسياب صادراتها الصناعية إلى أفريقيا. وأشار خليفة في معرض إفاداته حيال التوجه الإثيوبي في اتجاه إسرائيل، الى ميل الإثيوبيين خصوصا بعد الإطاحة بمنغستو في 1992 وتسلّم رئيس الوزراء ملس زيناوي مقاليد السلطة الإثيوبية، للعرب ورغبتهم في استقطاب استثمارات عربية ضخمة. غير أن تقاعس الاستثمارات العربية عزز الاتجاه المعاكس.
إعادة الاعتبار للسود في إطار استراتيجية إسرائيلية
ينظر البروفسير حسن مكي الخبير في شؤون القراة الإفريقية - أستاذ في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم - إلى مستويات إستراتيجية عدة، لتحليل مساعي إسرائيل لتوطيد علاقاتها في منطقة القرن الإفريقي. فمن جهة ينفي مكي ل"العربية نت" نفيا قاطعا بأن يكون الفلاشا مورا والفلاشا، يهودا، ويقرر بأن "أفريقيتهم" ليس فيها جدال. لكن إسرائيل، تريد توظيفهم على المدى البعيد بالإفادة من التوجه العالمي لإعادة الاعتبار لكل ما هو أسود من خلال الاحتفاء برموز سوداء كمايكل جاكسون الأب ديزموند توتو كولن باول كونداليسا رايس نلسون مانديلا و كوفي أنان علاوة على التلميحات بإمكان انتخاب بابا أسود خلفا للبابا يوحنا بولس الثاني، ما يصب لمصلحة إسرائيل بتهجير العرب واستيعاب سود في مجتمعها بغية التأكيد للأفارقة بصفة عامة، بوجود جذور مشتركة تسهّل مهمة عزل العرب عن إفريقيا. تريد إسرائيل توظيف الفلاشا على المدى البعيد بالإفادة من التوجه العالمي لإعادة الاعتبار لكل ما هو أسود من خلال الاحتفاء برموز سوداء كمايكل جاكسون والأب ديزموند توتو و كولن باول و كونداليسا رايس و نلسون مانديلا و كوفي أنان ومن جهة ثانية يمكن لإسرائيل التحكم في ملف مياه النيل بإعادة الفلاشا مورا والفلاشا إلى إثيوبيا، كسادة لبحيرة "تانا"، للعمل على صعيد استراتيجي لخدمة أهداف تتعلق بتعميق الشكوك والقطيعة بين دول البحر الأحمر ودول حوض النيل، وعلاقات السلام في القرن الإفريقي، مما تؤكده دراسات ممولة من قبل "مؤسسة السلام الإسرائيلية" و"مؤسسة السلام الأمريكية"، على شاكلة الدراسة الصادرة أخيرا بعنوان the river & the cross، "النهر والصليب" التي ذهبت في هذا الاتجاه.
تسعى إسرائيل لتعميق الشكوك والقطيعة بين دول البحر الأحمر ودول حوض النيل وعلاقات السلام في القرن الإفريقي ولفت البروفسير مكي إلى أن انضمام إثيوبيا ل "نادي صنعاء" الذي يضم إلى جانبها، اليمن والسودان في ديسمبر 2003، في تجمع يضم (130) مليون نسمة علاوة على كون النادي قوة سياسية واقتصادية مؤثرة، سبب إزعاجا لإسرائيل لخشيتها من مردود ذلك في إخراج إثيوبيا من عزلتها، وجرها إلى النادي الشرقي والعرب، وبالتالي خسارتها كحليف استراتيجي. موضحا أن إسرائيل كانت تغذي المشاعر الانعزالية لدى الإثيوبيين. مصر من ناحيتها - التحليل لمكي-، توجست من قيام نادي صنعاء، خصوصا بتزامنه مع بوادر أزمة مائية مع كينيا، ولامكان أن يدعم النادي مطالب إثيوبيا المتململة من أن النيل الذي يتدفق من أراضيها، لم يمنع المجاعات، إضافة إلى جرف الأراضي الطينية لذا، فهي تطالب بإعادة النظر في اتفاق مياه النيل الموقع في 1929. يرى مكي بأن إثيوبيا هي الكاسب الأكبر من الموقف الإقليمي حاليا. فعلاوة على كسبها من قيام نادي صنعاء، سيكسبها التقارب مع إسرائيل التي ترغب في تلافي نتائج قيام النادي، قدرة أكبر على استرجاع ميناء "عصب" الحيوي على البحر الأحمر، وهو الميناء الذي ذهب إلى إريتريا في أعقاب استقلالها، ليترك إثيوبيا من دون منافذ على البحر الأحمر.