قام الدكتور راغب السرجاني بإلقاء محاضرة في ساقية الصاوي يوم الأربعاء 11/5/2011م؛ بعنوان (كيف نختار رئيس الجمهورية؟). وقد وضع عدة معايير لاختيار الرئيس،
منها أن يكون غير راغب في الرئاسة؛ لأن الإمام مسلم روى في صحيحه عن أبي موسى قال: دخلت على النبي أنا ورجلان من بني عمِّي، فقال أحد الرَّجلين: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلاَّكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ: "إِنَّا وَاللَّهِ لاَ نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلاَ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ"[1].
ومنها أيضًا: أن يكون برنامجه متصفًا بصفات البرنامج الناجح؛ فيكون برنامجًا شاملاً لكل نواحي الحياة الدينية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والصحية وغيرها، كما يجب أن يكون البرنامج واقعيًّا لا يضع طموحات خيالية ليجذب الناخبين بينما هو غير قادر على تحقيقها وفقًا للمعطيات. وإضافةً لذلك يجب أن يكون البرنامج قائمًا على أسس علمية في المستهدف تحقيقه، ويكون القائم على وضعه متخصصين.
أما ثالث الصفات المطلوب توافرها في المرشح، فقال الدكتور راغب السرجاني: علينا أن ننظر إلى تاريخ الشخصية المرشحة، وهل يتوافق تاريخها مع البرنامج الذي يقدمه أم أنه يقدم لنا مجرَّد كلام يوافق أفكارنا بينما أفكاره هو مخالفة تمامًا.
وقد ضرب فضيلته مثالاً لذلك بما إذا كان المرشح جزءًا من النظام السابق، ثم يخاطبنا في برنامجه بأنه سوف ينشر الحرية والديمقراطية ويحارب الفساد؛ فمثل هذا لا نقبل منه ولا ننتخبه؛ لأن تاريخه مع الفساد والظلم يناقضان ما يدعيه من أنه سيقيم دولة "العدالة والطهارة والشفافية".
وأوضح فضيلته أن علينا أن ننسى فكرة الرئيس الملهم، الذي يُؤخذ رأيه في كل أمر في كل مجال ككل الحكام العرب الذين يروِّج لهم إعلامهم أنهم عباقرة في كل المجالات؛ فهذا كذب وتضليل.. ولكن علينا أن نعرف أن الرئيس الطبيعي ليس متخصِّصًا في كل الأمور، وإنما له رؤية جيدة وواضحة للنقطة التي يقف فيها الوطن الآن، وللوضع الذي يُريد أن ينقلنا إليه.
وأشار فضيلته إلى أن الرئيس القادم ينبغي أن تكون له "كاريزما"؛ ليكون مؤثرًا وقادرًا على جمع الجماهير وإقناعهم، حتى لا تشعر الجماهير بالانقطاع عنه، أو أنه غير قادر على قيادة سفينة الوطن.
والشرط الخامس الذي حدده الدكتور راغب السرجاني للرئيس القادم: أن يملك آليات إدارة جيدة يستطيع بها السيطرة على أجهزة الدولة وتسيير أعمالها بسهولة بما يحقق مصلحة المواطنين، ويستطيع بها استثمار كل موارد الدولة وتوظيفها في صالح المواطن، كما يستطيع بتلك الآليات أن يحل المشكلات المزمنة التي تواجه الوطن كمشكلات النوبة وتعمير سيناء ومعاملة أهلها، ومشكلة سوء التوزيع الجغرافي للسكان، ومشكلة فساد المحليات، ومشكلة مياه نهر النيل مع دول الحوض، كما يستطيع بهذه الآلية أن يتفادى المشكلات قبل وقوعها.
وسادسًا: أشار الدكتور راغب السرجاني إلى أن الرئيس القادم يجب أن يكون محبًّا للشورى، وقابلاً للأخذ برأي الأغلبية والنزول عن رأيه، وأوضح أنه يعلم أن بعض المرشحين لا يتصفون بهذه الصفة، وتغلب عليهم الفردية في اتخاذ القرار.
وسابعًا: يجب أن يكون رحيمًا بالشعب وأوجاعه وآلامه، ولا يقسو عليه لا بالضرائب ولا غيرها، ومتواضعًا يرى نفسه واحدًا منه ولا يتكبر عليه.
وثامنًا: يرى الدكتور راغب وجوب أن يكون الرئيس نزيهًا غير ملوَّث بالفساد من العصر السابق، وإلاَّ فإنه لا يصلح؛ فمن تورط في الفساد سواء حوكِم قضائيًّا أم لم يحاكم حتى الآن، ينبغي أن يبتعد عن هذا السباق للرئاسة؛ فنحن نريد أن ندخل عصر الطهارة والشفافية.
وتاسعًا: يجب أن يكون الرئيس شجاعًا وجريئًا في الحق لا يخشى القوى الخارجية ولا الفاسدين داخليًّا؛ فيقف في المشكلات الجسام بقوة كمشكلة الفتنة الطائفية، ويقيم الحق فيها دون مجاملات أو تحمل للضغوط، وكذلك يقف أمام أعداء الخارج وضغوطهم فلا يرضخ لإسرائيل أو الولايات المتحدة في مطالبها على حساب كرامة ومصالح الشعب.
وعاشرًا: يرى الدكتور راغب السرجاني أن يكون الرئيس "ذكرًا مسلمًا".
وبعد انتهاء كلمة فضيلة الدكتور راغب السرجاني بدأت فقرة الأسئلة من الجمهور، وكانت فقرة طويلة مثيرة؛ حيث توجه الكثيرون بأسئلتهم للدكتور راغب، الذي أجاب عن معظمها تفصيلاً؛ فعن سؤال حول كيف نفاضل بين شخصين لديهما نفس الصفات المطلوبة؟
أجاب فضيلته بأن السياسة هي فنُّ الممكن؛ لذا إذا وجدت أحدهما احتمالاته أقل في الفوز لأسباب أخرى كعدم شعبيته أو لعدم معرفة الناس به أصلاً؛ فعليَّ أن أعطي صوتي لمن احتمالات فوزه أكبر.
وحول سؤال آخر يرى صاحبه أن قرارات المجلس العسكري ضعيفة، وتوحي بأنهم لن يتركوا الحكم. أجاب الدكتور بأن موقف الجيش صعب؛ لذا علينا أن نحدد ما كان يجب على الجيش في كل موقف، ونُقَيِّم ما فعله فيه، وأنا أرى عمومًا أن قرارات المجلس ناجحة جدًّا؛ فهم متورِّطون في إدارة دولة بكل إضراباتها واضطراباتها، وهو مطالب بأخذ القرار رغم أن كل عمله سابقًا متعلق بالجبهة والقوات المسلحة، والخطوات التي فعلها الجيش في الفترة الماضية نجدها كانت شبه مستحلية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي؛ فهناك محاكمات لكبار رموز النظام، وهناك فتح لمعبر رفح، وزيارات لدول حوض النيل كانت منقطعة تمامًا فترة النظام السابق، بل كانت العلاقات عدائية. وقال فضيلته: أنا شخصيًّا لا أتوقع أنَّ لدى الجيش رغبة في الاستمرار، ولكن كثرة المشكلات ربما تغري الجيش بالاستمرار؛ لذا علينا أن نوقف نزيف الأزمات.
وردًّا على سؤال يقول: إذا ترشَّح د. محمد سليم العوّا ود. عبد المنعم أبو الفتوح؛ فأيهما ترشِّح؟
أجاب الدكتور بأنه سيرشح مَنْ يتوقَّع أنه سيفوز؛ وذلك عند إغلاق باب الترشح وفقًا للمؤشرات واستطلاعات الرأي، ولكنني أوجِّه نداءً حارًّا إلى الإسلاميين على اختلاف أطيافهم أن يتفقوا على مرشح واحد؛ حتى لا تتفتت الأصوات ويذهب المنصب للعلمانيين.
وتوجهت إحدى الحاضرات بسؤال هل الذي يصلح للرئاسة حاليًا رئيس مدني أم رئيس عسكري؟
فأجاب الدكتور راغب بأنه طبعًا يجب أن يكون مدنيًّا؛ فالرجل العسكري له مكانه ومهمته، أما شئون الحكم فلا يصلح فيها العسكري الذي عاش حياته في ظل سياسة تنفيذ الأوامر دون تفكير، وإنما يصلح للحكم رجل مدني له قدرة على إدارة الدولة والتواصل مع العالم الخارجي، وله استعداد للشورى والحرية. وقد يكون هناك استثناءات فيكون هناك رجل عسكري محبٌّ للشورى، وله من المرونة والقدرة على إدارة الدولة، ولكننا لا نستطيع في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد أن نخاطر.
وحول سؤال عن: هل اشتراط الإسلام في المرشح يُلغي المواطنة؟
أجاب الدكتور بأن المواطنة محفوظة، وجميع حقوق غير المسلمين مضمونة، ولكن المنطق السائد في العالم كله أن الأقليات الدينية لا تحكم على الأغلبية؛ فالمسلمون في فرنسا حوالي 10% من السكان، فهل يمكنهم أن يحكموا الغالبية الكاثوليكية؟! بل حتى المسيحي الأرثوذكسي المصري لو حصل على الجنسية الفرنسية فلن يستطيع حكم فرنسا ولا إنجلترا وأمريكا؛ لأن دساتير تلك البلاد المكتوبة والشفهية تمنع تولي الرئاسة لأحد من خارج كنيستهم، فضلاً عن خارج دينهم؛ فكيف يُطلَب من 95% من المصريين وهم المسلمون أن يقبلوا بأن يحكمهم فرد من 5% من المسيحيين؟! الحقيقة هذه قضية غير مطروحة أصلاً، والمقصود بإثارتها صرف النظر عن القضايا الحقيقية.
وحول سؤال عن موقف الدكتور راغب السرجاني من ولاية المرأة للرئاسة، أجاب الدكتور بأن الرسول قال: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً"[2]. والحديث عام، ومن يدعي تخصيصه بتلك الحالة عليه أن يأتي بالدليل، بل وفوق ذلك فهناك رواية للحديث تدل على فهم الصحابة له بعمومه؛ فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَيَّامَ الجمل بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً"[3].
فإذا كان الحديث يُطبَّق على السيدة عائشة وهي من أفضل نساء العالمين؛ فكيف بمن دونها؟!
وقال الدكتور راغب السرجاني أيضًا: إن العلماء جميعًا اتفقوا على ولاية الرجل على زوجته في البيت، ولم يختلفوا، وحتى غير المسلمين هذا هو السائد عندهم؛ فإذا سمحنا للمرأة بالرئاسة فستكون فوق زوجها وفوق كل الرجال، وهذا خلاف المنطق.
وعن سؤال حول متى يتحد الإخوان والسلفيون؛ أجاب فضيلته بأن المشكلات غالبًا ما تكون بين التلاميذ والأتباع، أما على مستوى الشيوخ والقيادات فغالبًا ما يسود الحب. فعلى الجميع أن يعلموا أن الاختلاف الذي بينهم هو اختلاف تنوع وتكامل وليس اختلاف تضاد، ومن ثَمَّ فعلى كل مسلم أن يتغاضى عن نقص إخوانه ويعمل على تكميله؛ لأنهم هم أيضًا يكمِّلون نقصه في المجالات التي لا يجيدها.
وفي ختام المحاضرة وجَّه فضيلة الدكتور راغب السرجاني الشكر للحضور ولإدارة المحاضرة، والتفَّ بعدها العديد من الحضور حوله يناقشونه ويستفسرون منه عن كثير من القضايا، وبعد أداء صلاة العشاء انصرف فضيلة الدكتور راغب والحضور.