m_ouda نقيب
عدد الرسائل : 170 العمر : 50 الموقع : www.awda-dawa.com العمل/الترفيه : مدير حسابات تاريخ التسجيل : 08/03/2008
| موضوع: التعديلات الدستورية فى مصر .. قراءة فى النتائج الجمعة 25 مارس 2011 - 14:01 | |
| التعديلات الدستوريَّة في مصر .. قراءة في النتائج الجمعة 20 ربيع الثاني 1432 الموافق 25 مارس 2011
سمير العركي
بنسبة تجاوزت 77% بقليل، أعلن المستشار محمد عطية نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس اللجنة العليا للانتخابات قبول الشعب المصري للتعديلات الدستوريَّة المقترحة في مقابل حوالي 22% صوَّتوا ضدّ إقرار التعديلات.. في أول استفتاء حقيقي معبِّر عن إرادة وتوجُّه الناخب المصري بعد حوالي ستة عقود متتالية من الإقصاء المتعمَّد لإرادة الناخب المصري لصالح أقليَّة احتكرت السلطة تحت لافتات مختلفة، ثم انضمَّ إليها عنصر المال في العقد الأخير في تزاوج شاذ بين السلطة والمال أدى إلى إفساد الحياة السياسيَّة في مصر بصورة غير مسبوقة..
لذا سجَّل الاستفتاء على التعديلات الدستوريَّة نسبة مشاركة غير مسبوقة في الحياة السياسيَّة المصريَّة بنسبة وصلت إلى 41% أي حوالي 18 مليون مواطن ممن يحقُّ لهم المشاركة في التصويت من جملة حوالي 45 مليون مواطن.. وهو الأمر الذي عكسته حالة التكدُّس التي شهدتها اللجان المختلفة منذ بدء فتحها إلى وقتٍ الإغلاق حتى اضطرَّ رئيس اللجنة العليا للانتخابات إلى إصدار أوامره بمدّ وقت الاقتراع إلى ما بعد الوقت المحدَّد له لمن يقف في لجنة التصويت أو محيطها.
حالة الجدل المستمرَّة قبل يوم الاستفتاء بين فريقى "نعم" و"لا" استكملت حلقاتها عقب الإعلان عن النتائج.. فقد شهدت الأيام السابقة على الانتخابات حالة استقطاب حاد بين الفريقين، ووضح جليًّا أن معسكر التيار الإسلامي بجميع فصائله وأطيافه التنظيميَّة والمستقلَّة يقود حشد الجماهير لتقول "نعم" في مقابل من يطلقون على أنفسهم مصطلح "النُّخَب" وهم خليط من القوى الليبراليَّة واليساريَّة إضافة إلى دخول الكنيسة على الخط ذاته من أجل حشد الجماهير لتقول "لا" وهو ما اعتبره كثير من المراقبين معركة مبكِّرة بين الطرفين لاختبار القوَّة..
هذا الاستقطاب الحاد أعطى زخمًا غير مسبوق لعمليَّة الاستفتاء جعل أنظار المصريين متعلقة بقاعة مجلس الدولة المصري حيث إعلان النتائج والتي لم توقف حالة الجدل، بل أدَّت إلى سخونته بعد أن صور البعض نتائج الاستفتاء على أنها انتصار لمشروع فكري على حساب آخر، وهو ما سنحاول استطلاعَه في القراءة التالية..
أولًا : "نعم" و"لا" والاستقطاب الديني
لم يكن أحد يتخيَّل أن الصراع السياسي حول الموافقة على التعديلات الدستوريَّة من عدَمِها قد يتحوَّل إلى صراع له خلفيَّة دينيَّة، فبعد أن ألقى الإخوان المسلمون بثقلهم خلف تأييد التعديلات الدستوريَّة تبعتهم الكتلة السلفيَّة (وهي الكتلة الأكبر داخل الحركة الإسلاميَّة) بالتأييد ذاته إضافة إلى شخصيات إسلامية لها وزن كبير مثل د. سليم العوا وغيره، فهذا الزخم أدى إلى دخول الكنيسة المصرية على خط المواجهة بتبني دعم الرفض للتعديلات الدستوريَّة، فحسب ما نشرته وسائل الإعلام المختلفة فقد دعت الكنيسة القبطيَّة بمصر أتباعها إلى رفض التعديلات الدستوريَّة، وأرسلت الكنيسة آلاف الرسائل القصيرة على الهواتف المحمولة، وأيضًا رسائل بريد إلكتروني للدعوة لرفض التعديلات.
وقالت مصادر كنسيَّة: إن الهدف من ذلك هو إعداد دستور جديد، وليس بعد 6 أشهر كما هو محدَّد على أن تُلغى فيه المادة الثانية من الدستور التي تنصُّ على أن الشريعة الإسلاميَّة هي المصدر الرئيس للتشريع.
وأضافت المصادر: إن هذا الأمر يلقى قبولًا واسعًا في أوساط الأقباط بعد تزايد التأكيد عليه خلال جلسات "الاعتراف".
ومن جهته أكَّد القمص عبد المسيح بسيط كاهن كنيسة العذراء في مسطرد: لا بدَّ أن نخرج من بيوتنا لرفض التعديلات التي يدعو لها "الإخوان المسلمون" لأنها "متفصِّلة على مقاسهم"، على حد وصفه.
وأضاف: هذا رأي قيادات الكنيسة وليس رأيي وحدي، فالتعديلات ليست من مصلحة الأقباط.
ومن جانبه أكَّد العوا في لقاء جماهيري حاشد بمسجد رابعة العدويَّة بالقاهرة، قبل الاستفتاء، أن العسكر قادمون وبقوة لحكم مصر حكمًا حقيقيًّا، بدلا من إدارتها وتسيير أمورها، كما هو معمول به حاليًا، لو قال الشعب "لا" في الاستفتاء، لأن رفض التعديلات معناه أن الشعب يفوِّض المجلس العسكري في اتخاذ ما يراه مناسبًا خلال الفترة المقبلة، حيث سيتحرَّك العسكر في اتجاه مدّ الفترة الانتقاليَّة إلى ما شاء الله، وعدم تعديل قانون الأحزاب أو إلغاء الطوارئ، وتثبيت قواعد حكمهم.
ولكن الذي حدث أن دخول الكنيسة بهذه الصورة الفجَّة أدى إلى نتائج سلبيَّة على المعسكر الرافض، إذ أثار الشعور العام للأغلبيَّة المسلمة في مصر، مما دفعها إلى التصويت بـ "نعم" وظهر هذا جليًّا في المراكز والريف المصري؛ إذ عمد المسلمون إلى حشد أنفسهم ردًّا على الحشد الكنسي الذي كان ملحوظًا في جميع اللجان، وتجلَّى في ظهور رجال الكنيسة أنفسهم في اللجان، وهو مظهر غير مألوف لدى المواطن المصري.
ثانيًا: نتيجة الاستفتاء وموازين القوى
فلأول مرَّة تتصارع القوى السياسيَّة والفكريَّة صراعًا سياسيًّا في ظلّ غياب توجيه الدولة للصراع والتي تكفَّلَت على مدار العقود الماضية بمحاربة التيار الإسلامي حربًا لا هوادة فيها استخدمت فيها كل الوسائل الشرعيَّة وغير الشرعيَّة من اعتقالات لمدَد مفتوحة وصلت إلى أكثر من ستة عشر عامًا ومحاكم عسكريَّة لم تتورعْ عن إصدار عشرات أحكام الإعدام في حق الإسلاميين، ومصادرة أموالهم وغلق شركاتهم ومنعهم من تكوين أحزاب أو أي شكلٍ من أشكال التواجد الشرعي، ولكن المفارقة المدهِشَة والمحيرة أنه عندما غابت قبضة الدولة البوليسيَّة وجد الجميع أنفسهم أمام حقيقة مذهلة وهي أن التيار الإسلامي المسحوق في زمن مبارك هو الأكثر عافيةً وصحة وقدرة على التواجد في الشارع والالتحام بالمواطن البسيط، وهذه هي النقطة الأساسيَّة التي أفزعت التيار العلماني وأقلقته بشدَّة؛ فهو يعلم أنه استطاع توظيف كل وسائل الإعلام خاصة المرئي منها في إقناع المواطن البسيط بـ "لا" ولم يتورعْ عن استخدام سلاح "فزاعة الإسلاميين" وهو سلاح مبارك المفضَّل الذي استخدمه بمهارة على مدار ثلاثين عامًا.
لقد اهتمَّت النخب العلمانيَّة بالمظهريَّة و"الشو" أكثر من اهتمامها بالناخب نفسه، وحرصت على الظهور المكثَّف في البرامج الحوارية اعتقادًا منها أن الشعب المصري يشكِّل وعيه من خلال هذه البرامج، فكنت ترى الواحد منهم يتنقَّل بين عدة قنواتٍ في وقت قصير، في الوقت الذي اهتمَّ التيار الإسلامي بالناخب والوصول إليه في محلّ إقامته إضافة إلى الرصيد الكبير الذي يتمتع به التيار الإسلامي في الشارع المصري منذ عهد "مبارك".. فما بين الغياب عن الشارع والحضور فيه يقول فهمي هويدي في جريدة الشروق 22/3/2011 بعنوان "الاستفتاء كشف أزمة النخبة المصريَّة":
"... ذلك أن السنوات التي استمرَّ فيها تزوير إرادة الشعب مَحَت من ذاكرة النخبة خرائط المجتمع المصري وتضاريسه الحقيقيَّة، فصحفنا تتحدث مثلا عن «القوى السياسية» في مصر الراهنة، وبين الحين والآخر نقرأ أن تلك القوى اجتمعت وقرَّرت كذا، أو أن ممثليها التَقَوْا شخصيات من أعضاء المجلس العسكرى ونقلت إليهم رغبات معيَّنة، كما تقرأ أحيانًا أن بعض الزوار الأجانب عقدوا لقاءات مع ممثلي تلك القوى السياسيَّة.. إلخ، لكنَّ أحدًا لا يسأل عن أوزان تلك القوى على الأرض، خصوصًا أن بعضها اكتسب شرعيتَه، وظلَّ يعمل في النور منذ أكثر من ثلاثين عامًا، دون أن يثبت حضورًا يذكر.
ويضيف قائلًا: "لقد ألقى كلُّ هؤلاء بثقلهم وراء الدعوة إلى رفض التعديلات الدستوريَّة، وجنَّدوا لذلك ما لا حصر له من الشخصيَّات العامَّة، واستخدموا في ذلك كل وسائل الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع، حتى الإعلانات المصوَّرة المدفوعة الأجر أسهمت في حملة التعبئة والحشد، ولكن ذلك الجهد لم يصلْ إلى أقلّ من ربع الأصوات (22٪) التي كان أغلبها يعوم على سطح المجتمع ولا علاقة لها بعمقه".
ثالثًا: نتيجة الاستفتاء والعمل الإسلامي المشترك
ظلَّ العمل الإسلامي المشترك مرتقًا صعبًا لم تستطع الحركة الإسلاميَّة الوصول إليه رغم كثرة المناشدات والإلحاحات، وكان السبب الأعظم وراء تأخُّر ذلك التنسيق –إضافة إلى بعض الأسباب المنهجيَّة- وقوف الدولة المصريَّة في عهد مبارك بكل تسلطها وقسوتها ضدّ ذلك التنسيق إذ اعتبرت الدولة آنذاك أن أي شكلٍ من أشكال التنسيق يصبُّ في الصراع ضدّ الدولة فكانت حريصة على تعميق الهوَّة بين الأطياف الإسلاميَّة وتفتيت الحركة الإسلاميَّة إلى جُزُر منعزلة لسهولة البطش بها متى شاءت وكيفما شاءت.
وكان على الحركة الإسلاميَّة في مصر أن تنتظر لما بعد ثورة 25 يناير لتشهد عملية الاستفتاء أول تنسيق من نوعه بين الأطياف المختلفة والتي اتَّفقت فيما بينها على دعم "نعم" وهو ما يدفعنا إلى التنبيه على أهمية تعظيم هذا السلوك، خاصَّة في ظلّ التحالفات العلمانيَّة المتوقَّعة في الفترة القادمة، وهي تحالفاتٌ لن تتورَّع عن الاستقواء بالخارج تمويلًا وتأييدًا.
ولكن يبقى هذا العمل الإسلامي المشترك محفوفًا بالعديد من التحديات من أجل تعظيمه ودفعه للأمام ومنها:
1. ضرورة التأكيد على القواسم العمليَّة المشتركة بين جميع أطياف الحركة الإسلامية ضبطًا للأداء العام داخلها وتطمينًا للدولة المصريَّة، وأهمها نبذ العنف بصورة نهائية وقطعية ومحاربة الأفكار المتطرفة المخالفة لصحيح الدين والشرع.
2. العمل على تطوير الخطاب السياسي داخل بعض الكتل الإسلاميَّة من خلال التعاون مع أصحاب الخبرة السياسيَّة كالإخوان المسلمين، فقد كان لافتًا للنظر أن الخطاب السلفي -وله عذره بسبب حداثة عهده بالسياسة– كان خطابًا مستفزًّا لقوى المجتمع الأخرى لربطه التصويت بـ "نعم" بالواجب الشرعي والثواب الأخروي رغم أنها رؤية سياسيَّة اجتهاديَّة تحتمل الصواب والخطأ، حتى إن المستشار محمد عطية رئيس اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات اعتبر أن استخدام عدد من السلفيين للدعاية الدينيَّة أمام مقار اللجان من شأنه التأثير على الناخبين، وشدَّد عطية سيرفع هذه الملحوظة للمجلس الأعلى للقوات المسلَّحة خلال أيام حتى يمكن تفاديها في الانتخابات البرلمانيَّة والرئاسيَّة القادمة حتى تخرج في أحسن حال.
3. التركيز على معالجة التشوهات الأخلاقيَّة التي خلَّفها نظام مبارك في وعي وضمير المواطن المصري، والتي لم تستطع الثورة محوها؛ لكونها تحتاج إلى جهد جهيد مبني على رؤية دعوية وتربوية رشيدة، فالإنسان هو محور عملية الإصلاح داخل أي مجتمع، ولا ينبغي للحركة الإسلامية أن تنجرف وراء معاركها السياسيَّة على حساب دورها التربوي والإصلاحي خاصَّة، وأن بعض هذه المعارك مفتعلة كمعركة المادة الثانية من الدستور.
العمل الإسلامي المشترك ما زال يتحسَّس مواضع أقدامه وعلى المخلصين من أبنائه إنارة الطريق له حتى لا يفقد بوصلته فيعود الجميع للمربع رقم واحد..
بل على الجميع أن يستفيد من نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستوريَّة ليجعلَ منها رافعة للمجتمع المصري بأسْرِه نحو حياة ديمقراطيَّة سليمة | |
|