الدكتور يوسف بطرس غالى لديه كل الحق فى أن يفعل ما يريد.. فمهما فعل لا يحاسبه أحد.. فحينما ورط شعباً بأكمله فى ضريبة جائرة لم يحاسبه أحد، وحتى حينما سب الدين فى مجلس الشعب أثناء جلسة لجنة برلمانية رسمية على مرأى ومسمع من الجميع، لم ولن يحاسبه أحد .
وتوعد غالى «مرتكبى مخالفات عزبة الهجانة»، مؤكدا أنه «هايطلع دين اللى جابوهم»، يعد نقلة نوعية فى الخطاب الإعلامى والسياسى الرسمى، وهو خطاب لا يمسه فقط، ولكنه يمس نظاماً سياسياً بأكمله.. ولو كان لسان الدكتور غالى قد زل بهذه الكلمة كما حاول البعض أن يدافع عنه، لكان مفروضا عليه أن يعتذر رسمياً وفورياً، لأن زلة اللسان تعنى أنه خطأ غير مقصود، وطالما أنه لا يقصد، فلا عيب أن يعتذر.
ولكنه أبى أن يعتذر، واستكبر، وبلغ من العناد منتهاه.. وهذا يعنى العمد، وهنا يكون الخطأ مركباً.. فهو وزير فى الحكومة ارتكب خطأ فادحاً، وخرج عن حدود الأدب.. وهذا يستوجب تدخلاً عاجلاً من الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء.. فمسؤولية الحكومة تضامنية، والوزير لا يعبر عن نفسه فقط.. وسكوت الحكومة على خطأ غالى الفادح يعنى موافقة ضمنية من الحكومة المصرية على سب الدين للمواطنين..
وهذا غير مقبول على الإطلاق حتى لو كانوا خارجين عن القانون.. فالخارج عن القانون يعاقب بالقانون وليس بسب الدين.. ولو استمر الصمت الحكومى لكان واجباً على رئيس الدولة أن يتدخل، وعليه أن يلوم غالى والحكومة علنا على هذا الخطاب الفريد مع الشعب، إن لم يعزله من منصبه جزاء على فعلته النكراء، وتدليلا على احترام الشعب وصيانة للقيم والأصول.
والخطأ مركب لأن غالى نائب فى البرلمان، فهو عضو مجلس الشعب عن دائرة شبرا.. وقد خرج عن حدود اللياقة داخل لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب وتحت قبته.. وهنا تأتى مسؤولية الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب الذى يتوجب عليه اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها فى لائحة المجلس..
فقد اتخذ الدكتور سرور قرارات سابقة ضد نواب تجاوزوا الحدود وساندناه فيها.. فمنذ شهور تقرر حرمان النائب أشرف بدر الدين «نائب الحذاء» من حضور جلسات المجلس حتى نهاية الدورة، وتم توجيه لفت نظر النائب علاء عبد المنعم لأنه سب نواب الحزب الوطنى، وتم توجيه لفت نظر للنائب حيدر بغدادى فى فضيحة الصور الفاضحة،
وفى المجلس السابق قام الدكتور فتحى سرور بوقف النائب السابق محمود معروف لتطاوله على وزير الطيران.. وكل هذه الأخطاء أقل بكثير من هذا التجاوز الخطير للنائب الدكتور يوسف بطرس غالى.. فلماذا لم يكن الدكتور سرور على نفس القدر من الحسم والحزم والقوة فى تطبيق اللائحة، وتقاعس عن إحالة الدكتور غالى للجنة القيم؟
ولو لم يفعل الدكتور سرور ذلك لأصبح من حق نائب الحذاء وباقى النواب أن يطلبوا المساواة، وإلا سيكون السباب والضرب شيمة المناقشات داخل المجلس الموقر خلال المرحلة القادمة.. وهنا يجب علينا أن نسأل الدكتور سرور، متى تطبق اللائحة؟ وعلى من؟ ومن هم الفئات المستثناة منها؟
وهو أيضا خطأ مركب، لأن الدكتور غالى ينحدر من أسرة سياسية عريقة مارست السياسة عبر عقود طويلة، ولا أعتقد أن أيا من السياسيين المنتمين لأسرة غالى قد تجرأ على ارتكاب تلك الحماقة التى ارتكبها الدكتور يوسف بطرس فى حق أسرته وفى حق شعب مصر.. وعائلة غالى تعد من عائلات «الذوات» فى مصر، ولا أدرى هل تغيرت أخلاق هذة العائلات الكبرى أم أن الدكتور غالى يعبر عن نفسه فقط؟
والمؤسف للغاية أن الدكتور غالى قد شجع نوابا آخرين على استخدام نفس اللغة، فبعد يومين فقط من هذه الواقعة، وداخل جلسة لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب استخدم بعض نواب الحزب الوطنى نفس منهج سب الدين وكالوا الشتائم بالأم والأب لبعض نواب الإخوان الذين تقدموا بطلبات إحاطة حول السور الحديدى الذى يجرى إنشاؤه على الحدود مع غزة..
ورغم اختلافى مع الإخوان سياسيا وفكريا ومنهجيا، إلا أن النواب داخل المجلس متساوون فى الحقوق، فكل نائب يمثل قطاعا من المصريين، ومن غير المقبول إطلاقا أن يتم التعامل مع بعض النواب بهذا الأسلوب، خاصة أن القضية التى كانت مطروحة للنقاش داخل اللجنة واضحة، فمن حق مصر أن تؤمن حدودها بالطريقة التى تراها مناسبة.. ولكن النواب وجدوا أن سب الدين قد مر بسلام بالنسبة للدكتور غالى قبل يومين، وبالتالى فإن استخدام نفس اللغة ليس عيبا أو مكروها سياسيا داخل المجلس.
هل سب الدين هو الحراك السياسى الذى يتحدث عنه الحزب الوطنى؟ وهل يحدث فى أى دولة ديمقراطية محترمة هذا الانحدار والانهيار فى الحوار بين الحكومة والنواب؟ وهل لا يستشعر أولو الأمر فى ذلك خطراً بالغاً؟ وهل يظن أولو الأمر أن السكوت على هذا الخلل يعنى أن المشكلة لم تحدث؟.
ترى ما الذى تخبئه لنا الأيام القادمة؟ يبدو أن الجعبة ممتلئة بالمفاجآت.. ويظل السؤال الذى طرحته هنا منذ أسبوعين بلا إجابة.. فمن يقدر على غالى؟ ومن يسنده؟