فى شهر ديسمبر الماضى تلقيت رسالة من قارئ فلسطينى قال فيها إنه عالق أمام معبر رفح منذ ثلاثة أشهر، وإنه فى السنة الجديدة يحلم بأمرين، أولهما: أن يجتاز المعبر لكى يعالج عينيه فى القاهرة، وثانيهما: أن يعامل على المعبر بمثل ما يعامل به الإسرائيليون فى طابا. لم أفاجأ بالرسالة التى خلفت عندى شعورا اختلط فيه الحزن بالخزى، لكننى قلت وقتذاك إن الذى يشترك فى حصار غزة وتجويع الفلسطينيين لا يستكثر عليه إذلالهم. وحين صرح الدكتور نبيل العربى أول وزير خارجية لمصر بعد الثورة بأن معبر رفح سيفتح وأن علاقات مصر بمحيطها وجيرانها ستشهد نقلة جديدة تعبر عن قيمة مصر واعتزازها بكرامتها، استحضرت على الفور رسالة صاحبنا العالق عند المعبر وقلت إن الله حقق له ما تمناه.
لأن لحظات الفرح فى الأفق الفلسطينى شحيحة ونادرة، فإن سحابات الحزن ما لبثت أن ظهرت فى ذات الأفق مرة أخرى، حين اكتشفوا أن الكلام المتفائل عن فتح المعبر لم يتم تنزيله على الأرض بالصورة المرجوة. صحيح أنه فتح بغير تشدد فى القيود لعدة أيام لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، إلا أن النظام المتبع سرعان ما عاد إلى سيرته القديمة. آية ذلك أننى تلقيت خلال الشهرين الأخيرين عدة رسائل من فلسطينيى غزة شكت من ثلاثة أمور، الأول: استمرار التعامل مع غزة باعتبارها قضية أمنية، لا هى سياسية ولا إنسانية، الثانى: التمسك بالقوائم الأمنية التى تمنع نحو 60٪ من شبان القطاع من دخول مصر. الثالث: تقليص عدد الذين يسمح لهم بالعبور يوميا، بحيث لا يزيدون على 400 شخص، فى حين أن متوسط الراغبين فى العبور اليومى يدور حول ألف شخص تقريبا. وكانت نتيجة ذلك أن أعدادا أصبحت ترحل للمستقبل باستمرار، مما ترتب عليه إغلاق قوائم العابرين حتى يوم 22 سبتمبر المقبل. وهو ما يعنى أن أى فلسطينى قادم لزيارة أهله لفترة قصيرة خلال الصيف، لن يستطيع أن يغادر القطاع قبل حلول الخريف فى شهر أكتوبر.
فى تفسير الموقف المصرى من المعبر قال لى مصدر وثيق الصلة بالموضوع، إن هناك عوامل ثلاثة حاكمة لذلك الموقف، هى: إن مصر لاتزال لديها بعض المخاوف من الوضع فى سيناء، وتخشى أن يؤدى إطلاق العبور من رفح إلى تعزيز تلك المخاوف ــ إن القاهرة ليست مطمئنة تماما لنجاح المصالحة بين حركتى فتح وحماس، ويبدو أن أبومازن رئيس السلطة الفلسطينية نقل رسالة إلى القاهرة تقول إن فتح المعبر من شأنه أن يؤدى إلى استرخاء الوضع فى غزة مما قد يشجع حركة حماس على عدم التعامل بجدية مع مسألة المصالحة ــ إن مصر تواجه ضغوطا قوية ومستمرة من الولايات المتحدة وإسرائيل للإبقاء على الوضع الراهن فى رفح كما هو دون تغيير فى إجراءات وضوابط المرور.
ضاقت صدور البعض فى غزة بالضغوط التى يعانى منها القطاع، فذكر خليل أبوشمالة مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان أن أوضاع الفلسطينيين المسافرين على معبر رفح تعد من أشكال امتهان الكرامة الإنسانية التى تتنافى مع أبسط مفاهيم احترام حقوق الإنسان. وتساءل: كيف يمكن للأردن أن يفتح حدوده أمام آلاف المسافرين الفلسطينيين يوميا. فى حين لا تسمح مصر لأكثر من 300 فقط بالمرور؟ وكتب يوسف رزقة المستشار السياسى لرئيس حكومة غزة مقالة فى صحيفة «فلسطين» قال فيها «إن الشعب الفلسطينى لم يعد يتحمل الإذلال الذى يمارس ضده فى معبر رفح دون مبرر» (الحياة اللندنية 19/6).
يوم الثلاثاء قبل الماضى 21/6 وصل إلى القاهرة فى طريق العودة إلى غزة وفد رسمى كان قادما من الجزائر، التى استقبل فيها بحفاوة بالغة. وضم الوفد وزيرين واثنين من وكلاء الوزارة واثنين من نواب المجلس التشريعى. فى المطار لم يستقبلهم أحد وتم استبقاء الوزيرين ووكيلى الوزارة لمدة ساعة قبل السماح لهم بالخروج، أما الباقيان فقد احتجزا مدة 4 ساعات قبل أن يسمح لهما ضباط أمن الدولة بالانصراف!
إزاء ذلك ينبغى أن نعذرهم إذا استبد الانفعال ببعضهم وتساءلوا عما إذا كان نظام مبارك قد سقط حقا أم لا، أو إذا قال قائلهم إن الثورة إذا كانت خبرا صحيحا فى بر مصر، فإنها فى رفح شائعة سمعوا بها ولم تثبت صحتها.