تجري هذه الايام الاحتفالات بمناسبة مرور 20 عاما على سقوط جدار برلين الذي كان رمزا للانقسام بين الشرق والغرب والحرب الباردة رمزا المواجهة بين نظامين سياسيين و انهيار الجدار انعش الامال بقيام نظام دولي جديد يؤمن السلام والاستقرار واشاعة الديمقراطية في العلاقات الدولية وقيامها على اساس متكافئ والتحولات التي شهدتها التسعينات، وبالثورات التي وصفت بالمخملية في بعض بلدان اوروبا الشرقية التي وعدت بافاق لتحسين الاوضاع المعيشية وبناء مجتمع مساواة الفرص، لكن الاحداث برهنت على الغبار الذي خلفه ما زال متصاعدا في العلاقات الدولية.
وعقب انهيار جدار برلين انهار حلف وارسو واختفاءه المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفياتي والانظمة التي كانت تدور في محوره : المانيا الشرقية وبولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر، جرى سحب القوات السوفياتية التي كانت ترابط في تلك البلدان وعاد من المانيا لمواقع مرابطتها 500 الف عسكري و115 الف آلية عسكرية و 4 آلاف وحدة من المعدات العسكرية، ولكن لم يجر الالتزام بالوعد الذي حصل عليه الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف من نظيره الامريكي حينها، جورج بوش الاب من ان الناتو لن يتوسع نحو الشرق. فانضمت البلدان التي كانت اعضاء بحلف وارسو لحلف الاطلسي وحصلت على عضوية الحلف جمهوريات البلطيق السوفياتية سابق، وتقف اليوم قاب قوسين او ادني على اعتابه جورجيا واوكرانيا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه حاليا يتمحور حول ما اذا ان العالم اصبح اكثر امنا وسلاما؟ بعد انهيار الجدار الرمز!.
ان مرحلة الابتهاج بانهيار جدار برلين لم تستمر طويلا، حيث لاحت مؤشرات تقاطع المصالح القديمة. فبينما حاول الغرب ان يحصل على غنائم ما يعتبره نصرا له في الحرب الباردة من تركات الامبراطوية الغابرة. فان ورثته اي روسيا الاتحادية رسموا الخارطة التي تحدد مناطق مصالح بلادهم الحيوية وطالبوا بفتح الاسواق بما في ذلك الغربية امامهم وترويج اسلحتهم وبضاعتهم بحرية، واستيراد ما يحتاجونه من الخارج وان يكون لهم صوت في صناعة القرار الدولي.
واسفر تقاطع المصالح ونشوب الحروب الموضعية عن تبدد الثقة ونشوب الازمات الدبلوماسية وتفجر فضائح التجسس على البعض الاخر. ودخلت الاطراف في صراع لبسط السيطرة في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق ونشر اسلحة ومنظومات على تخوم الاخر، وتحريك الطائرات بعيدة المدى والدخول في حروب في الدول الاخرى التي مازالت اصدائها قوية في افغاسنتان والعراق وجورجيا وكوسوفو وغيرها.
واذا كان فوز الرئيس باراك اوباما بالرئاسة في الولايات المتحدة قد بعث شئ من الامل في استعادة الامال المفقودة واعادة النظر في احتقان السياسات والعلاقات في العالم، فان العالم مازال بظل نظام دولي سياسي وامني هش، ومازال محدقا به خطر استخدام اسلحة الابادة الشاملة التي تسعى دولة جديدة للحصول عليها، وتنافس القوى الكبرى على بسط النفوذ في المناطق القريبة والبعيدة للحصول على موارد الطاقة وتخفيف ازمة الغذاء وفتح الاسواق، مازالت متواصلة. ان البشرية ربما بحاجة الى وقفة جديدة وتبديد الغبار الذي نجم عن انهيار جدار برلين.