بقلم: د. عصام الشافعي
* عضو وفد اتحاد الأطباء العرب لغزة
قد تكون شهادتي تأخرت في مقياس الوقت الزمني؛ حيث انتهت الأحداث وتتابعت المستجدات، وأضحى الحديث عن هذه الفترة أمرًا قديمًا.
قد تكون شهادتي لا تضيف تفاصيل أو لمحات جديدة بعد أن تعدَّدت الشهادات وكثرت الروايات التي غطَّت الكثير من الجوانب لهذه المرحلة.
ولكن تبقى الشهادة واجبًا فرديًّا لازمًا أن يؤديه كل إنسان ولا يحجبه، مهما تعدَّدت الشهادات ومهما تكرَّرت المعاني؛ فهي لا تسقط إلا بأدائها.
إن هذه التجربة فيها من الثراء الفكري والثراء النفسي الذي يجعل محاولة الإحصاء أمرًا عسيرًا مشاعر يعيشها الإنسان منذ اللحظة الأولى التي يتلقى فيها نداء الاستغاثة من إخوانه، هل سينتصر على نفسه وما يجول بخاطره من أمور الدنيا؟- هل سيتغلب على الصعاب التي سيلاقيها حتى يصل إلى مبتغاه؟ هل سيصمد أمام مظاهر الرعب والدمار التي يسمع عنها؟ هل سيستوعب كيف تعيش هذه النماذج الفريدة من البشرية؟ هل سيتحمل ألم الرجوع مرة أخرى إلى وتيرة الحياة القديمة ويرضي أن يصير ترسًا في آلة هذا الواقع المرير؟- هل سينتفض بعد عودته ليفرض واقعًا جديدًا يتناغم مع ما لمسه وعاشه ؟- كيف سيعيش وصور هذه التجربة تمر أمام عينيه في اليقظة قبل المنام؟!! وكيف سينظر إلى أهله وزوجته وأبنائه والمجتمع من حوله وهو في كل لحظة يرى طيف الأحداث يمر عابرًا أو يقف متجمدًا أمام بصيرته يعقد مقارنة بين الواقع الذي يعيشه وما عاشه من أحداث؟!!- يعقد مقارنة بين حاله وما يريده- يعقد مقارنة بين ماضيه ومستقبله.
هكذا كانت هذه التجربة حالة نفسية شديدة، صراع بين المرء ونفسه، نقلة بين الواقع والمستقبل، لم تكن مجرد رحلة ذهاب وعودة وإنما كانت نقلة في ضمير الإنسانية لها تبعاتها ولها من المتغيرات التي ستحدث ولا محالة وإن حجبت أو كبتت فإن ذلك يعني موت الحقبة من البشرية وعدم أهليتها أن تعيش كما قال ربنا ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 38).
تملكتني الحيرة كيف أبدأ في سرد هذه الشهادة وكيف أنقل هذه المشاعر، هل أسردها بالتسلسل الزمني للأحداث، أم أسردها باللحظات الفارقة في هذه الرحلة، أم أسردها بالتحليل للمواقف وربطها بالواقع، أم أسردها من لحظات النهاية حيث مشاهد العزة والفخار، حيث معاني الانتصار: انتصار الإنسان على نفسه وتخطيه لكل الصعاب وعودته من تلكم التجربة الفريدة؟، ولكني لم أجد نفسي قادرًا على التحليل والترتيب ووجدت المشاعر الجمة تتصارع أيها يظهر أولاً، وجدت الفؤاد يخفق بشدة واليد تهتز والدموع تكاد تترقرق من العين، أجل غلبتني المشاعر لكي أبدأ بهذه اللحظة الفارقة التاريخية في حياتي، أحقًّا تقف أقدامي على أرض الرباط؟؟؟؟
في رحاب فلسطين الحبيبة
تخطينا الصعاب الأولى ودخلنا معبر رفح المصري (ولهذا حديث آخر) وبدأنا نسير تجاه معبر رفح الفلسطيني، وصلنا إلى هناك، وطأت أقدامنا أرض فلسطين الحبيبة، خطونا أول خطوات على ترابها الغالي، أحقًّا نحن هناك؟ لحظات من الحديث مع النفس غير مصدقين لهذه الحقيقة وما إن استقرت المشاعر حتى وجدنا أنفسنا ساجدين لله شكرًا نقبل ذلك الثري الذي ما فتئ ينادي أمة الإسلام، أتتركونني في أيدي اليهود؟؟، أهنت عليكم إلى هذا الحد؟؟، ماذا فعلت لكم لتكون هذه القطيعة؟؟.. ألم تطأ أقدام نبيكم صلى الله عليه وسلم أرضي؟.. تداخلت الاستفسارات أسمعها تنطلق من بين ذرات الرمال تلهب الآذان والمشاعر ولا أجد إلا الدموع تتساقط لعلها تروي عطش هذه الرمال، عطشها من بعدها عن أحضان أمتها.. عطشها من تأخر نصرة أمتها، عطشها من فقد أحاسيس الوصال مع شعوب أمتها، أجل إنها مشاعر لا تنتهي وأحاسيس لا تستقر.
وإذا بالنفس تقف وقفة وتنادي أين كنت أنت؟؟ ماذا فعلت أنت؟؟ ماذا قدمت أنت؟؟ أم تحاول أن تتهرب من واجبك الفردي وتلقي بالتبعة على غيرك، إحساس بالندم, إحساس بالتقصير، إحساس بالذنب. كم مرة سمعت نداء النصرة ولم تلب؟ كم مرة دعيت إلى فعاليات ولم تلب؟ كم مرة بخلت نفسك بالعطاء والتبرع؟
أسئلة واتهامات تضع الإنسان أمام نفسه وتظهره على حقيقته. كل هذه المشاعر في تلك الثواني الأولى التي التصقت فيها الجباه بتلك الأرض المباركة، كل هذا في هذه الثواني فما بالكم بباقي الرحلة؟.
يستجمع الإنسان نفسه وينتفض ليعاهد الله على بداية جديدة، يعاهد الله على ثورة مع النفس تصدها عن شهواتها وتصحح لها طريقها. يجول البصر من حولي فأجد الجميع يعيشون هذه اللحظات بين ساجد وباكٍ ومبتهل، الجميع من كل الجنسيات التي دخلت معنا، بينما يقف من أمامنا مستقبلونا من أبناء الشعب الفلسطيني أنظر إليهم فأرى نماذج فذة أحس وكأننا أقزام أمامهم، أنظر في أعينهم فأرى العزة والفخار أرى مشاعر النصر والكرامة أرى مشاعر الفرح والسعادة وإن كنت أرى في الباطن استفسارات أين كنتم من قبل هذا؟!.
تتلاقي الأيدي وتتعانق الأجساد فتذوب هذه المشاعر جميعا وتنتقل إلينا أحاسيسهم ومشاعرهم، تنتقل إلينا بواطنهم فنتبدل ونصبح رجالاً بحق نصبح بشرًا جددًا يحملون في داخلهم معاني جديدة لم تكن موجودة من قبل هذا، هكذا وهكذا فقط بمجرد أن نظرنا إليهم ولمست أيدينا أيديهم تحولنا إلى شخصيات جديدة وهنا أدركت معنى آخر من سبب الحصار الذي فرض عليهم وشاركت فيه الأنظمة العربية، أجل إنهم يريدون أن يمنعونا من مقابلة تلكم النماذج أو معايشتها ولكن هيهات لقد انكسر الحصار والتقت النفوس وامتزجت الأرواح، فإلى بداية جديدة وإلى حياة جديدة.
استقبال حافل لا ينسى
مرت تلك اللحظات وكأنها دهر من المشاعر الإنسانية ومن التساؤلات، تبدلت معها النفس وانطلقت معها ملامح شخصية جديدة تحمل الهم وتتحمل المسئولية وبدأت رحلة العمل، أجل لقد جئنا لنقدم العون ونساعد إخواننا، بدأت أسترجع كل ما تعلمته وأتهيأ لما سأقوم به أو سأقدمه من خبرات طبية فعندي من الحصيلة العملية الكثير، أتخيل أنني سأجد واقعًا أو نظامًا متخبطًا أو أجد اضطرابًا وتداخلاً بين الطواقم الطبية ولكن هالني ما رأيت، رأيت صورة أخرى مغايرة تمامًا لما في مخيلتي وعدت مرة أخرى قزمًا أمام ما لمسناه في المؤسسات الطبية التي زرناها أو عملنا بها، نظام دقيق في كل شيء، تناغم بين الأدوار، تفانٍ من العاملين لا ينظرون إلى تعب أو جهد. تمر الساعات بل ربما الأيام وهم مستمرون في أداء واجبهم دون كلل أو ملل، نظافة شديدة في كل مكان، أقولها بحق لقد فاق نظامهم نظام مؤسساتنا الطبية في كل شيء.
لقد جرفتنا المشاعر ودخلنا في التفاصيل ونسينا روعة البداية. أجل كان استقبالاً حافلاً، في ظل هذه الأحداث وفي ظل هذه المشاغل تجد من يستقبلك ويجلس إليك ويثني على جهدك، نتلمس مشاعر الحب والتقدير تخرج من الأفواه، وكلما حاولنا استعجال العمل تجد الرد بكل هدوء ليس قبل أن نقدم لكم واجب الاستقبال وتنفضوا مظاهر التعب والإرهاق. وكأنهم يدركون المشاعر التي تجول في النفس ويريدون أن تستقر الأنفس مرة أخرى حتى تكون قادرة على العطاء بكامل طاقتها، وفي نفس الوقت يتم توزيع الأطباء وفق تخصصاتهم وخبراتهم وإمكانياتهم على المستشفيات وفق الاحتياج، يا للروعة!!!! كل هذا النظام، كل هذه الدقة، كل هذه الحفاوة، لا تخبط لا تسرع وكأن كل شيء مدروس وبدقة وكل شيء له استعداده.
تطغي هذه المشاعر على نفوس كل الأطباء القادمين مهما كان مستواهم أساتذة أو استشاريين أو أخصائيين، الجميع يصل إلى نتيجة واحدة مفادها أننا تحت إمرة هذا النظام الطبي، تساقطت الألقاب وصرنا بكل طواعية نعمل لمساعدة الأطباء الفلسطينيين وساعد ذلك على التلاحم السريع بين الجميع حتى صارت ملحمة من الاندماج وكأننا أبناء بلد واحد وكيف لا ونحن بالفعل أبناء أمة واحدة ويتفانى الجميع لخدمة المرضى والجرحى.
لن أتحدث حول الحالات المروعة والمناظر الفظيعة التي رأيناها والتي لم ينقل منها الإعلام إلا الشيء اليسير، ويا للعجب لقد أصبحنا ونحن من أتينا لنقدم العون نتلمس الثبات عند الفلسطينيين. كلما اهتز أحدنا وبدأت العواطف تتحكم فيه وتدخل إلى قلبه نجد من يثبته ويعيده مرة أخرى إلى رشده. يبكي أحد الأطباء ويعود إلى السكن فيقابله العامل هناك فينظر إليه ويحدثه بكل ثبات وعزة بكل صمود وإباء، هكذا من عامل بسيط تصدر منه هذه المعاني العالية التي تعيد الطبيب مرة أخرى إلى العمل بقوة وعزيمة وكأنه شخصية جديدة. فما بالنا إذا قابلنا أحد القيادات أو أحد المجاهدين المرابطين أو استمعنا إليهم ولكن للأسف لم يتسن لنا فرصة ذلك.
إنني أحس بأن هذا الشعب كله مقاومة وغير مقاومة بشر غير البشر، رجال غير الرجال، نساء غير النساء، أطفال غير الأطفال، نعم هذا الشعب بكل أطيافه وطوائفه ملحمة تاريخية واقعية متجسدة على أرض الرباط.
نماذج فذة تحيي الضمائر وتوقظ المشاعر
أجل لقد توقعنا أن نرى شعبًا آخر غير الذي رأيناه: جزع وهلع، خوف واستسلام، ولكننا رأينا صورة أخرى: رأينا نماذج من الثبات والصمود، نماذج من العزة والكرامة، نماذج من الإباء. هكذا في كل الأعمار وكل الفئات، لا يفرق مقاوم عن شخص عادي، لا يختلف أفراد الشعب عن أفراد حماس. ننظر إلى هذه النماذج وإلى واقعنا وإلى شعبنا فندرك أن هناك فارقًا كبيرًا وبونًا شاسعًا وعند ذلك ندرك حقيقة سبب الفارق بين اختياراتهم واختياراتنا، ندرك سبب صمودهم وهزيمتنا النفسية، سبب صبرهم وجزعنا. يا للعجب إنهم يدركون حجم الهجمة عليهم ويدركون تخلي العالم كله عنهم ويدركون تآمر العرب عليهم ويدركون خيانة بني جلدتهم، يدركون كل هذا ولكنهم صامدون واثقون من نصر الله لهم لا ينظرون إلى حجم التضحيات ولكن ينظرون إلى عظم الأمانة وإلى ما قد يفرطون فيه إن هم تراجعوا أو استسلموا، ثبات تراه في عيون الأطفال والأمهات والرجال، فما بالنا بالمجاهدين المرابطين؟.
حكايات رأيناها أمام أعيننا عشناها واقعا عمليا.
ننظر إلى الأطفال ونصل إلى نتيجة مفادها أن هؤلاء ليسوا بأطفال ولكنهم رجال شامخين إذا قارنا تصرفاتهم بتصرفات أشباه الرجال عندنا.
يدخل رجل إلى الاستقبال بالمستشفى وهو يحمل بين يديه ابنته المصابة ذات الحوالي سبع سنوات، تبكي البنت وتطلب أمها فيقول لها الأب بكل هدوء (إيش فيكي أمك استشهدت) ما وقع هذه الكلمات على بنت من بناتنا وما ردة فعلتها المتوقعة؟، ولكن البنت ترد بكل بساطة (حسبي الله ونعم الوكيل الحمد لله الحمد لله)، هكذا وتتوقف عن البكاء، يذهل أحد الأطباء المصريين من التصرف ويقول للأب (ليه بتكلمها بهذه الطريقة)، فيرد عليه الأب مستهجنا (إيه يا دكتور هي أحسن من الذين استشهدوا). لنترك أنفسنا نعيش هذه اللحظات ونعيش نفسية هذا الشعب وكيف أصبحت الخيارات عندهم، هذا بين أفراد الشعب العادي فما بالنا بالمقاومين؟.
تدخل أم وطفلها وطفلتها مصابين ويهرع الجميع للعلاج ولكن الأم تموت تحت أعين أبنائها، ماذا ننتظر، عويل أو بكاء أو نحيب، لكن الأبناء ما زادوا عن قولهم (حسبنا الله ونعم الوكيل الحمد لله)، هكذا وانتهت لحظات الألم.
أم تموت بنتها الصغيرة ذات الثلاثة أعوام بين يديها فتبكي فإذا بابنها صاحب العشر سنوات يقول لأمة (لا تبكي يا أمي نحن لا نبكي نحن نعمل للثأر).
أي رجال هؤلاء تلبسوا بأجساد الصغار، أي نفوس شامخة هذه التي تحمل من معاني العزة والرجولة والنضج ما لا نراه في من يكبرونهم بأضعاف أعمارهم بل وأضعاف أضعاف أعمارهم، الحرص على الحق، الحرص على الشهادة، استصغار التضحيات في سبيل الغاية؟.
طفل عمره إحدى عشرة سنة بترت ساقاه، يتحدث إليه أحد الأطباء يواسيه فيكون رده أنه حزين لأنه لم يستشهد مثل ابنة عمه، تتفحص أعين الأطفال الجالسين في ردهات المستشفى فترى بعضهم يبكون، هذه الطفولة البريئة تتعرض لهذه الأعمال الوحشية فتقترب من أحدهم تواسيه، فما يلبث أن يمسح عنه دموعه ويبدل مشاعر الخوف بمشاعر القوة وكأنه يستنكف أن يراه أحد في لحظات ضعف ويستمر النقاش ويدور الحديث ماذا تريد أن تكون عندما تكبر وتذهلك الإجابة (سأكون مقاومًا آخذ بثأري وأحرر أرضي). أجل مهما حاولوا أن يكسروا إرادة هذا الشعب فلن يزرعوا في قلبه إلا العزة ولن يحصدوا إلا الحرص على الجهاد وحب الشهادة.
أنظر إلى الأمهات التي فطرت قلوبهن على رقة القلب ودفء المشاعر تجاه أبنائهن، ولكن يبدو أن عظم القضية وسمو المطالب فاقت أي مشاعر أو معانٍ للأمومة، تنظر إلى أم الشهيد وتتعجب من حالها، تدفن مشاعر الحزن ويظهر في عينها معاني الفخر والعزة، لقد قدمت ابنها شهيدًا فداء أرضها وشعبها. نتحدث إلى الأمهات ونتوقع أن نجد الثكلى والمكلومات ولكننا نجد مشاعر الانتصار والفوز.
تنظر الأم إلى ولدها الشهيد وتبتسم ابتسامة الفرح (الآن يزف إلى الحور العين) تقول بلا تردد (مفيش حاجة تغلي على ربنا وفي سبيل تحرير أرضنا). تتحدث بعض الأمهات وهن تسترجعن تاريخ الأبناء (ابني قريب إلى قلبي وما زلت أحتفظ بالنكات التي كان يقولها لي- كل عام وجرتكم مليانة غاز وكهربتكم تلاتة فاز) هكذا في ظل مشاعر الحزن والأسى التي تعودنا عليها تخرج علينا أمهات الشهداء بمعاني الفرح والضحك. مشاعر تبث الثبات في النفوس.
تسارع أخرى وتقول لقد قدمت شهيدًا آخر قام بعملية استشهادية قتل وجرح من الصهاينة، لقد ودعني وأخبرني بوجهته وبعد فترة اتصل بي وقال أنت أعظم أم ورضاك عني أعظم أمنية، وبعد فترة اتصل بي وقال إيه أخبارك وأخبار صحتك، ثم اتصل وقال سدوا عني ديوني وأدركت أنها اللحظة المنتظرة وعشت معاني الفخر والعزة وانطلقت مني الزغاريد لقد قدمت شهيدًا إلى السماء. هكذا تتحدث بفخر وثبات ونحن تكاد تترقرق منا الدموع ولولا الحرج لانفجرنا في البكاء، يقف أهالي الشهداء في ثبات وسكينة دونما أي جزع أو حزن ينتظرون شهيدهم لا أقول لكي يدفنوه ولكن لكي يدخلوه إلى قصره، لكي يزفوه إلى الحور العين لكي يقدموا له جنته، هذه مشاعرهم وهم ينتظرون شهداءهم، تقترب من أحدهم لكي تواسيه فإذا هو يبادرك عندما يدرك أنك طبيب ومن بلد آخر لكي يعطيك درسًا في معنى العزة والثبات، يعطيك درسًا كيف يكون ميزان المواقف والأحداث، يعطيك درسًا كيف تكون رجلاً بحق تدرك ما عليك وتدرك حجم الدنيا في ميزان الآخرة، هكذا الشهيد دخل الجنة وبقيت صفحات الحياة يسعى الشعب لطيها حتى يتحقق النصر، لسان حالهم ولسان مقالهم إننا ماضون في حمل الراية وإننا قادرون على أن ننجب مجاهدًا بل قائدًا بل ألف قائد جديد بدلاً من الذين استشهدوا مهما كان وصفهم أو حجمهم، فكل الشهداء جنودا كانوا أو قادة صفحات طويت (عند ربهم يتنعمون) والشعب ماضًٍ في طريقه وقادر على أن يفرز النماذج الشامخة التي تعوض الشهداء وتتحمل التبعات.
تمر بنا الأيام ونحن نعيش هذه المعاني، فتعيد بناء شخصيتنا من جديد ليتكون رجال تخلصوا من درنات سوءاتهم ومن عيوبهم ويغرس بدلاً منها معاني العزة والإباء.