د.صبرى محمد خليل استاذ الفلسفه بجامعه الخرطوم
دلالات مصطلح الاشتراكيه: لكل مصطلح دلالات(معانى) متعدده : فهناك دلالته العامه اى المصطلح كمفهوم مجرد ، وهناك دلالته الخاصه اى ما يكتسبه المصطلح من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع اجتماعى معين زمانا ومكانا، وهناك دلالته المشتركه اى المعنى الذى تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج( بصرف النظر عن اوجه الاختلاف بينها) ، وهناك دلالته المنفرده اى المعنى الذى تنفرد بفهمه فلسفه ومنهج معينين وبالتالى تتعدد بتعدد هذه الفلسفات والمناهج.
فاذا تناولنا مصطلح الاشتراكيه نجد أن له دلاله عامه- مشتركه تتمثل في الاشتراكيه كمفهوم مجرد تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج ومضمونها التحرر من القهر الاقتصادى وسيطره الشعب على وسائل الانتاج والتخطيط الاقتصادى والملكيه العامه لوسائل الانتاج الاساسيه.
كما أن له دلاله خاصه تتمثل في تطبيق مفهوم الاشتراكيه في واقع اجتماعى معين زمانا، ومثال لهذه الدلاله تصنيف الاشتراكيه كاشتراكيه سوفيتيه او صينيه اوعربيه...
اما دلالته المنفرده فهى المعنى الذى تفهمه فلسفه ومنهج معرفه معينين من مصطلح اشتراكيه ومثالها تصنيف الاشتراكيه كاشتراكيه ماركسيه او طوباويه او دينيه(اسلاميه او مسيحيه...)...
المواقف المتعدده من الاشتراكيه:
الرفض المطلق (التقليد): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة يكون بالعودة إلى الماضي، والعزلة عن المجتمعات المعاصرة، وبمنظور علم أصول الفقه الوقوف عند أصول الدين وفروعه. وهو موقف يقوم على الرفض المطلق للاشتراكيه اى رفض كافه دلالات مصطلح الاشتراكيه بحجة انها جميعا تتناقض مع الإسلام.
القبول المطلق (التغريب): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور وتبني قيم المجتمعات الغربية ، وبالتالي فهو يقوم على القبول المطلق للاشتراكيه ، اى قبول كافه دلالات مصطلح الاشتراكيه فهو موقف يستند إلى التغريب الذي مضمونه أن تستبدل القيم والآداب والقواعد التي جاء بها الإسلام بقواعد وآداب وقيم اخرى.وهنا نلاحظ ان الموقف الاول من الاشتراكيه اىالرفض المطلق لها كان اساسا رد فعل لهذا الموقف.
وهكذا فان الموقفين السابقين رغم تناقضهما فانهم يشتركون فى جعل العلاقه بين الاشتراكيه والاسلام هى علاقه تناقض .
الموقف النقدي (التجديد):يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام (التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة) التي تمثل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة سواء كانت من إبداع المسلمين ، أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى.
و بالتالي فإن هذا الموقف يتجاوز موقفي الرفض المطلق أو القبول المطلق إلى موقف نقدي من الاشتراكيه يقوم على التمييز بين الدلالات المتعدده لمصطلح الاشتراكيه ، فالإسلام لا يتناقض مع الدلالة العامة المشتركة للاشتراكيه، اى التحرر من القهر الاقتصادى وسيطره الشعب على وسائل الانتاج والتخطيط الاقتصادى والملكيه العامه لوسائل الانتاج الاساسيه.أما الدلالة الخاصة المنفردة اى ما اكتسبه مفهوم الاشتراكيه من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع المجتمعات الاخرى والذي تنفرد بفهمه فلسفات ومناهج معرفه معينه، فان الموقف الاسلامي يقوم على اخذ وقبول ما لا يناقض أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمه، ورد ورفض ما يناقضهما. فهذا الموقف جعل العلاقه بين الاسلام والاشتراكيه( فى دلالتها الخاصه المنفرده ) ليست علاقه تناقض او تطابق بل هى علاقه تحديد اى ان الاسلام يحدد ها كما يحدد الكل الجزءفيكمله ويغنيه ولن لا يلغيه .
وهذا الموقف من الاشتراكيه هو موقف العديد من المفكرين الاسلاميين المحدثين والمعاصرين :
فالامام جمال الدين الافغانى يرى فى خاطراته ان الاشتراكية هي التي ستؤدي حقاً مهضوماً لأكثرية من الشعب العامل. والاشتراكية عند الأفغاني منبعها الإسلام كثقافة ودين، حيث يشير إلى الإخاء الذي عقده رسول الله بين المهاجرين والأنصار، ويرى أن الدولة العربية الإسلامية الأولى في عهد النبي وخليفتيه أبو بكر وعمر كانت بمثابة تجربة اشتراكية (أول من عمل بالاشتراكية بعد التدين بالإسلام، هم أكابر الخلفاء من الصحابة، وأعظم المحرضين على العمل بالاشتراكية كذلك من أكابر الصحابة أيضا (الأعمال الكاملة للأفغاني، ج,1 ص.107)
ويرى الأفغاني أن البداوة أحد أصول الاشتراكية في الإسلام( الاشتراكية في الإسلام.. ملتصقة في خلق أهله عندما كانوا أهل بداوة وجاهلية)(الخاطرات ص 234 )
كما يتحفظ الأفغاني على الاشتراكية الغربية، إلا أنه يقف موقفاً واضحاً تجاه الذين يكفرون مناصري الاشتراكية ويخرجونهم من الملة. يجيب على سؤال لأحد مجالسيه عن تكفير مشايخ الإسلام للاشتراكية، بأن الاشتراكية وإن قل ناصروها اليوم فإنها ستسود العالم عندما يعم العلم الصحيح ويشعر البشر بأنهم إخوة، وأن التفاضل بالأنفع للمجموع وليس بالسلطان السياسي أو المالي أو العسكر وإنما يحتاج الأمر إلى الشجاعة والبسالة والجهر بالحق كما قال المسيح ''بيتي بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة للصوص) (جمال الدين الأفغاني - حسن حنفي ص.113)
اما الامام حسن البنا فكان يرى ان روح الاسلام توجب علينا القيام بعدد من الاجراءات التى لا تخرج عن اطار الدلاله العامه المشتركه للاشتراكيه كاعاده النظر فى الملكيات وتنظيم الضرائب الاجتماعيه... حيث يقول في ص 349 من رسالة مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي ( توجب علينا روح الإسلام الحنيف وقواعده الأساسية في الاقتصاد القومي أن نعيد النظر في نظام الملكيات في مصر ، فنختصر الملكيات الكبيرة ونعوض أصحابها عن حقهم بما هو أجدى عليهم وعلى المجتمع)
ويقول) وتوجب علينا روح الإسلام في تشريعه الاقتصادي أن نبادر بتنظيم الضرائب الاجتماعية وأولها الزكاة (
اما الشيخ محمد الغزالى فيتحدث عن الدلاله العامه المشتركه لمصطلح اشتراكيه فيقول )إن الإسلام أخوة في الدين واشتراكية في الدنيا (
( الإسلام والاشتراكية ، ص 183) و ( ان أبا ذرٍّ كان إشتراكياً وأنه استقى نزعته الإشتراكية من النبي صلى الله عليه و سلم (.( الإسلام المفترى عليه ، ص( 103
اما موقفه من الدلاله الخاصه المنفرده من الاشتراكيه فيتمثل فى قوله اً )وأرى أن بلوغ هذه الأهداف يستلزم أن نقتبس من التفاصيل التي وضعتها الاشتراكية الحديثة مثلما اقتبسنا صورا لا تزال مقتضبة - من الديمقراطية الحديثة - ما دام ذلك في نطاق ما يعرف من عقائد وقواعد، وفي مقدمة ما نرى الإسراع بتطبيقه في هذه الميادين تقييد الملكيات الكبرى وتأميم المرافق العامة) ) الإسلام المفترى عليه، ص 66 (.
وقال)
اما الشيخ مصطفى السباعى فيعبر عن الدلاله العامه المشتركه لمصطلح الاشتراكيه بقوله ( لقد سميت القوانين والأحكام التي جاءت في الإسلام لتنظيم التملك وتحقيق التكافل الاجتماعي باشتراكية الإسلام) (مصطفى السباعى ، اشتراكيه الاسلام)
ثم يحدد خصائص اشتراكية الإسلام فى النقاط التاليه : ان اشتراكية الإسلام ليست اشتراكية الدراويش والزهاد، كبعض الصوفية وفقراء الهنود، الذين ينفرون من المال والتملك، جبنًا منهم عن تحمل أعباء الحياة ومسؤولياتها، وإنما هي اشتراكية حضارية إيجابية بناءة، تقيم أكمل مجتمع حضاري متمدن. وان اشتراكية الإسلام تحارب الفقر والجهل والمرض والخوف والمهانة. وان مستوى المعيشة في اشتراكية الإسلام مستوى مرتفع. وان اشتراكية الإسلام تشرك الشعب مع الدولة في تحقيق التكافل الاجتماعي، كما في نظام نفقات الأقارب. وان اشتراكية الإسلام تحارب الترف والبذخ واللهو الماجن في السلم والحرب. وان اشتراكية الإسلام تُخضع الحكومة لإرادة الشعب، لا العكس. وان اشتراكية الإسلام توسّع دائرة التكافل الاجتماعي، ومن ثم فهي أكثر ضمانًا لكرامة الإنسان وسعادته. وان اشتراكية الإسلام ليست نظرية ولا عاطفية، بل هي عملية.
كما يحدد الفرق بين اشتراكية الإسلام وبين الرأسمالية فى انهما يتفقان في إعطاء الفرد حق التملك، والتنافس في الإنتاج. ويختلفان في أن حق التملك في اشتراكية الإسلام يخضع لمصلحة الجماعة، وفي الرأسمالية تخضع الجماعة لمصلحة رأس المال. كما يختلفان في أن التنافس في الاشتراكية الإسلامية يشيع الحب والتعاون في المجتمع، وفي الرأسمالية يشيع العداء والخلاف والاضطراب. وان الرأسمالية ملطخة بدماء الشعوب، والاستعمار، والاستعباد، واللصوصية، والاستغلال. ولاشيء من هذا في اشتراكية الإسلام.
اما موقفه من الدلاله الخاصه المتنفرده للاشتراكيه فيتمثل فى تحديده الفرق بين اشتراكية الإسلام وبين الشيوعية والتى حددها فى النقاط التاليه: ان اشتراكية الإسلام تنسجم مع الفطرة الإنسانية في إباحة الملكية الشخصية. وان اشتراكية الإسلام تبيح التنافس، أما الشيوعية فترى أنه يجرّ البلاء على المجتمع. وان اشتراكية الإسلام تقوم على التعاون، والشيوعية تقوم على الصراع وحرب الطبقات، مما يؤدي إلى الحقد. وان اشتراكية الإسلام تقوم على الأخلاق، بخلاف الماركسية. وان اشتراكية الإسلام تقوم على الشورى، والشيوعية تقوم على الاستبداد والدكتاتورية والإرهاب
اما سيد فطب فيتمثل موقفه من الدلاله الخاصه المنفرده لمصطلح الاشتراكيه فى قوله (فإذا انتهينا من وسيلة التوجيه الفكري ، بقيت أمامنا وسيلة التشريع القانوني لتحقيق حياة إسلامية صحيحة تكفل فيها العدالة الاجتماعية للجميع . وفي هذا المجال لا يجوز أن نقف عند مجرد ما تم في الحياة الإسلامية الأولى، بل يجب الانتفاع بكافة الممكنات التي تتيحها مبادئ الإسلام العامة وقواعده المجملة. فكل ما أتمته البشرية من تشريعات ونظم اجتماعية ولا تخالف أصوله أصول الإسلام ، ولا تصطدم بفكرته عن الحياة والناس ، يجب أن لا نحجم عن الانتفاع به عند وضع تشريعاتنا، ما دام يحقق مصلحة شرعية للمجتمع أو يدفع مضرة متوقعة . ولنا في مبدأ المصالح المرسلة ومبدأ سد الذرائع ، وهما مبدآن إسلاميان صريحان ما يمنح ولي الأمر سلطة واسعة لتحقيق المصالح العامة في كل زمان ومكان) (العدالة الاجتماعية، ص 261 ، الطبعة الخامسة) .
وقوله في كتابه( معركة الإسلام والرأسمالية ، ص44 ) ( بل في يد الدولة أن تنزع الملكيات والثروات جميعـًا، وتعيد توزيعها على أساس جديد، ولو كانت هذه الملكيّات قد قامت على الأسس التي يعترف بها الإسلام ونمت بالوسائل التي يبررها لأن دفع الضرر عن المجتمع كله أو اتقاء الأضرار المتوقعة لهذا المجتمع أولى بالرعاية من حقوق الأفراد). وقوله المعركة ص 61 ( ولا بدَّ للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معاً مزيجاً كاملاً يتضمن أهدافهما جميعاً ويزيد عليهما التوازن والتناسق والاعتدال ).