احمـــــــــد بشـــير فريق أول
عدد الرسائل : 4007 العمر : 73 العمل/الترفيه : مدير جودة تاريخ التسجيل : 04/03/2008
| موضوع: من أسرار القرآن بقلم د. زغـلول النجـار السبت 5 ديسمبر 2009 - 9:19 | |
| من أسرار القرآن بقلم د. زغـلول النجـار 324. ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين[ آل عمران:97] الحج يعني قصد مكة المكرمة لأداء عبادة الطواف, والسعي, والوقوف بعرفة, وما يتبع ذلك من مناسك يؤديها كل مسلم, بالغ, عاقل, حر, مستطيع, ولو مرة واحدة في العمر; وذلك استجابة لأمر الله, وابتغاء مرضاته, والحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة, وفرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة, وحق لله ـ تعالي ـ علي المستطيعين من عباده ذكورا وإناثا لقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ: ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين( آل عمران:97). * سئل رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله, قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم جهاد في سبيل الله, قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور ـ أي الذي لا يخالطه إثم.( أخرجه الإمام أحمد).
أولا: من مقاصد الحج: لهذه الفريضة الإسلامية الجليلة حكم عديدة منها:
أولا: تعريض كل من حج البيت ـ ولو لمرة واحدة في العمر ـ لكرامة أشرف بقاع الأرض( مكة المكرمة), في أشرف أيام السنة( الأيام العشرة الأولي من شهر ذي الحجة), قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة, فقال رجل: هن أفضل, أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟, قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله, وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة, ينزل الله ـ تبارك وتعالي ـ إلي السماء الدنيا, فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلي عبادي, جاءوني شعثا غبرا ضاحين, جاءوا من كل فج عميق, يرجون رحمتي ولم يروا عذابي, فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة, ولذلك كان الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم.
ومن تفضيل الأماكن, فضل ربنا ـ تبارك وتعالي ـ مكة المكرمة وحرمها الشريف علي جميع بقاع الأرض, ومن بعدها فضل مدينة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ومن بعدها فضل بيت المقدس, كما جاء في العديد من أحاديث رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فإذا اجتمع فضل المكان وفضل الزمان, تضاعفت البركات والأجورـ إن شاء الله.
ومن هنا كان من حكم فريضة الحج ـ بالإضافة إلي كونها طاعة للأمر الإلهي ـ تعريض كل مسلم, بالغ, عاقل, حر, مستطيع ـ ذكرا كان أو أنثي, ولو لمرة واحدة في العمر ـ لبركة أشرف بقاع الأرض ـ الحرم المكي الشريف ـ في بركة أشرف أيام السنة ـ الأيام العشرة الأولي من ذي الحجة ـ.
ومن أقوال المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ في شرف مكة المكرمة ما يلي: * هذا البيت دعامة الإسلام, فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر, كان مضمونا علي الله, إن قبضه أن يدخله الجنة, وإن رده, رده بأجر وغنيمة. * العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما, والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.( أخرجه الإمامان البخاري ومسلم). * تابعوا بين الحج والعمرة, فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة, وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة.
ثانيا: تذكير الحاج بمرحلية الحياة.. وبحتمية الرجوع إلي الله ـ تعالي ـ:
علي الرغم من حقيقة الموت الذي كتبه الله ـ تعالي ـ علي جميع خلقه ويشهده أو يسمع به كل حي في كل لحظة, وعلي الرغم من إيماننا ـ نحن معشر المسلمين ـ بحتمية البعث والحساب والجزاء, ثم الخلود في الحياة القادمة, إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا, فإن دوامة الحياة ومشاغلها تكاد تنسي الناس هذه الحقائق التي هي من صلب الدين. ويبقي الموت مصيبة ـ كما سماه القرآن الكريم ـ ويبقي الأخطر من مصيبة الموت غفلة الناس عنه, وإعراضهم عن ذكره, وقلة تفكرهم فيه, وانصرافهم عن العمل له, وانشغالهم بالدنيا حتي أنستهم إياه أو كادت. وهنا تأتي شعيرة الحج لتخرج الناس من دوامة الحياة ـ ولو لفترة قصيرة ـ وتذكرهم بحتمية العودة إلي الله ـ تعالي ـ.
ثالثا: تذكير الإنسان بمحاسبة نفسه قبل أن يحاسب.. وذلك انطلاقا من الأعمال الإجرائية قبل القيام برحلة الحج ومنها ما يلي:
1 ـ التوبة إلي الله ـ تعالي ـ من الذنوب والمعاصي.
2 ـ وصل كل مقطوع من صلات الرحم.
3 ـ قضاء الديون ورد المظالم وغير ذلك من حقوق العباد لقول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلل منه اليوم, من قبل ألا يكون دينار ولا درهم, وإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته, وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه( البخاري).
4 ـ أن يتعلم إخلاص النية لله ـ تعالي ـ لأن النية بالحج لابد أن تكون خالصة لله ـ تعالي ـ في صدق وإخلاص تامين, ومتجردة عن كل هوي وسمعة.
5 ـ التمسك بالحلال والتطهر من الحرام, لأن نفقات الحج لابد أن تكون من أحل حلال المال.
6 ـ الحرص علي تسديد زكاة المال قبل الخروج بالحج.
7 ـ كتابة الوصية وتوضيح جميع الحقوق فيها.
وفي إتمام هذه الأعمال تهيئة للنفس تهيئة كاملة لعملية مفارقة الحياة الدنيا, والرجوع إلي الله ـ تعالي ـ والاستعداد لحساب القبر وجزائه, ثم للبعث والحشر والعرض الأكبر, وتلقي الحساب والجزاء, ثم الخلود في الحياة الآخرة, إما في الجنة أبدا, أو في النار أبدا.
رابعا: التدريب العملي علي مفارقة الحياة الدنيا:
1 ـ غسل الإحرام يذكر الحاج بغسله ميتا وهو لا يملك لنفسه شيئا بين يدي مغسله, وهو رمز للتطهر من الذنوب والآثام.
2 ـ والإحرام يذكر الحاج أيضا بالخروج من الدنيا بلا أدني زينة أو ملك, كما يذكره بالكفن الذي سوف يلف فيه جسده بعد تغسيله.
3 ـ النية عهد بين العبد وربه.
4 ـ الوقوف عند الميقات يذكر الحاج بأجله الذي حدده الله ـ تعالي ـ له وباللحظة التي سوف يفارق فيها الحياة الدنيا, والانتقال من الحل إلي الحرم عبر الميقات يذكر بالانتقال من الدنيا إلي الآخرة عبر الموت, والتلبية نداء إلي الله, واستنجاد برحمته, واحتماء بحماه.
5 ـ الطواف حول الكعبة المشرفة يذكر بضرورة الانتظام مع حركة الكون في خضوعه لأوامر الله ـ تعالي ـ وانصياعه لقوانين هذا الخالق العظيم وسننه, في عبادة وذكر دائمين, كما أن بداية الطواف ونهايته تؤكدان بداية الأجل ونهايته, والرمل والاضطباع في طواف القدوم إحياء لسنة خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ.
6 ـ الصلاة في مقام إبراهيم تذكر بجهاد الأنبياء والمرسلين, وبمقام الصالحين عند رب العالمين.
7 ـ الشرب من ماء زمزم يؤكد قدرة رب العالمين التي لا حدود لها, ولا عائق يقف في سبيلها من أجل إكرام عباده الصالحين.
8 ـ السعي بين الصفا والمروة يذكر بأم إسماعيل ـ عليها وعليه من الله السلام ـ وهي تركض بين هذين الجبلين; بحثا عن الماء لصغيرها, ونتيجة لإخلاصها ولثقتها في ربها أكرمها الله ـ تعالي ـ بجبريل يضرب أرض مكة المكرمة بجناحه, أو بعقبه فيفجر ماء زمزم من صخور مصمتة لا مسامية لها.
9 ـ النفرة من مني ثم إلي عرفات تذكر بيوم البعث في زحامه وشدته.
10 ـ الوقوف بعرفات يذكر بالحشر وبالعرض الأكبر بين يدي الله ـ تعالي ـ وبالحساب.
11 ـ المبيت بالمزدلفة يذكر بآلاف الأنبياء ومئات المرسلين الذين حجوا من قبل, والذين نزلوا بهذا المنزل; تأكيدا علي وحدة الدين, وعلي الأخوة بين أنبياء رب العالمين, وإحياء لسنة خاتمهم أجمعين ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ـ.
12 ـ النحر والحلق أو التقصير يذكران بفداء الله نبيه إسماعيل; إكراما لطاعته وطاعة أبيه إبراهيم ـ عليهما السلام ـ لأوامر رب العالمين, وإحياء لسنة خاتم الأنبياء والمرسلين, ورمزا للتطهر من الذنوب والآثام.
13 ـ رمي الجمار تأكيد علي حتمية انتصار العبد المؤمن علي الشيطان في هذا الصراع, والرجم رمز لذلك الانتصار, وعهد مع الله ـ تعالي ـ علي تحقيقه.
14 ـ التحلل من الإحرام وطواف كل من الإفاضة والوداع رمز لانتهاء هذه الشعيرة العظمي, وعودة إلي دوامة الحياة من جديد بذنب مغفور, وعمل صالح مقبول, وتجارة مع الله ـ تعالي ـ لن تبور.
ومن هنا كان واجب الحاج أن يبدأ صفحة جديدة بعد عودته من حجه مع ربه, إطارها الفهم الصحيح لرسالة الإنسان في هذه الحياة: عبدا لله يعبده ـ سبحانه وتعالي ـ بما أمر, ويجاهد بصدق من أجل حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها, وإقامة دين الله وعدله علي سطحها, والدعوة إلي هذا الدين بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة والمنطق السوي من أجل إنقاذ أكبر عدد ممكن من الناس من عذاب نار جهنم.
15 ـ وجموع الحجاج من كل عرق ولون وجنس ولغة يتحركون في موكب واحد لأداء هذه الفريضة الكبري; تأكيدا علي وحدة الجنس البشري المنبثق من أب واحد وأم واحدة, هما آدم وحواء ـ عليهما من الله السلام ـ وتأكيدا علي وحدة رسالة السماء ـ وهي الإسلام العظيم ـ وعلي الأخوة بين الأنبياء, وعلي وحدانية رب السماوات والأرض بغير شريك ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة, ولا ولد, والخالق منزه تنزيها كاملا عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله.
خامسا: خروج الحاج من هذه الرحلة المباركة بعدد من الخصال الحميدة التي منها ما يلي:
1 ـ الزهد في الدنيا والحرص علي الآخرة; وذلك لأن الدنيا مهما طال عمر الإنسان فيها فإن نهايتها الموت, وليس معني ذلك إهمال مسئوليات الإنسان في الدنيا; لأن الإنسان مطالب بالنجاح فيها, ولكن ليس علي حساب الآخرة.
2 ـ اليقين بأن الحج يطهر من الذنوب والآثام انطلاقا من قول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم: * من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه( رواه كل من الإمامين البخاري ومسلم). * وقوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لعمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ حين قدم لمبايعته: أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله, وأن الهجرة تهدم ما قبلها, وأن الحج يهدم ما قبله؟( رواه الإمام مسلم).
وانطلاقا من هذا اليقين, كان واجبا علي كل من أدي فريضة الحج الحرص الشديد علي عدم الوقوع في معاصي الله.
3 ـ الحرص علي أداء العبادات المفروضة في وقتها, وعلي الإتيان من النوافل قدر الاستطاعة.
4 ـ التمسك بطهارة النفس, واستقامة السلوك, وعفة اللسان, وغض البصر, والتحكم في الشهوات والرغبات والأهواء, وكظم الغيظ, والعفو عن الناس, وصدق الحديث, ورقة التعامل مع الآخرين, والتواضع للخلق, وحسن الاستماع والاتباع, والاحتشام في الزي والهيئة, وإخلاص السرائر, واجتناب سوء الظن بالآخرين في الأحكام عليهم, والتوسط والاعتدال في كل أمر, والثبات علي الحق, والمجاهدة من أجل نصرته, وتحمل تكاليف ذلك, والحرص علي العمل الصالح, والتنافس فيه حتي يكون في سلوك الحاج قدوة حسنة لغيره.
5 ـ الحرص علي التزود من العلوم الشرعية, والتفقه في الدين, والالتزام بما يتعلمه; وذلك لأن الإسلام دين لا يبني علي جهالة, وإنما يبني علي علم والتزام, ومصدرا التلقي للمسلم هما كتاب الله وسنة رسوله, وعلي كل مسلم أن يجتهد في التعرف علي أوامر الله ـ تعالي ـ ويلزم نفسه وأهله بها, وفي التعرف علي نواهيه فيجتنبها ويحاربها, فإن انغلق عليه أمر من الأمور فعليه بسؤال أهل الذكر.
6 ـ الحرص علي الكسب الحلال, وعلي طيب المطعم والمشرب, وعلي البعد كل البعد عن الشبهات والمحرمات.
7 ـ المواظبة علي الصحبة الطيبة, وعلي التزام جماعة المسلمين, وعلي الولاء لهم.
8 ـ الاهتمام بقضايا المسلمين الكبري, ومن أبرزها قضايا الأمية بشقيها( أمية القراءة والكتابة, وأمية العقيدة), وقضايا الحريات, وقضايا التخلف العلمي والتقني, وتفشي كل من الفقر والمرض, وقضايا تحرير أراضي المسلمين المحتلة.
9 ـ الإسهام الفاعل في الدعوة إلي دين الله بالكلمة الطيبة, والحجة الواضحة, والمنطق السوي.
10 ـ العمل علي جمع كلمة المسلمين في وحدة كاملة ـ ولو علي مراحل متتالية ـ كما حدث في الوحدة الأوروبية.
| |
|