منتدى التحكم الآلي والإلكترونيات (تأسس سنة 2008)
مرحبا بك عزيزي الزائر يشرفنا أن تقوم بالدخول إذا كنت من الأعضاء أو التسجيل إذا كنت زائرا ويمكنك إنشاء حسابك ببساطة ويمكنك التفعيل عن طريق البريد أو الانتظار قليلا حتى تقوم الإدارة بالتفعيل
منتدى التحكم الآلي والإلكترونيات (تأسس سنة 2008)
مرحبا بك عزيزي الزائر يشرفنا أن تقوم بالدخول إذا كنت من الأعضاء أو التسجيل إذا كنت زائرا ويمكنك إنشاء حسابك ببساطة ويمكنك التفعيل عن طريق البريد أو الانتظار قليلا حتى تقوم الإدارة بالتفعيل
منتدى التحكم الآلي والإلكترونيات (تأسس سنة 2008)
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى التحكم الآلي والإلكترونيات (تأسس سنة 2008)

Automatic control , PLC , Electronics , HMI , Machine technology development , Arabic & Islamic topics , Management studies and more
 
الرئيسيةالبوابة*أحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المَسْــألة اليَهُوديـّــة,ج2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
khalled
مساعد
مساعد



عدد الرسائل : 44
العمر : 40
الموقع : 6of october
العمل/الترفيه : maintenance engineer
تاريخ التسجيل : 03/12/2010

المَسْــألة اليَهُوديـّــة,ج2 Empty
مُساهمةموضوع: المَسْــألة اليَهُوديـّــة,ج2   المَسْــألة اليَهُوديـّــة,ج2 Emptyالخميس 11 أغسطس 2011 - 12:34


الدولة الدينية والدولة الديمقراطية
·
أجل، ليست الدولة المسماة المسيحية، التي تعترف بالمسيحية أساساً لها وتعترف بها ديناً للدولة، وتتخذ – إذن – موقفاً متميزاً حيال الأديان الأخرى، هي الدولة المسيحية الكاملة، بل هي على الأصح الدولة الملحدة، الدولة الديمقراطية، الدولة التي تضع الدين بين سائر عناصر المجتمع البورجوازي. والدولة التي ما تزال، بعد، لاهوتية، وتجاهر بقانون الإيمان المسيحي، والتي لما تجرؤ على إعلان نفسها دولة، ولم تنجح بعد في شكلها الدنيوي والإنساني، وفي حقيقتها بوصفها دولة، هذا الأساس في التعبير عن الأساس البشري الذي نعتبر أن المسيحية هي التعبير المثالي عنه. إن ما يسمى الدولة المسيحية من حيث هي دين لا تستطيع وإنما الأساس البشري للدين المسيحي هو الذي يستطيع أن يحقق في إبداعات إنسانية حَقَّة.
إن الدولة المسمّاة دولة مسيحيّة هي النفي المسيحي للدولة، ولكنها ليست إطلاقاً التحقيق السياسي للمسيحية. إن الدولة التي ما تزال تمارس المسيحية في شكل دين، لا تمارسها، بعد، في شكل دولة، ذلك لأنها ما تزال تقف من الدين موقفاً دينياً.
وبتعابير أخرى نقول إن دولة كهذه ليست التحقيق الفعلي للأساس الإنساني، ذلك لأنها ما تزال تعود إلى الوهم، بالشكل الخيالي لهذه النواة البشرية. إن الدولة المسمّاة دولة مسيحية هي الدولة غير الكاملة، والدين المسيحي هو في نظره المكمل لنقصها والمكرس له. فالدين يصبح – إذن – بالنسبة إليها، وسيلة ضروريَّة، وهي دولة النفاق. وثمة فرق عظيم بين هذين الواقعين: فأما أن تحسب الدولة الكاملة الدين، بسبب النقيصة المُلاَزِمة لجوهر الدولة العام، في عداد شروطها، وإمّا أن تنادي الدولة الكاملة، بسبب من النقيصة الملازمة لوجودها الخاص، يعني من حيث هي دولة ناقصة، تنادي بالدين أساساً لها. وفي هذه الحالة الأخيرة، يتحوَّل الدين إلى سياسة ناقصة. وفي الحالة الأولى، يظهر في الدين نقص السياسة الكاملة. إن الدولة المسمّاة دولة مسيحية تحتاج إلى الدين المسيحي لتكتمل كدولة، والدولة الديمقراطية، الدولة الحقيقية، ليست في حاجة إلى الدين لاكتمالها السياسي، بل هي تستطيع على العكس، أن تضرب صفحاً عن الدين، ذلك لأنَّ الأساس الإنساني للدين متحقق فيها بصورة دنيوية، إن الدولة المسماة دولة مسيحية تقف على العكس موقفاً سياسياً إزاء الدين، وموقفاً دينياً إزاء السياسة. فإذا كانت تحط من الأشكال السياسية في الظاهر، فإنها تخط كذلك من شأن الدين، بنفس القدر.
ولكي يَفْهم القارئ هذا التعارض فهماً أفضل، سوف نفحص البناء الذي يُقَدِّمه لنا باور عن الدولة المسيحية، وهو بناء توصل إليه نتيجة لدراسته للدولة الجرمانية – المسيحية.
يقول باور: « لقد جرى التذكير منذ زمن قريب جداً، في مناسبات عديدة، ابتغاء الدليل على استحالة وجود الدولة المسيحية أو لعدم وجودها، بتلك الأقوال من الانجيل التي ليس فقط لا تتبعها الدولة المعاصرة، بل لا تستطيع أن تتبعها أيضاً إلا إذا كانت تريد أن تحلّ ذاتها انحلالاً كاملاً ». « ولكم لا تنتهي المسألة بهذه السهولة. فبماذا تطالب هذه الأقوال الانجيلية؟ إنكار الذات غير الطبيعي، والخضوع لسلطة الوحي، والعزوف عن الدولة، والترفع على الحياة الدنيويَّة. بيد أنَّ هذا كله تطالب به الدولة المسيحية وتحققه. لقد تمَثَّلت روح الانجيل وإن كانت لا تعبر عن ذلك بالحروف نفسها التي يستخدمها الانجيل، فهذا ناتج بكل بساطة عن كون الدولة تعبر عن هذه الروح بأشكال سياسية، يعني بأشكال مستعارة حقاً من النظام السياسي لهذا العالم. ولكنها في الانبعاث الديني الذي كان عليها أن تمرّ به اختصرت إلى مظهر وحسب. إنه العزوف عن الدولة الذي يحترم أشكالها، الأشكال السياسية (ص55).
ويواصل باور بعد ذلك عرضه: « إن شعب الدولة المسيحية لم يعُدْ شعباً، حيث لم يعد يملك إرادة خاصة به، ويكمن وجوده الحقيقي في الرئيس الذي يخضع له، ولكن هذا الرئيس، من جهته، هو من حيث أصله، وطبيعته، غريب بما أنه فُرِض على الشعب من قِبَل الله دون أن يكون للشعب بذاته أدنى رأي في الموضوع.
فقوانين هذا الشعب ليست من صنعه الخاص، وإنما هي كلمات موحى بها، ويحتاج الذي أوحى في علاقاته مع الشعب الحقيقي، مع الجماهير، إلى وسطاء مُتَميزين، وهذه الكتلة الجماهيرية تتمايز هي نفسها إلى طائفة من الدوائر تكوِّنها وتُحَدِّدها المصادفة، وهي دوائر تختلف من حيث مصالحها وأهوائها الخاصة، وأحكامها المسبقة الخاصة، والتي تبيح لنفسها، بدلاً من الامتياز، الانفصال بعضها عن بعض، الخ. » (ص 56) ولكن باور يقول هو نفسه: « وإذا توجب على السياسة أن لا تكون غير الدين، فعليها ألا تكون سياسة، تماماً كما أن تنظيف القدور، إذا كان يُعتَبر عملاً دينياً، فبجي أن لا ينظر إليه بمثابة شأن بيتي.» (ص108) بيد أن الدين في الدولة الجرمانية المسيحية، هو « شأن اقتصادي » تماماً كما يكون « الشأن الاقتصادي » ديناً. إن سلطة الدين في الدولة الجرمانية المسيحية هي دين السُلْطة.
إن فصل « روح الانجيل » عن « حرفه » يُشكّل عملاً لا دينياً. إن الدولة التي تُنطِق الانجيل بحروف السياسة، بحروف غير حروف الروح القُدُس، ترتكب خرقاً للقدسيّات، إن لم يكن في نظر الناس فعلى الأقل من وجهة نظرتها الدينية الخاصة، والدولة التي تعلن الانجيل دستوراً لها، والمسيحية ناموساً أسمى، يجب أن نعارضها بأقوال الكتاب المُقدّس. ذلك لأن الكتاب المقدس مقدّس حتى في كلماته. إن هذه الدولة تماماً مثل « القمامات البشرية » التي هي مشيدة عليها، تنضوي في تناقض أليم لا يمكن حله من وجهة نظر الوعي الديني حين يحيلها المرء إلى كلمات الانجيل هذه التي « لا تتلاءم الدولة معها بل لا تستطيع أن تتلاءم إلا إذا أرادت أن تنحلّ إنحلالاً كاملاً».
ولماذا لا تريد أن تنحل إنحلالاً كاملاً؟ إن الدولة المسيحية الرسمية هي أمام ضميرها الخاص، « صيرورة » يستحيل تحقيقها وهي لا تستطيع أن تتحقق من حقيقة وجودها إلا بكذبها على نفسها، لذلك تبقى في نظر نفسها موضعاً للشك، ومسألة إشكالية، لا يمكن الاعتماد عليها. إذن فالنقد يكون محقاً بصورة مطلقة حين يرغم الدولة المرتكزة على الكتاب المقدس، على تشويش ضميرها تشويشاً تاماً، على نحو أنه لا يعرف هو نفسه إن كان وهماً أم واقعاً، ان دناءة غايتها الدنيوية، التي يخدم الدين بمثابة ستار لها، تدخل في منازعة لا تنحل مع نزاهة وعيها الديني، الذي يبدو الدين في نظره غاية العالم. هذه الدولة لا تستطيع أن تنجو من عذابها الداخلي إلا إذا أصبحت عنصراً معاوِناً للكنيسة الكاثوليكية. وإزاء هذه الكنيسة التي تعلن أن السلطة الدنيوية خاضعة لها خضوعاً تاماً، تكون الدولة عاجزة، لا حول للسلطة الدنيوية التي تدعي سيادة الروح الديني.
وما له قيمة في الدولة المسماة دولة دينية ليس هو الإنسان، وإنما هو التخلي عن الجوهر الإنساني. والإنسان الوحيد الذي يُحْسَب له حساب، أي الملك، يختلف نوعياً عن الناس الآخرين وهو، من جهة أخرى، كائن ما يزال دينياً، وهو مرتبط مباشرة بالسماء وبالله. والعلاقات القائمة هنا ما تزال علاقات مؤسسة على الإيمان. فالروح الديني لم يصبح بعد دنيوياً في الواقع.
ولكن الروح الديني لا يستطيع أن يصبح دنيوياً في الواقع، وأي شيء يمكن أن يكون في الواقع إن لم يكن الشكل الذي ليس دنيوياً إطلاقاً، من تطور الذهن البشري؟ إن الروح الديني لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت درجة تطور الذهن البشري، الذي هو التعبير عنها، تظهر وتتجسد في شكلها الدنيوي. وهذا ما يحدث في الدولة الديمقراطية. وما يكوّن أساس هذه الدولة، ليس هو المسيحية، وإنَّما الأساس الإنساني للمسيحية. ويظل الدين هو الوعي المثالي لا الدنيوي لأعضائه، ذلك لأنه الشكل المثالي لدرجة تطوّر بشرية تتحقق فيه.
وأعضاء الدولة السياسيَّة هم دينيّون، بثنائية الحياة الفردية والحياة الاجتماعية، حياة المجتمع البورجوازي والحياة السياسية.وهم دينيون، بمعنى أن الإنسان يعبتر الحياة السياسية القائمة فيها وراء فرديته الخاصة، بمثابة حياته الحقيقية. وهم دينيون، بمعنى أنَّ الذين هو هنا روح المجتمع البورجوازي، والتعبير عما يفصل الإنسان عن الإنسان ويباعد بينهما. إن الديمقراطية السياسية هي مسيحية، بمعنى أن الإنسان، ليس فقط الإنسان الواحد، ولكن كل إنسان، هو فيها كائن مسيطر، كائن أسمى، ولكنه الإنسان غير المثقف وغير الاجتماعي، الإنسان في وجوده العارض، الإنسان كما هو، الإنسان كما أُفْسِد بفعل جميع نواحي التنظيم في مجتمعنا، وفَقَد ذاته، وتخلى عن جوهره، ووُضع تحت سلطة شروط وعناصر غير بشرية. وبكلمة واحدة، الإنسان الذي ليس بعد كائناً بشرياً حقيقياً. إن الصورة الخيالية، الحلم، مُسَلمَّة المسيحية، هو سيادة الإنسان، ولكن سيادة الإنسان من حيث هو كائن مختلف اختلافاً مطلقاً عن الإنسان الواقعي، هذا كله يصبح في الديمقراطية مبدأ دنيوياً، بعد أن كان واقعاً ملموساً، حاضراً.
إن الوعي الديني واللاهوتي يظهر لذاته في الديمقراطية الكاملة، أكثر دينية وأكثر لاهوتية بمقدار ما هو، في الظاهر دون مدلول سياسي، ودون أغراض دنيوية، وبمقدار ما هو شأن من شؤون القلب، عدَّو الدنيا، والتعبير عن طبيعة العقل المحدود، ونتاج الاعتباطية والهوى، وحياة حقيقية في الماوراء. وتتوصل المسيحية هنا إلى التعبير العملي عن مدلولها الديني الشامل، ذلك لأن أكبر مفاهيم العالم اختلافاً تجيء لكي تتجمع في صيغة المسيحية، وخصوصاً لأن المسيحية لا تقتضي ممارسة هذا الدين بالذات، وإنما تقتضي أن يكون للإنسان دين، أيّ دين (انظر بومون). إن الوعي الديني يتلذذ بغنى التناقض الديني والتنوّع الديني.



طريق التحرر الجذري
·
لقد بينَّا – إذن – أن الإنسان عند تحرّره من الدين يُبْقي على الدين، وإن كان هذا لم يَبْقَ ديناً متميزاً. إن التناقض الذي يجد تابع أحد الأديان نفسه فيه، التناقض إزاء صفته مواطناً، ليس إلا جزءاً من التناقض الشامل بين الدولة السياسية والمجتمع البورجوازي. إن اكتمال الدولة المسيحية إنما هو الدولة التي تعرّف نفسها بمثابة دولة، وتضرب صفحاً عن دين أتباعها. إن تحرّر الدولة من الدين ليس هو تحرر الإنسان الواقعي من الدين.
ونحن لا نقول إذن، مع باور لليهود: إنكم لن تستطيعوا الانعتاق سياسياً دون أن تتحرّروا من اليهودية تحرّراً جذرياً. بل نقول لهم: إنما بسبب أنكم لا تستطيعون أن تتحرّروا سياسياً دون أن تنفصلوا انفصالاً كاملاً مطلقاً عن اليهودية، يكون التحرّر السياسي نفسه ليس هو التحرّر الإنساني. فإن كنتم تريدون أن تتحرّروا سياسياً دون أن تحرّروا أنفسكم إنسانياً، فإن النقص والتناقض ليس فيكم وحدكم، وإنما أيضاً في جوهر مقول التحرّر السياسي. فإن كنتم مُشْبَعين بهذه المقولة، فإنكم تشاركون في الوهم العام. فإذا كانت الدولة الانجيلية تتصرّف كدولة مسيحية إزاء اليهود على رغم كونها دولة، فإن اليهودي يكون عاملاً في السياسة إذا كان يطالب بحقوق المواطن على رغم كونه يهودياً.
ولكن حين يستطيع الإنسان، على رغم كونه يهودياً، أن يتحرّر سياسياً وينال حقوق المواطنة هل يستطيع المطالبة بما يسمى حقوق الإنسان؟ يجيب باور عن هذا بالنفي. فالأمر يتعلق بمعرفة ما إذا كان اليهودي في ذاته، يعني اليهودي الذي يُقِرّ بأنه مرغم بسبب جوهره الحقيقي على أن يعيش أبداً منفصلاً عن الآخرين، صالحاً لتلقي حقوق الإنسان العامة ومنحها لسواه ».
« إن فكرة حقوق الإنسان لم تُكْتَشف بالنسبة إلى العالم المسيحي إلا في القرن الماضي (أي القرن الثامن عشر – س). إنها ليست غريزية في الإنسان. وعلى العكس، فهي لا تُكتَسَب إلا أثناء النضال ضد التقاليد التاريخية التي نشأ عليها الإنسان حتى اليوم. فحقوق الإنسان ليست – إذن – هبة من الطبيعة، ولا نعمة من التاريخ الغابر، وإنما هي ثمن النضال ضد مصادفات النَسَب وضد الامتيازات، التي نقلها التاريخ حتى الآن من جيل إلى جيل. إنها نتائج الثقافة. وإنما يستطيع أن يمتلكها ذلك الذي استحقها واكتسبها وحسب ».
« وهل يستطيع اليهودي أن يمتلكها حقاً؟ إنه ما بقي يهودياً، فالجوهر المحدود الذي يجعل منه يهودياً، سوف يتغلب بالضرورة على الجوهر الإنساني الذي كان ينبغي أن يربطه بوصفه إنساناً بسائر الناس. وهو يعزله عمَّنْ ليس يهودياً. وهو يعلن بهذا الانفصال، أن الجوهر الخاص الذي يجعل منه يهودياً هو جوهره الحقيقي الأسمى الذي ينبغي أن يمحي أمامه جوهر الإنسان ».
«وكذلك المسيحي بوصفه كذلك، لا يستطيع أن يمنح حقوقاً للإنسان.» (ص 19-20)
يرى باور أن على الإنسان التضحية بـ « مبدأ الإيمان » لكي يستطيع أن يتلقى الحقوق العامة للإنسان. فلنفحص لحظةً ما يُسمى حقوق الإنسان، ولنفحص حقوق الإنسان في شكلها الحقيقي، في الشكل الذي نجدها عليه عند مبتكريها، عند الأميركيين الشماليين، والفرنسيين!..
فحقوق الإنسان هذه هي، في شطر منها، حقوق سياسية، حقوق لا يمكن ممارستها إلا إذا كان الإنسان عضواً في مُتَحّد جماعة. المشاركة في الحياة السياسية العامة، في حياة الدولة، هذا هو مضمونها. فهي تندرج في مقولة الحرية السياسية، في مقولة الحقوق الدينية التي كما رأينا، لا تفترض أبداً الإلغاء الوضعي المحتوم للدين، ولا لليهودية. وبالتالي، يبقى علينا فحص القسم الآخر، يعني حقوق الإنسان من حيث اختلافها عن حقوق المواطن.
«لا ينبغي أن يُضْطَهَد أي إنسان بسبب آرائه، حتى ولو كانت دينية.» إعلان حقوق الإنسان والموطن، 1791، الباب العاشر). وفي الباب الأول من دستور 1791 ضُمنت « حرية كل إنسان في ممارسة العبادة الدينية التي ينتسب إليها » وذلك بوصف هذه الحرية حقاً من حقوق الإنسان.
إن إعلان حقوق الإنسان عام 1793، يُعدد من بين حقوق الإنسان، المادة السابعة، « حرية ممارسة العبادات ». بل ثمة ما هو أكثر من ذلك، فقد قيل في موضوع حق التعبير عن الأفكار والآراء، وحق الاجتماع، وممارسة العبادة: « إن ضرورة تعداد هذه الحقوق تفترض إما وجود الاستبداد، وإما وجود ذكراه القريبة. ( انظر دستور 1795، الباب الثاني عشر، المادة 354).
« لقد تلقى جميع الناس من الطبيعة حقاً غير قابلاً للإلغاء، في عبادة الله الكي القدرة، حسبما توحي إليهم ضمائرهم، ولا يمكن أن يرغم أحد، قانوناً، على اتِّباع أي مذهب ديني أو عبادة ما، أو أن يرغم على إقامتها أو اعتناقهما ضد رغبته، وليس ثمة أية سلطة بشرية، اطلاقاً، تستطيع، في أية حال من الأحوال، أن تتدخل في مسائل الضمير، وتراقب قوى الروح.» ( دستور بنسلفانيا – الباب التاسع – المادة الثالثة).
« وثمة في عداد الحقوق الطبيعية حقوق لا يمكن التخلي عنها، من حيث طبيعتها، ذلك لأنه ليس ثمة شيء يستطيع أن يكون معادلاً لها. ومن بينها حقوق الضمير » (دستور نيوهامشير – المادتان الخامسة والسادسة) (بومون – ص 213 – 214).
وإننا لنجد أثراً ضئيلاً جداً استحالة التوفيق بين الدين وحقوق الإنسان في مفهوم حقوق الإنسان ذاته، حتى إن حق الإنسان في أن يكون متديناً وأن يكون ذلك وفق هواه، وأن يمارس فروض دينه الخاص، محسوبة بصراحة من عداد حقوق الإنسان. فامتياز الإيمان هو حق عام من حقوق الإنسان. ويجري التمييز بين حقوق الإنسان وحقوق المواطن. من هو هذا الإنسان المتميز عن المواطن؟ إنه ليس إلا عضو المجتمع البورجوازي، ولماذا يُسمى عضو المجتمع البورجوازي « إنساناً »، إنساناً وحسب، ولماذا تسمى حقوقه حقوق الإنسان؟ بماذا يُفسر هذا الواقع. بالعلاقة بين الدولة السياسية والمجتمع البورجوازي، بجوهر التحرّر السياسي؟
ولنلاحظ، بادئ بدء، واقع أن حقوق الإنسان المتميزة عن حقوق المواطن، ليست إلا حقوق عضو المجتمع البورجوازي، يعني الإنسان الأناني، الإنسان المفصول عن الإنسان وعن المتَّحد. وعبثاً ينادي أكثر الدساتير جذرية، دستور سنة 1793: « المادة الثانية – إن هذه الحقوق (الحقوق الطبيعية، والتي لا يمكن فسخها) هي: المساواة، الحريّة، الأمن، الملكية».
وفيم تقوم الحرية؟ « المادة6 – الحرية هي القدرة التي يملكها الإنسان، القدرة على أن يفعل كل مالا يَضُرُُّ بحقوق الآخرين ». أو أيضاً، حسب وثيقة إعلان حقوق الإنسان الصادرة سنة 1791 « تكمن الحرية في استطاعة الإنسان أن يفعل كل ما لا يضرّ بالآخرين ».
الحرية هي – إذن – الحق في القيام بكل ما يضرّ الآخرين. والحدود التي يستطيع كل إنسان أن يتحرك فيها دون أن يضرَّ الآخرين، مُحَدَّدة بالقانون، كما أن الحد بين حَقْليْن يُعيّنه وَتَد. ويتعلق الأمر بحرية الإنسان المنظور إليه كجوهر فرد منعزل، منطوٍ على ذاته. ولماذا لا يكون اليهودي، حسب رأي باور، قابلاً لتلقّي حقوق الإنسان؟ « إنه ما بقي يهودياً، فالجوهر المحدود الذي يجعل منه يهودياً سوف يَتغَلب حتماً على الجوهر الإنساني الذي كان ينبغي له أن يحقق الارتباط بوصفه إنساناً بينه وبين سائر الناس ». ولكن حق الإنسان في الحرية، لا يرتكز على علاقات الإنسان بالإنسان، وإنما في الأصح على انفصال الإنسان عن الإنسان. إنه الحق في هذا الانفصال، حق الفرد المحدود بذاته.
إن التطبيق العملي لحق الحرِّية إنما هو حق الملكية الفردية. ولكن فيم يقوم هذا الحق الأخير؟
« حق الملكية إنما هو حق كل مواطن في التمتع والتصرُّف وفق مشيئته بأمواله ومداخيله وبثمرة عمله وصناعته ». (دستور 1793 – المادة السادسة عشرة).
فحق الملكية هو – إذن – حق الإنسان في التمتع بثروته والتصرُّف بها وفق مشيئة، دون الاهتمام بسائر الناس، وبصورة مستقلة عن المجتمع. إنه الحق في الأنانية، وهذه الحرية الفردية، مع تطبيقها، هي التي تؤلف أساس المجتمع البورجوازي. وهي تبيّن لكل إنسان في الإنسان الآخر، ليس تحقيق حريته وإنما تقييدها على الأصح. إنها تنادي بادئ بدء بحق الإنسان في « التمتع والتصرّف وفق مشيئته بأمواله ومداخيله وثمرة عمله وصناعته ».
وتبقى سائر حقوق الإنسان، المساواة والأمن.
ليس لكلمة مساواة هنا مدلول سياسي. إنها ليست إلا المساواة في الحرية المُعَرَّفة في سطور سابقة: إن كل إنسان معتبر في آن واحد بمثابة ذرة مرتكزة على ذاتها. إن دستور 1795 يعين مدلول هذه المساواة « المادة الخامسة. إن المساواة تقوم في أن القانون واحد بالنسبة إلى الجميع، سواء حين يحمي أو حين يعاقب ».
والأمن؟ يقول دستور 1793 « المادة الثامنة. يقوم الأمن في الحماية التي يمنحها المجتمع لكل من أعضائه لحفظ حياته وحقوقه ومُلْكياته ».
إن الأمن هو أسمى مبدأ اجتماعي للمجتمع البورجوازي هو مفهوم الشرطة. إن المجتمع بأسره ليس موجوداً إلا لكي يضمن لكلٍ من أعضائه حفظ حياته وحقوقه وملكياته. وإنما بهذا المعنى يُسَمِّي هيغل المجتمع البورجوازي « دولة الحاجة والعقل.»
إن مفهوم الأمن لا يكفي، بعد، لكي يَسْمو المجتمع البورجوازي فوق أنانيته. فالأمن هو، بتعبير أصح، ضمان لأنانيته.
فليس ثمة – إذن – أي حق من حقوق الإنسان يتَخَطى الإنسان الأناني، الإنسان كما هو، عضو المجتمع البورجوازي، يعني فرداً مفصولاً عن المجموع، ومنطوياً على ذاته، ومنشغلاً فقط بمصلحته الشخصية، ومستجيباً لحكمه الفردي الخاص. فالإنسان ليس منظوراً إليه، في هذه الحقوق، بمثابة كائن بشري اجتماعي، بل على العكس تماماً، فإن الحياة البشرية نفسها، أي المجتمع، تظهر بمثابة إطار خارجي عن الفرد، بمثابة تحديد حريته الأولية. والرابطة الوحيدة التي توحد بينهما، إنما هي الضرورة الطبيعية، حاجة المصلحة الخاصة، يعني ضرورة الاحتفاظ بملكيتها وشخصيتها الأنانية.
وقد أصبح من الصعب تفسير كيف أن شعباً من الشعوب، تماماً عند أخذه بالتحرّر، وإسقاط جميع الحواجز بين مختلف أعضاء الشعب، وتأسيس متحد سياسي، ينادي بأبهة (1791) بحق الإنسان الأناني، المفصول عن مثيله وعن المتحد، بل ويعود إلى هذه المناداة في وقت ليس لإنقاذ الوطن فيه من سبيل إلا بأشد ألوان الإخلاص بطولة، ويكون – إذن – مطلوباً بصورة ملحة بجميع منافع المجتمع البورجوازي، معاقبة الأنانية كجريمة (1793). وتصبح المسألة أكثر غموضاً وإبهاماً حين نلاحظ أن التحرّر السياسي يجعل من المجتمع السياسي، من المجتمع المدني، مجرد وسيلة عليها أن تخدم لحفظ حقوق الإنسان هذه، وأن المواطن يُنَادَى به – إذن – خادماً « للإنسان » الأناني، وأن الدائرة التي يعمل فيها الإنسان بصفته كائناً اجتماعياً، تتدنى إلى ما دون الدائرة التي يعمل فيها الإنسان بصفته كائناً جزئياً، وأخيراً أن الإنسان من حيث هو بورجوازي، وليس الإنسان من حيث هو مواطن، هو المعتبر بمثابة إنسان حقيقي صحيح.
« إن غاية كل تجمع سياسي هو الحفاظ على حقوق الإنسان الطبيعية التي لا يمكن إلغاؤها.. » (إعلان حقوق الإنسان، 1791 – المادة الثانية). « تقام الحكومة لتضمن للإنسان التمتع بحقوقه الطبيعية التي لا يمكن إبطالها » (إعلان– 1793 – المادة الأولى). إذن فالحياة السياسية حتى في عهود حماستها التي ما تزال فتية، والتي تدفعها قوة الظروف إلى حدِّها الأقصى، تعلن أنها ليست إلا مجرد وسيلة، وأن غايتها هي حياة المجتمع البورجوازي. حقاً يتناقض عملها الثوري تناقضاً فاضحاً مع نظريتها. مثلاً، على حين أن الأمن يُعْلَن حقاً من حقوق الإنسان، فإن خرق سرية المراسلة وضع موضع التطبيق. وعلى حين « إن الحرية غير المحدودة للصحافة » هي مضمونة (إعلان – 1793 – المادة 122) بوصفها نتيجة مترتبة على الحق بالحرية الفردية، فإن حرية الصحافة قُضِي عليها قضاءً تاماً، ذلك « لأن حرية الصحافة يجب أن لا يسمح بها حين تمس الحرية العامة ». (روبسبيير الشاب – التاريخ البرلماني للثورة الفرنسية. بقلم «روشيز» و «رو» الجزء الثامن والعشرون، ص 135). وهذا معناه القول: إن الحق بالحرية يكفّ عن أن يكون حقاً منذ أن يدخل في منازعة مع الحياة السياسية، على حين أن الحياة السياسية، من الناحية النظرية، ليست إلا الضمانة لحقوق الإنسان، لحقوق الإنسان الفردي، ويجب إذن أن تُعَلَّق منذ أن تصبح متناقضة مع غايتها التي هي، حقوق الإنسان ولكن التطبيق هو الاستثناء والنظرية هي القاعدة. وحتى حين يراد اعتبار التطبيق الثوري بمثابة الوضع الصحيح للعلاقة، يبقى دائماً من الواجب حل هذه القضية: لماذا انقلبت هذه العلاقة في ذهن المحرّرين السياسيين، رأساً على عقب، حيث الغاية أصبحت تبدو وسيلة والوسيلة غاية؟ إن خداع النظر هذا في وعيهم سوف يبقى دائماً هو المشكلة نفسها، لكن من ناحية نفسية ونظرية.
غير أن حل هذه القضية بسيط.
إن التحرّر السياسي هو في الوقت نفسه انحلال للمجتمع القديم الذي ترتكز عليه الدولة، حيث لم يكن الشعب يلعب أي دور، يعني انحلال سلطة الملك. إن الثورة السياسية إنما هي ثورة المجتمع البورجوازي. ماذا كان طابع المجتمع القديم؟ كلمة واحدة تميزه: الإقطاعية. لقد كان للمجتمع البورجوازي القديم طابع سياسي مباشر، يعني أن عناصر الحياة البورجوازية، كالملكية مثلاً أو الأسرة أو أسلوب العمل، كانت قد ارتقت في ظل الإمارة، أو الطائفة المقفلة، أو الطائفة المهنية، لتصبح عناصر حياة الدولة. لقد كانت تحدِّد، في ظل هذا الشكل. علاقة الفرد الخاص بمجموع الدولة، يعني وضعه السياسي الذي كان به مبعداً ومفصولاً عن عناصر المجتمع الأخرى. والواقع أن هذا التنظيم للحياة الشعبية لم يرفع الملكية إلى مستوى عناصر اجتماعية، بل إنه في الأصح أنجز فصلها عن جسم الدولة وجعل منها مجتمعات خاصة تعيش ضمن المجتمع. ولكن على هذا النحو، من وجهة نظر الإقطاعية على الأقل، ظلت الوظائف الحيوية والشروط الحيوية للمجتمع البورجوازي سياسية، وبتعبير آخر: كانت تفصل الفرد عن جسم الدولة. والعلاقة الخاصة التي كانت موجودة بين طائفة الفرد المهنية وجسم الدولة كانت تحوِّلها إلى علاقة عامة بين الفرد والحياة الشعبية، كما أنها كانت تجعل من نشاطه ووضعه البورجوازيين المعنيين نشاطاً ووضعاً عامَّين وبمثابة نتيجة لهذا التنظيم. فوحدة الدولة، وكذلك وعيها وإرادة وحدتها، والسلطة السياسية العامة، تظهر أيضاً بمثابة شأن خاص بملك مفصول عن الشعب وعن خَدَمه،
إن الثورة السياسية التي قلبت سلطة الملك هذه وجعلت من شؤون الدولة شؤوناً للشعب، وكوَّنت الدولة السياسية كشأن عام، يعني دولة واقعية، حَطمَّت، بالضرورة كل شيء: الطبقات، والطوائف المهنية، والقيِّمين على مصالحها، والامتيازات، تلك التي لم تمثل دلالة واضحة على أن الشعب كان مفصولاً عن وجوده الاجتماعي.
فالثورة السياسية ألغت – إذن – الطابع السياسي للمجتمع البورجوازي. لقد فككت المجتمع البورجوازي إلى عناصره البسيطة، الأفراد من جهة، ومن جهة أخرى العناصر المادية والروحية التي تشكل مضي الحياة والوضع البورجوازي لهؤلاء الأفراد.
لقد أطلقت الروح السياسية من عقالها، إذا صح التعبير، تلك التي كانت مفككة ومجزأة وضائعة في مآزق المجتمع الإقطاعي.
لقد جمَّعت فتاتها الشتيتة وحرّرتها من اختلاطها بالحياة البورجوازية وجعلت منها دائرة المُتحد، دائرة القضية العامة للشعب، التي هي مستلقة نظرياً عن هذه العناصر الخاصة للحياة البورجوازية.
ولم يعد للنشاط المعين، وموقف الحياة المعين، إلا أهمية فردية. ولم تعد تشكل العلاقة العامة بين الفرد والدولة، بل إن الشؤون العامة، المُعْتبرة بوصفها كذلك، تُصْبِح في الأصح، الشؤون العامة لكل فرد، والوظيفة السياسية تصبح وظيفة عامة.
ولكن اكتمال مثالية الدولة كانت في الوقت نفسه اكتمال مادية المجتمع البورجوازي. وكان التخلص من النير السياسي تخلصاً من القيود التي تعرقل الروح الأنانية للمجتمع البورجوازي في نفس الوقت.
لقد كان التحرّر السياسي، في الوقت نفسه، تحرّر المجتمع البورجوازي من السياسة، وحتى من مظهر أن يكون له مضمون ذي صفة عامة.
لقد انحلّ المجتمع الإقطاعي في أساسه، يعني الإنسان، لكن الإنسان كما كان في الواقع، يعني الإنسان الأناني.
بيد أن هذا الإنسان، عضو المجتمع البورجوازي، هو أساس وشرط الدولة السياسية. لقد اعترفت به الدولة، بهذه الصفة، في حقوق الإنسان.
ولكن حرية الإنسان الأناني والاعتراف بهذه الحرية هما في الأصح، الاعتراف بحركة هذه العناصر الفكرية والمادية الجامحة، التي تُشكل مضمونها.
إذن فالإنسان لم يتحرّر من الدين، بل لقد تلقى الحرية الدينية. ولم يجر تحريره من الملكية، بل نال حرية المُلْكِيَّة. إنه لم يتحرّر من أنانية الحرفة والصنعة، بل لقد نال حرية الحرفة والصنعة.
إن إنشاء الدولة السياسية وانحلال المجتمع البورجوازي إلى أفراد مستقلين، تضبط الحقوق علاقاتهم، كما كانت علاقات الطوائف المهنية، و«الجوراندات» Jurandes مضبوطة بالامتيازات، تمَّا بعملٍ واحد. فالإنسان كما هو عضو المجتمع البورجوازي، الإنسان غير السياسي، يبدو بالضرورة بمثابة الإنسان الطبيعي. وتبدو حقوقه كما لو كانت حقوقاً طبيعية، ذلك لأن النشاط الواعي يتركز في العمل السياسي. إن الإنسان الأناني هو النتيجة السلبية، المبينة ببساطة، للمجتمع المنحلّ، وهو موضوع اليقين المباشر، يعني أنع معطى طبيعياً. إن الثورة السياسية تفكّك الحياة البورجوازية إلى عناصرها دون أن تُحدث الثورة في هذه العناصر نفسها أو تتناولها للنقد، فهي – أي الثورة السياسية – ترى المجتمع البورجوازي، وعالم الحاجات، والعمل، والمنافع الخاصة، والحق الخاص، كأساس لوجودها، مثل نسبتها إلى فرضية لا تقتضي الإثبات، إذن، مثل نسبتها إلى أساسها الطبيعي. وأخيراً، فالإنسان، كما هو، عضو المجتمع البورجوازي هو معتبر بمثابة الإنسان بالمعنى الدقيق للكلمة، الإنسان يتعارض مع المواطن، ذلك لأنه الإنسان في وجوده المباشر، المحسوس والفردي. على حين أن الإنسان السياسي ليس إلا الإنسان المجرّد، المصطنع، الإنسان من حيث هو شخص رمزي، معنوي. والإنسان الحقيقي لا يتعرَّف إليه إلا في شكل الفرد الأناني، والإنسان الواقعي في شكل المواطن المجرَّد.
يصف لنا روسو وصفاً رائعاً هذا التجريد للإنسان السياسي فيقول: « إن ذلك الذي يجرؤ على الشروع بوضع الشرائع لشعب من الشعوب، عليه أن يحس بأنه قادر أن يغيّر الطبيعة البشرية، إذا صح التعبير، أن يحوّل كل فرد الذي هو من في ذاته كل كامل إلى جزء من كل أكبر، يتلقى منه هذا الفرد، بمعنى من المعاني، حياته ووجوده، وإحلال وجود جزئي ومعنوي محل الوجودي الجسدي المستقل. وعليه أن ينزع من الإنسان قواه الخاصة ليمنحه قوى غريبة عنه وقوى لا يستطيع استخدامها دون معونة الآخرين. » (العقد الاجتماعي - الكتاب الثاني).
إن كل تحرير ليس إلا إعادة العالم الإنساني، والعلاقات الإنسانية إلى الإنسان ذاته.
الانعتاق السياسي إنما هو تحويل الإنسان، من جهة، إلى عضو من أعضاء المجتمع البورجوازي، أي إلى فرد أناني مستقل، ومن وجهة أخرى، إلى مواطن، إلى شخص معنوي.
ولا يتحقق التحرّر الإنساني إلا حين ينصرف الإنسان عن أن يكون مواطناً مجرداً ويصبح عضواً في المجتمع وحين ينصرف إلى قواه الخاصة بوصفها قوى اجتماعية، وحين يُنظمها فلا تنفصل القوة الاجتماعية في هيئة قوة سياسية، عندها فقط يكون التحرّر الإنساني قد تحقّق.



قدرة يهود ومسيحي اليوم على التحرّر
لبرونو باور (الملزمة الحادية والعشرون، ص 56 – 71)
·

تحت هذه الصيغة يدرس باور علاقات الدينين المسيحي واليهودي، وكذلك علاقتهما بالنقد. وهذه العلاقة الأخيرة هي علاقتهما بـ « قدرتهما في أن يصبحا متحرّرين ».
وهو يتوصل إلى هذه النتيجة: « ليس على المسيحي سوى أن يرتفع درجة، سوى أن يتخطى دينه، لإلغاء الدين بصورة عامة »، ويصبح بالتالي حراً. « أما اليهودي فعلى العكس، فهو مرغم على التخلي ليس فقط عن جوهره اليهودي، وإنما أيضاً عن تطوير دينه نحو الاكتمال، وهو تطوير ظلّ غريباً عنه » (ص71).
فباور يحوِّل هنا – إذن – مسألة التحرّر إلى مسألة دينية بحتة. فالتدقيق اللاهوتي الذي يُتساءل به أيهما أكثر حظاً في الوصول إلى السعادة الأبدية، اليهودي أم المسيحي، يتكرّر هنا في هذا الشكل الأكثر فلسفية: أيهما قادر على التحرّر؟ وبالتالي لم يعد السؤال هو: هل تحرّر اليهودية أو المسيحية الإنسان؟ بل يتساءلون، على العكس: ما الذي يجعل الإنسان أكثر حرية: نفي اليهودية أم نفي المسيحية؟
« إذا كان اليهود يريدون الحرية، فليس عليهم أن يعتنقوا المسيحية وحسب، وإنما عليهم أن يعتنقوا المسيحية المنحلة والدين المنحلّ، يعني الفلسفة، النقد ونتيجته، يعني الإنسانية الحرّة » (ص70).
فالأمر يتعلق دائماً باعتناق شيء من الأشياء، ليس المسيحية بالذات، وإنما المسيحية المنحلة.
يطالب باور اليهود بالانفصال عن جوهر المسيحية، ولكن هذا الطلب لا ينبع – وهذا ما يقوله هو نفسه – من تطور الجوهر اليهودي.
وحين لم يرّ باور في اليهودية، في نهاية المسألة اليهودية، إلا النقد الديني الفظ للمسيحية، ولم ينسب لها – إذن – إلا أهمية دينية بسيطة، كان من المنتظر تماماً أن يحوّل مسألة التحرّر إلى عمل فلسفي لاهوتي.
يعتبر باور الجوهر المثالي المجرد لليهودي، أي دينه، بمثابة جوهره كله. فهو يستنتج إذن بحق: « إن اليهودي لا يقدم للإنسانية شيئاً. حين يصرف النظر عن قانونه الخاص المحدود، ويتخلى عن يهوديته كلها » (ص65).
وتصبح العلاقة بين اليهود والمسيحيين هي – إذن – التالية:
إن الأهمية الوحيدة التي يعرضها تحرير اليهودي بالنسبة إلى المسيحي، إنما هي أهمية نظرية، ذات طابع إنساني عام. إن اليهودي واقع مهين في عين المسيحي الدينية. وما أن تكفّ عين المسيحي عن أن تكون عيناً دينية، حتى يكفّ هذا الواقع عن الإساءة إلهيا. فتحرير اليهودي ليس هو – إذن – في ذاته مهمة تناسب المسيحي ».
« واليهودي إذا كان يريد أن يتحرّر، فعليه، على العكس أن يقوم إلى جانب عمله الشخصي، بعمل المسيحي، بنقد الأناجيل الأربعة، ونقد حياة يسوع الخ..».
« عليهم هم أن يتدبروا أمرهم. إنهم هم الدين يقررن مصيرهم. ولكن التاريخ لا يسمح بأن يُهْزّأ به » (ص71).
نحن نحاول تحطيم الصيغة اللاهوتية. إن المسألة المتعلقة بإمكان تحرير اليهودي تتحول بالنسبة إلينا إلى هذه المسألة الأخرى: ما هو العنصر الاجتماعي الخاص اللازم للإلغاء اليهودي؟ ذلك لأن طاقة تحرير اليهودي الحديث هي علاقة اليهودية بتحرّر العالم اليوم. وهذه العلاقة تنتج بالضرورة وضعية اليهودية الشاذة في العالم الحديث المستَبعد.




واقع اليهودية: المتاجرة والمال
·
ولنفحص اليهودي الواقعي، وليس يهودي السبت، كما يفعل باور، بل اليهودي العادي.
يجب أن لا نبحث عن سر اليهودي في دينه، بل فلنبحث عن سر الدين في اليهودي الواقعي.
ما هو الأساس الدنيوي لليهودية؟ المصلحة العملية، والمنفعة الشخصية. إذن فالعهد الحاضر بتحرّره من المتاجرة والمال، وبالتالي من اليهودية الواقعية والعملية، إنما يحرّر نفسه أيضاً.
والتنظيم الاجتماعي الذي يلغي الشروط الضرورية للمتاجرة، وبالتالي يلغي إمكانية المتاجرة، سوف يجعل وجود اليهودي مستحيلا. والوعي الديني لليهودي سوف يتلاشى، مثل بخار تافه، في جو المجتمع الحقيقي. ومن جهة أخرى فاليهودي منذ أن يقرّ ببطلان جوهره العملي ويبذل جهده لإلغاء هذا الجوهر، يحاول الخروج مما كان تطوره حتى ذلك الحي، ويعمل للتحرّر البشري العام ويتحوّل نحو أسمى تعبير عملي عن الاغتراب البشري عن الذات.
إذن فنحن نقر بأن ثمة في اليهودية عنصراً عاماً وحالياً مناهضاً للمجتمع. وهو عنصر دُفِعَ، بالتطوّر التاريخي الذي ساهم فيه اليهود، من هذه الوجهة السيئة، مساهمة نشيطة، إلى نقطة الأوج في الزمن الحاضر، إلى ارتفاع لا يستطيع معه إلا الانحلال.
إن التحرير اليهودي في معناه الأخير يقوم في تحرير الإنسانية من اليهودية.
لقد تحرّر اليهودي فعلاً، ولكن على الطريقة اليهودية. « فاليهودي مثلاً، الذي لا يُحْسَب له حساب، في فيينا، هو الذي يقرّر: بقوته المالية مصير المملكة كلها. إن اليهودي الذي قد يكون في أصغر الدول الألمانية، محروماً من الحقوق، هو الذي يقرّر مصير أوروبا ».
« وعلى حين أن الطوائف المهنية والجوراندات تبقى مقفلة في وجه اليهود، أو أنها لا تعطف عليهم، فإن جسارة الصناعة تهزأ بمؤسسات القرون الوسطى » (برونو باور، المسألة اليهودية، ص 14)( B. Bauer. Die Judenfrage, p 14).
وليس هذا حدثاً منعزلاً. فاليهودي تحرّر على الطريقة اليهودية، ليس فقط بأن أصبح سيّد السوق المالية، وإنما لأن المال أصبح، بواسطته، وبفضله، قوة عالمية، والروح العملية اليهودية أصبحت الروم العملية للشعوب المسيحية. لقد تحرّر اليهود بالنسبة نفسها التي أصبح المسيحيون فيها يهوداً.
يروي الكولونيل هاملتون مثلاً أن: « سكان انجلترة الجديدة المتدينين، والأحرار سياسياً، هم صنف من اللاوكون L,aocoon الذي لا يقوم بأدنى جهد للتحرّر من الأفاعي التي تطوقه. إن مأمون هو وثنهم الذي يعبدونه ليس فقط بالشفاه، وإنما بجميع قوى أجسادهم وأرواحهم. إن الأرض ليست في نظرهم سوى بورصة، وهم موقنون بأن لا مصير لهم في الحياة الدنيا هذه سوى أن يصبحوا أغنى من جيرانهم. لقد استولت المتاجرة على جميع أفكارهم، وليس لديهم تسلية أخرى سوى تبديل أمتعتهم. وحين يسافرون يحملون، إذا صحَّ التعبير، أمتعهم الحقيرة أو صندوق المحاسبة، على ظهورهم، ولا يتحدثون إلا عن المنفعة والكسب، فإذا غابت أمتعتهم عنهم لحظة، فليس ذلك إلا ليدسوا أنوفهم في شؤون مزاحميهم ».
وثمة أكثر من هذا! فإن السيادة الفعلية لليهودية على العالم المسيحي قد اتخذت في أميركة الشمالية، هذا التعبير الطبيعي الواضح وضوحاً مطلقاً: إن التبشير بالإنجيل، التبشير الديني، قد أصبح سلعة تجارية، وتاجر الإنجيل المفلس يهتم بالأعمال تماماً مثل الواعظ المثري. إن فلاناً الذي تراه على رأس رهبانية محترمة قد بدأ حياته تاجراً، وحين أخفق في التجارة أصبح كاهناً. وذلك الآخر بدأ حياته في الكهنوت، ولكن منذ أن أصبح يملك مبلغاً معيناً من المال، ترك كرسي الوعظ وانصرف إلى التجارة. إن الوظيفة الكهنوتية هي في نظر عدد كبير من الناس مهنة صناعية حقيقية » (بومون – ص 185 – 186).
فإذا قدَّقنا باور وجدنا أنفسنا إزاء وضعية خادعة: « فاليهودي هو محروم نظرياً من الحقوق السياسية، على حين أنه عملياً يتصرف بقوّة هائلة ويمارس بالجملة تأثيره السياسي المنقوص بالتفصيل » (Judenfrage, p 14) (المسألة اليهودية ص14).
إن التناقض القائم بين قوّة اليهودي السياسية الواقعية وحقوقه السياسيَّة إنما هو التناقض القائم بين السياسة وقوة المال. فالسياسة هي نظرياً فوق قوّة المال، ولكنها عملياً قد أصبحت مستعبدة له.
لقد استمرت اليهودية إلى جانب المسيحية ليس فقط لأنها كانت تشكل النقد الديني للمسيحية وكانت تمثّل إلى أصل المسيحية الديني، وإنما أيضاً وبصورة مساوية، لأن الروح العملية اليهودية قد استمرت في المجتمع المسيحي بل وتلقت فيه تطورّها الأسمّى. واليهودي الذي يجد نفسه قائماً بمثابة عضو خاض في المجتمع البورجوازي، ليس سوى الظاهرة الخاصة بيهودية المجتمع البورجوازي.
لقد عاشت اليهودية ليس ضد التاريخ، وإنما من خلال التاريخ.
فالمجتمع البورجوازي يولد من أحشائه الخاصة اليهود دون انقطاع.
ما هو أساس الدين اليهودي في ذاته؟ المنفعة العملية، الأنانية. إن توحيد اليهودي هو – إذن – في الواقع تعدد الحاجات العديدة، وهو شرك يجعل من منازل الهوى نفسها غرضاً من أغراض القانون الالهي. العملية، الأنانية، هما أساس المجتمع البورجوازي. ويظهران بوصفهما كذلك في شكله المحض، منذ أن يوّلد المجتمع البورجوازي الدولة السياسية كاملة. وإله الحاجة العملية، والأنانية، هو المال.
المال هو إله إسرائيل المطماع، وأمامه لا ينبغي لأي إله أن يعيش. إن المال يخفض جميع آلهة البشر ويحولها إلى سلعة. المال هو القيمة العامة والمكونة في ذاتها لجميع الأشياء. ولهذا السبب جُرّد العالم بأسره من قيمه الخاصة، عالم البشر وكذلك عالم الطبيعة. إن المال هو جوهر الإنسان المفصول عن الإنسان، وهذا الجوهر الغريب يسيطر عليه ويستبعده. لقد أصبح إله اليهود إلهاً دنيوياً وغدا إله الناس. الصيرفة هذه هي الإله الحقيقي لليهودي. فإلهه ليس إلا الصيرفة الوهمية.
والفكرة التي يكونها الإنسان عن الطبيعة، تحت سيطرة الملكية الخاصة والمال، إنما هي الازدراء الواقعي، والانحطاط الفعلي للطبيعة التي هي قائمة حقاً في الدين اليهودي، ولكنه ليس موجوداً فيه إلا بالخيال.
وإنما بهذا المعنى يعلن توماس مونزر « بأنه أصبح لا يطاق كون كل مخلوق قد تحوّل إلى مُلكية، السمك في الماء، والطير في الهواء، والنبات على الغبراء: إن المخلوق نفسه يجب أن يصبح حرّاً ».
وما يتضمنه الدين اليهودي في شكل مجرَّد ازدراء النظرية والفن والتاريخ والإنسان المعتبر غاية في ذاته، إنما هو واجهة النظر الواقعية الواعية وفضيلة رجل المال. وحتى العلاقات بين الرجل والمرأة تصبح موضوعاً للتجارة! فالمرأة تصبح سلعة يتاجرون بها.
إن قومية اليهودي الوهمية هي قومية التاجر، قومية رجل المال.
إن قانون اليهودي، الذي هو بلا أساس أو علّة، ليس إلا الصورة الكاريكاتورية الدينية للأخلاقية، التي لا أساس لها وللقانون بوجه عام، وللطقوس الشكلية وحسب التي يحيط عالم الأنانية بها.
وهنا أيضاً فالنظام الأسمى للإنسان هو النظام القانوني، العلاقة مع قوانين ليست لها قيمة بالنسبة إليه لأنها قوانين منبثقة عن إرادته هو نفسه، وعن جوهره نفسه، وإنما لأنها سارية المفعول، ولأن كل مخالفة لهذه القوانين تسبّب العقاب.
إن اليعقوبية اليهودية، وهي نفسها اليعقوبية العملية التي يثبت باور وجودها في التلمود، إنما هي العلاقة بين عالم الأنانية بالقوانين التي تسيطر على هذا العالم والتي يستخدم هذا العالم فنه الأساسي للتملص منها ببراعة.
بل ثمة أكثر من ذلك، فهذا العالم لا يستطيع أن يتحرك في إطار هذه القوانين دون أن يلغيها بصورة متواصلة؟
ولم يكن باستطاعة اليهودية أن تنمو نظرياً، ذلك لأن المفهوم الذي تكونه الحاجة العملية عن العالم هو بطبيعته محدود وإن بضع سمات تكفي لاستنفاده.
ولم يكن يستطيع دين الحاجة العملية من حيث جوهره، أن يجد اكتماله في النظرية، وإنما فقط في النشاط العملي، وعلى وجه الضبط بسبب حقيقته، يعني النشاط العملي [ البورجوازي ].
لم تكن اليهودية تستطيع أن تخلق عالماً جديداً، وكل ما كانت تستطيعه هو أن تجتذب إلى منقطة فعلها، جميع المبتدعات الأخرى وجميع المفاهيم الأخرى، ذلك لأن الحاجة العملية، وسببها الأنانية، تظلّ سلبية، ولا تتوسع وفق المشيئة، وإنما تتوسع بواقع أن الشروط الاجتماعية تستمر في التطور.
لا تبلغ اليهودية ذروتها إلا مع اكتمال المجتمع البورجوازي.
ولكن المجتمع البورجوازي لا يبلغ اكتماله إلا في العالم المسيحي. ولم يكن المجتمع البورجوازي يستطيع التوصل إلى الانفصال التام عن مجرى الدولة، وتمزيق جميع الروابط الاجتماعية للإنسان، وإحلال الأنانية والحاجة الأنانية محلها، وتفكيك عالم الناس إلى عالم أفراد مزرّين، بعضهم أعداء لبعض، لم يكن يستطيع المجتمع البورجوازي ذلك كله إلا في ظل المسيحية، التي تستبعد جميع علاقات الإنسان القومية والطبيعية، والأخلاقية، والنظرية.
لقد انبثقت المسيحية من اليهودية، وقد انتهى بها الأمر إلى العودة إلى اليهودية.
كان المسيحي، من حيث التعريف، هو اليهودي الميال إلى المثالية، واليهودي هو بالتالي المسيحي العملي، والمسيحي العملي عاد من جديد فأصبح يهودياً.
ولم تتغلب المسيحية على اليهودية الواقعية، إلا في الظاهر. فقد كانت المسيحية أكثر سمواً وأكثر روحانية من أن تلغي وحشية الحاجة العملية إلا بتصعيدها في ضباب أثيري.
المسيحية هي الفكر السامي لليهودية، واليهودية هي التطبيق العادي للمسيحية، ولكن هذا التطبيق لم يكن يستطيع أن يصبح عاماً إلاّ حين توصلت المسيحية نظرياً على الأقل من حيث هي دين كامل إلى أن تجعل الإنسان غريباً عن نفسه وعن الطبيعة.
وعندئذٍ فقط استطاعت اليهودية التوصل إلى السيطرة العامة، وإبعاد الإنسان والطبيعة إلى خارج ذاتيْهما، وجعلت منهما شيئاً تجارياً خاضعاً للحاجة الأنانية والمتاجرة.
والتخلي عن الجوهر الإنساني إنما هو ممارسة التخلي بصورة فعلية. وكما أن الإنسان لا يستطيع ما دام تحت سيطرة الدين أن يجعل كائنه كائناً ملموساً، إلا ويجعل منه كائناً خرافياً، غريباً عنه، كذلك فهو لا يستطيع أن يؤكد ذاته، في ظل تأثير الحاجة الأنانية، وأن ينتج أغراضاً عملية إلا بإخضاعه منتوجاته وكذلك نشاطه لسيطرة جوهر غريب، وبأن ينسب إليها مدلول جوهر غريب، هو المال.
في الحياة العملية الكاملة، تصبح أنانية المسيحي الروحانيّة، بصورة محتومة، أنانية اليهودي الماديّة، وتتحوّل الحاجة السماوية إلى حاجة دنيوية، والذاتية إلى أنانية. ونحن لا نفسر صلابة اليهودي بدينه، وإنما في الأصح بالأساس البشري لدينه، وهو الحاجة العملية، الأنانية.
وإنما بسبب أن جوهر اليهودي قد تحقق، وأصبح دنيوياً بصورة عامة، في المجتمع البورجوازي، لم يستطع البورجوازي إقناع اليهودي بخيالية جوهره الديني الذي ليس هو، على وجه التدقيق، إلا المفهوم المثالي للمنفعة العملية. ولا نجد جوهر اليهودي المعاصر – إذن – في التوراة والتلمود وحسب، بل نجده في المجتمع الحالي، وليس هو جوهر مجرّد، بل هو جوهر عملي مطلق، وليس بمثابة حدود اجتماعية لليهودي وإنما بمثابة حدود يهودية للمجتمع.
وحين ينجح المجتمع في إلغاء الجوهر العملي لليهودية، أي المتاجرة وشروطها، عندئذٍ يصبح وجود اليهودي مستحيلاً، ذلك لأن وعيه لم يبق ثمة من حاجة إليه، وذلك لأم الأساس الذاتي لليهودية، أي الحاجة العملية، قد اتخذت شكلاً إنسانياً، وذلك لأن المنازعة بين الوجود الفردي والمحسوس للإنسان ووجوده الاجتماعي قد أُلغيت.

التحرّر الاجتماعي لليهودي، إنما هو تحرير المجتمع من اليهودية.


( كارل ماركس – 1844)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المَسْــألة اليَهُوديـّــة,ج2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التحكم الآلي والإلكترونيات (تأسس سنة 2008) :: المنتديات العلمية العامة :: نظريات علمية وعلماء-
انتقل الى: