جاء لى تشبيه منسوب إلى النبيل الدكتور عبد الجليل مصطفى بشأن تخوف المصريين وتشككهم الدائم في أن الديمقراطية قادمة بالمرأة التى ظلت لفترة طويلة لا تنجب. وفى عدة مرات، شعرت بأعراض الحمل، ثم تبين أنه حمل كاذب. وأخيرا أصبح الحمل حقيقيا، لكن المحيطين بها لا يصدقون. يعتقدون أن أمرا ما سيعوق هذا الحمل قطعا؛ وأن مصر ستعود إلى الاستبداد يقينا.
وهذا تفكير له ما يبرره، من تاريخنا الملىء بالمؤامرات والدسائس. إذن هناك أمر ما يحاك بليل. والمؤامرة، عند هؤلاء، لها عدة سيناريوهات.
السيناريو الأول: المجلس العسكرى يقول ما يرضى الناس عن الديمقراطية، لكنه يريد أن تسوء الأمور أمنيا، وبالتالى يكون من المستحيل أن تجرى الانتخابات فى موعدها، وعليه سيتم تأجيل الانتخابات أكثر من مرة حتى لا يصل أحد إلى السلطة غيرهم. وعليه فحمل الديمقراطية الكاذب سينتهى بأن تتحول الثورة إلى انقلاب.
السيناريو الثانى: يفترض هذا السيناريو أن المجلس العسكرى أذكى من أن يحكم بنفسه، فهو تحالف بالفعل مع السلفيين والإخوان حتى يفوز هؤلاء بالانتخابات القادمة، ويحكم هو من خلف الستار. وبما أن بقية الشعب الذي خرج فى 25 يناير «ساذج» (سامحونى، لكن لا بد أن يسير السيناريو على هذا النحو)، فالنتيجة النهائية أن التيار الإسلامى متحالفا مع الجيش سيحكمان على نحو ما يوجد فى السودان أو إيران. وعليه فالحمل كاذب لأننا استبدلنا حكم العسكر والحزب بحكم العسكر والإخوان.
السيناريو الثالث: المجلس العسكرى متحالفا مع حكومة شرف قرروا أن «يسقعوا» البلد وأن «يجمدوا» الثورة، من أجل بيع مصر لصالح حفنة من البشر الذين جاءوا لتأميم الثورة لصالح المجلس العسكرى. وبالتالى سيرشح المجلس العسكرى عصام شرف كى يكون رئيسا للجمهورية ليضمن المجلس العسكرى لنفسه كل الصلاحيات المعتادة. وعليه فالحمل كاذب لأننا استبدلنا مبارك بـ19 مبارك مكانه.
المساحة لا تتحمل السيناريوهات الثلاثة الأخرى للحمل الكاذب. لكنها قطعا تستوعب وجهة نظرى المتواضعة.
أولا، د.عصام شرف رجل فدائى، انتقدوه كيفما تشاءون، وقد أنتقده أنا أيضا فى بعض الأمور. لكنها تركة فى منتهى الصعوبة، وهو لم يختر نفسه كى يكون رئيسا للوزراء. هو كلف من ميدان التحرير شعبيا ومن المجلس العسكرى سياسيا، وقبل التكليف. ولو اختير غيره، فسيسجد له شاكرا على أن عافاه الله من هذه المسئولية التى تسببت في تدهور صحته ولن يُشكر فيها أو بسببها أبدا رغما عن ساعات العمل الطويلة.
ثانيا، المجلس العسكرى ملتزم بما أعلن من تحول ديمقراطى. وقد قالها أحد كبار قيادات القوات المسلحة إلى عدد من الضيوف كنت أحدهم: «نحن لن نخون هذا الشعب العظيم الذى حملنا المسئولية وتحملها معنا. ولن ننسى أنه فى نكسة 1967 احتضننا يوم احتجناه. وقد كنا كالبنت التى جلبت العار لأهلها، ولكن أهلها سامحوها ودعموها وكرموها وأكرموها حتى استرددنا الكرامة لنا جميعا فى حرب 1973. قالها القائد الكبير وعينه تدمع مؤكدا أن القوات المسلحة لن تخون شعبها الذى يملكها.
ثالثا، أما بشأن التيار الدينى، فهم يعلمون، وإن كانوا لا يعلمون فليعلموا، أنه لو وجدنا منهم استبدادا، لما كان نصيبهم منا إلا ما حدث مع مبارك.
هذا ليس حملا كاذبا، ولن يكون. نحن نسير على طريق الديمقراطية التى لا تصنع الملائكة ولكنها تقمع الشياطين.