بقلم سيد صالح
هل يأتى يوم نتفق على منهج واحد ؟؟؟؟
هل سمع أحدكم فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو يحذر من خطورة المد الشيعي، ومحاولاتهم لغزو المجتمع السني، بما لديهم من ثروات، وكوادر مدربة على التبشير بالمنهج الشيعي!
هل رأيتم الدكتور أحمد راسم النفيس زعيم الشيعة في مصر- كما يلقبه البعض - وهو يتبارى على الفضائيات، في شرح المذهب الشيعي، والدفاع المستميت عن الشيعة، ومبادئهم، وأفكارهم، ومعتقداتهم!
هل صادفتم أحداً ذات يوم، في مترو الإنفاق، أو أمام مساجد آل البيت، يدعوكم للتشيع، أو يمنحكم كتيبات صغيرة أو مطويات، تتحدث عن عقائد الشيعة؟
وذات يوم، سأل الدكتور سعد الدين هلالي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، فضيلة الشيخ محمد الغزالي: أليس هناك من سبيل لإنهاء النزاع والخلاف بين السنة والشيعة؟
أجاب الشيخ: لعله من الصعب، مع أن القضايا التي كانت سببا في الخلاف بينهم هي قضايا قديمة تعود لزمن سابق كمقتل الحسين في موقعة كربلاء، فبالإمكان أن نترك الماضي، وننظر للمستقبل عملا بقوله تعالى"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما كانوا يعملون".
وربما يجهل كثير من الناس، معتقدات الشيعة وأفكارهم، وربما لا يعلم الكثيرون، إن هناك جمعية أهلية للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ولجنة لذات الغرض، يتولى رئاستهما الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر سابقاً، وتضم اللجنة نحو 9 أعضاء فيها علماء من الأزهر، ومن خارجه، من بينهم إيراني هو عبد الله القمي، وكان والده أمينا عاما للجنة.
ويتذكر الشيخ عاشور أنه سافر إلى إيران على رأس وفد من الأزهر، وقام بزيارة الحوزات الدينية، موضحاً أن هناك اتفاقا على الأصول بين السنة والشيعة، كشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإقامة الصلاة، وأداء الزكاة، وحج البيت. في حين ينحصر الخلاف في نحو 10% من الفقه، فنحن كسنة لا نؤمن – مثلا - بولاية الفقيه، كما أننا لا نؤمن بأن الإمام الغائب سيعود في آخر الزمان، وأنه سيملأ الأرض عدلاً ، ويأتي الخلاف الثالث حول قضية نكاح المتعة.
وفي الأذان نؤمن بما يقول الشيعة أيضاً، فبعد أشهد أن محمداً رسول الله، يقولون أشهد أن علياً ولي الله، وأنا - والكلام مازال للشيخ عاشور - اشهد بذلك، فالأذان لم ينزل من السماء.
وذات مرة، ألقى الشيخ عاشور خطبة الجمعة في مسجد جامعة طهران، وهو المسجد الذي يضم ساحة واسعة تتسع لنحو 3 ملايين مصل، لكن بعض الناس من الطرفين (سنة وشيعة) يفهمون القضية خطأً، ويحاولون الإساءة لهذا الطرف أو ذاك، وربما يغيب عن الناس، أن الأزهر بدأ شيعياً، وقد بناه الفاطميون لنشر المذهب الشيعي، ثم حوله صلاح الدين الأيوبي من الشيعة إلى السنة، ومنذ يومنا هذا، وحتى الآن، وهو الحارس الأمين على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن المذاهب نشأت بعد الفتنة الكبرى أيام علي ومعاوية، وكان الخلاف بينهما كان سياسياً، وليس دينياً، غير أنه تم إقحام الدين فيه لاستمالة الناس. وقد قلت للإيرانيين إن المصريين جميعاً يحبون آل البيت، ويهيمون بهم حباً.
التقريب بين السنة والشيعة
ويجري مناقشة التقريب بالتركيز على أن وحدة الأمة الإسلامية أهم بكثير من الخلافات السياسية، والدينية، لاسيما أن الخلاف المطروح بين السنة والشيعة لا يؤثر على صحة العقيدة. وقد ناقشنا قضية سب الصحابة، وقلت للإيرانيين: لا ينبغي ذلك، فوجه الرئيس القائد في إيران وقتها بعدم سبهم، كما دعوت لئلا تكون هناك مساجد للسنة، وأخرى للشيعة، فالمساجد لله جميعا.
وحين سألته عما يحدث من ممارسات وسلوكيات خلال احتفالات عاشوراء، التي تسيل فيها الدماء في ذكرى استشهاد الإمام الحسين، يرى الشيخ عاشور، أن هذه السلوكيات تنطوي على قدر كبير من الرعونة الشديدة، وإذا كان الشيعة يجلدون ذاتهم بدعوى تقصيرهم في الدفاع عن الإمام الحسين، فإن ذلك يتنافى مع الإيمان، والتسليم بقضاء الله وقدره، ويرى أن ذلك خروج على الدين.
الشيعة الزيدية
وبشكل عام، ترى الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن هناك مسائل أصولية، ومبادئ أساسية في الشريعة الإسلامية متفق عليها بين أهل السنة، والشيعة المعتدلة (الزيدية) وهم أتباع زيد بن علي في صنعاء، وحين تراجع كتاب الروض النضير تجد أن مذهبهم قريب جداً لمذهب الإمام أبو حنيفة، لاسيما أن مذهب أبو حنيفة نشأ في الكوفة، وهم كانوا موجودين وقتها في العراق.
أما الفروع الفقهية، فالاختلاف فيها له أسبابه، السبب الأول: قد يرجع إلى أن اللفظ القرآني في لغة العرب يطلق على كثير من المعاني، وهو ما يسمى باللفظ المشترك، مثل لفظ النكاح، فهو يطلق على عقد النكاح، وعلى الوطء وهو الدخول بالزوجة، وأيضا لفظ القرء الذي يطلق على الحيض، وكما يطلق على الطهارة منه. والسبب الثاني: هو السنة النبوية من حيث طرق روايتها، فعند الشيعة لا يأخذون إلا بالراوة الذين ينتسبون إلى أهل البيت، فيستدلون بهذه الأحاديث فقط، أما عند أهل السنة فطالما الحديث صحيحا، فهم لا يلتفتون على الراوي بشرط أن يكون هذا الراوي عدلاً منضبطاً سواء كان من أهل البيت أم لا، والاختلاف ظهر في نكاح المتعة، حيث أن الشيعة الإمامية وغيرهم يقولون بجواز نكاح المتعة استدلالاً على ما جاء عند ابن عباس، وهو من أهل البيت، حيث قال: أنه رخصة، وأنه مباح، بينما يناقش القرآن دليلهم في قوله تعالى" فما استمتعتم به فآتوهن أجورهن فريضة"، وهم – أي الشيعة - يقولون إن التعبير بلفظ الاستمتاع، وهو يفيد المتعة، ويقولون أن الآية الكريمة تنص على كلمة الأجر، ولم تقل مهراً، ونكاح المتعة في مقابل أجر، ونحن نرد عليهم بأن المقصود بالاستمتاع هو الدخول التام بالزوجة في الزواج الصحيح المؤبد، وأن التعبير بالأجر عن المهر، فقد ورد في آيات كثيرة أنه يفيد المهر وليس الأجرة لان المرأة مكرمة ولا تستأجر.
أما السبب الثالث للخلاف، فيرجع إلى التعارض الظاهري بين الأدلة، حيث يوجد دليل عام، كما يوجد دليل آخر يخصصه، أو دليل مطلق، ويوجد دليل آخر يقيده، وقد اختلف الفقهاء في منهج الجمع بين الدليلين. وأذكر هنا الاختلاف في نظام الأسرة في الإسلام، ففي مسالة الإشهاد على الطلاق، يقول الشيعة أن الطلاق لا يعتد به شرعاً إلا إذا وقع أمام شهود، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في سورة الطلاق"فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، واشهدوا ذوي عدل منكم، وأقيموا الشهادة لله"، أما جمهور الفقهاء من أهل السنة فقالوا إن أمر الإشهاد هنا للإرشاد والندب (الاستحباب)، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يطلقون من غير شهود، غير أن الشيعة قد استدلوا بظاهر النص القرآني، بينما استدل السنة بفعل الرسول والصحابة، وقد رجحت رأي الشيعة في ذلك، فعندما يحدث اختلاف بين الجانبين فإننا ننظر على المقاصد الشرعية.
أما الشيعة المتطرفين، فهم يكفرون الخلفاء الراشدين، لتعصب هؤلاء الشيعة للإمام على، ولإحساسهم بأحقيته بالخلافة بعد الرسول، خاصة إن الإمام علي وهب حياته لإنقاذ الرسول، فضلاً عن أنه زوج ابنته فاطمة، وهي بضعة من الرسول كما قال، كما أنهم يكفرون السيدة عائشة لأنها خرجت في موقعة الجمل مع عثمان بن عفان رضي الله عنه ضد الإمام علي، وحدث ما حدث من فرقة نعيشها حتى الآن، وقسمت الأمة إلى أحزاب وفرق.
اختلاف عقائدي
والحقيقة، أن الاختلاف بين السنة والشيعة اختلاف عقائدي"ويقول المولى عز وجل" ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم"، وقد جعل الله الاختلاف سنة من سنن الكون، في التفكير، والأجناس، والعقائد. وفي كل الأحوال، فإنني أهيب بمؤسسة الأزهر أن تقيم حوارا علنياً للمناظرة بيننا وبينهم إفهام الناس أن الاختلاف بين السنة والشيعة ليس اختلافا في العقيدة، فهم يؤمنون بالله، ورسوله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء فريضة الحج، وإذا كان بعضهم يكفر الخلفاء الراشدين، فهم فئة قليلة، ولا ينبغي أن نجعلها فرصة للخلاف بيننا وبينهم.
الخلافة بداية الصراع
وبعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استقرت الأوضاع قرابة 20 عاما، بخلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، إلى أن جاء الإمام علي وهدأت الأوضاع بخلافته، ثم حدث صراع على الخلافة بين علي، وبين معاوية بن أبي سفيان الذي كان أميرا في الشام، وكان يرغب في استمرار خلافته بعد عثمان رضي الله عنه، وقبل الإمام علي التحكيم، والذي انتهى بتسويد (سيادة) إمامة معاوية، فحدثت بعدها الخلافات والصراعات التي كونت الفرق والجماعات، فمنهم من خرج على الإمام علي وخطأه، ومنهم من بقي على شيعته، ومنهم من ترك الخوارج والشيعة، وعاش مسالما يتبع القرآن والسنة، ويفوض الأمر إلى الله عز وجل في تلك الفتنة. هكذا قال لي الدكتور سعد الدين هلالي أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر.
والمؤكد - كما يقول الدكتور هلالي - أن أي فتنة يستفيد من ورائها رموز، وقد حرص هؤلاء الرموز على بقاء تلك الفرق، والاتفاق على وجودها وهويتها، فظهرت لكل فرقة سمات تميزها عن الأخرى، ومن هذه الفرق الإمامة، أو الجماعة الإثنى عشرية، وهي فرق الإمامية التي تؤمن بأن الإمامة من نسل علي إلى الإمام الثاني عشر، الذي خرج في قضاء حوائجه، ولم يعد، وهم ينتظرونه حتى الآن، فصار المسلمون بلا إمام حتى يعود هذا الإمام الغائب، وهذا الفكر قبله من قبله، وخالفه الكثيرون إذ كيف يعيش الناس بدون حاكم ظاهر، يرونه ويراهم، لكن بقيت الأفكار في نطاق العقيدة عند الشيعة الإمامية حتى لا تعطي الحق للناس في المناقشة، لان المسألة لو صنفناها عقيدة فهي بذلك لا تدخل في النقاش العقلي، وإنما تدخل مع الإيمان، والتسليم بخلاف المسألة لو كانت فقهية، فالفقه يقبل النقاش العقلي. ومن هنا كانت قضية الإمامة داخلة عند الشيعة في قسم العقيدة، بخلاف الفقه السني الذي يراها من مسائل الفقه الذي يقوم على إعمال الفكر، والعقل، والمناقشة والحوار، والأخذ، والرد. وهذه هي القضية المحورية التي فرقت المسلمين شيعة، وسنة، والعجيب أن الشيعة بفرقهم الكبيرة وهي الإمامية الذين يؤمنون ويعتقدون بغياب الإمام الثاني عشر، ويصلون منفردين بلا إمام، ولا يقيمون الجمع لغياب الإمام، قد بدأوا في الآونة الأخيرة، يصلون الجماعة، ويؤدون صلاة الجمعة، ويخطب فيهم إمام، ويصلي بهم، وإن كان ذلك تحت حيلة نائب الإمام، فصار في الصورة الظاهرة أنهم يصلون الجمعة، وغيرها في جماعة، فاقتربوا من الجانب الفقهي الذي قال به أهل السنة.
عصمة الإمام
غير أن فكرة الإمامة كانت قد تطورت عندهم إلى عصمته، بمعنى أن الإمام لا يخطئ، ولا يناقش، ولا يرد قوله باعتبار العصمة، وهذا بالتأكيد يجعل عامة الناس يسلمون لنائب الإمام بما يقول، ويقيناً فإن هذا الفكر يقسم المسلمين إلى من هو معصوم (يقول ولا يعقب عليه)، وإلى من هم من العامة الذين يسمعون ويطيعون، بخلاف الفقه السني الذي يرى أن الجميع يؤخذ منه ويرد عليه، وأن المنافسة قائمة علميا بين المسلمين، فالحجة تقرع بالحجة، فلا سمع ولا طاعة إلا في المعروف، وهذه أيضا من تبعات قضية الإمامة التي ميزت هوية السنة من الشيعة.
أما سائر الأحكام الفقهية والمتعلقة بالعبادات (كالطهارة، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج)، وتلك المتعلقة بالمعاملات (كالبيع، والإجارة، والشركة، والزواج، والهبة، وغيرها من المعاملات المالية، وكذلك عقد الزواج من الخطبة، وعقد النكاح، والطلاق وما يترتب على ذلك من أحكام صغار، والإبلاء، وحقوق الزوجين، فضلا عن أحكام المطعومات، والمشروبات، والصيد، والذبائح، بالإضافة إلى أحكام تنصيب القضاء، وشروط الشاهد، ونظام التعامل القضائي، وأيضا أحكام القتال مع الأعداء فيما يعرف بباب الجهاد، وما يترتب عليه من أحكام الأسرى والغنائم، وكل هذه الأحكام تعالج فقهيا عند السنة والشيعة بمعيار أصولي متقارب، ومقبول لدى الجميع، يختلفون، ويقبل بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه لإيمانهم بأن الأحكام الفقهية عبارة عن حكم يغلبه الظن، إذ يستنبط المجتهد بآلية بشرية معينة الحكم الذي يراه من وجهة نظره من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وهذه النصوص حمالة، بمعنى أنها تعطي دلالات مختلفة بحسب نظرة الفقيه، فالكل إذن يعتقد اعتقادا جازما بصحة قول الإمام الشافعي (قولي صواب يحتمل الخطأ. وقول غيري خطأ يحتمل الصواب)، من هنا كانت الأحكام الفقهية مقبولة بتعدديتها، والكل يعذر الكل فيما اختلفوا فيه، حتى فيما يتعلق بجمع الصلاة ونكاح المتعة، والمسح على القدمين بدلا من غسلهما في الوضوء.
وفي جميع الصلوات - والكلام مازال للدكتور سعد هلالي - يرى أهل السنة، أن الصلاة كما قال تعالى"إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتاً" أي كل فرض في وقته، ولا يجوز الجمع بين الظهر والعصر، ولا يجوز أيضا الجمع بين المغرب، والعشاء إلا في حالة السفر، أو المطر، على خلاف بين أهل السنة، فالشيعة قالوا بجواز الجمع المطلق بين الظهر والعصر في وقت أحدهما، وبين المغرب و العشاء في وقت أحدهما لتداخل الأوقات في هذه الفرائض. وأهل السنة لا يعيبون هذا القول الفقهي، بل يتقبلونه فقهيا، وإن كانوا لا يعملون به، إلا في النوادر، كأن يحرج الإنسان في اجتماع، أو يحرج الطبيب في عملية جراحية تطول، فيجمع بين الصلاتين لهذا العذر، أو يحرج في المواصلات بسبب زحام المرور، واستدلوا بحديث رواه البخاري عن ابن عباس قال فيه: إن النبي(ص) كان يجمع بين الظهر، والعصر، وبين المغرب، والعشاء، بغير عذر سفر، ولا مطر، فسألوا ابن عباس عن الحكمة في ذلك فقال: أراد صلى الله عليه وسلم، ألا يحرج أمته، فالقضية فقهية، والخلاف فيها مقبول.
أما القضية الثانية، وهي تتعلق بنكاح المتعة، معناها الزواج المؤقت بمدة، حسب اتفاق الطرفين، وهذا الزواج أنكره أهل السنة، ويعتبرونه زنا، استدلالا بالأحاديث الصحيحة التي قالت بأن آخر عهد لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه منع نكاح المتعة بعد أن كان قد أجازه في خيبر، ولان نكاح المتعة يشبه تجارة الجنس الرقيق، وامتهان لكرامة المرأة، وأن الزواج بني على الاستقرار من باب حفظ كرامة الزوجية، وجدية العلاقة الحميمة بالعقد الذي أسماه الله عز وجل ميثاقا غليظا، أما فقهاء الشيعة فلا يرون بأسا من نكاح المتعة، استدلالا بظاهر قوله تعالى"وآتوهن أجورهن"، وبحديث الصحيح الذي يثبت أن النبي أجاز نكاح المتعة في خيبر، في السنة السادسة من الهجرة، لكي يعصم المجاهدين من الخطأ، حيث كان النبي لا يعلم مدة البقاء في حصارهم في خيبر، وبذلك تظهر القضية فقهيا، ولكنها ليست من قضايا العقيدة، ويقبل أهل السنة بهذا الخلاف فقهيا، ولا يعملون به من باب إجلال المرأة، وتعظيم حرمتها.
نأتي إلى الخلاف حول المسح على القدمين في الوضوء، فأصل المسألة في المسح على القدمين أو غسلهما في الوضوء هو قوله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين"، ويمسح الشيعة على أرجلهم، أما أهل السنة فيغسلونها، وهذه أيضا قضية فقهية، الكل يقبل الكل في الخلاف الفقهي فيها، حتى أنه روي عن الإمام مالك قوله إن المسلم مخير بين مسح، أو غسل القدمين.
ومما سبق يتضح أن الخلاف الفقهي بين السنة والشيعة هو مما يثري الفقه، ويظهر سعة الشريعة الإسلامية، ورحمتها بالناس، وأن النزاع بينهما في الفقه ليس نزاعا، وإنما هو منافسة في بيان أوجه رحمة الشريعة بالناس، ويبقى الخلاف الجذري، والذي نتمنى ألا يكون أبدياً وهو الخلاف حول الإمامة، وعصمة من يقوم مقام الإمام، فيما يعرف باسم ولاية الفقيه التي سبق بيانها، فهل يرشد المسلمون في هذا العصر، ويتركون مسألة الإمامة، وأن نتحاكم بالشرع حسب فهم العقل، لنجمع بين الشرع والعقل. وأن يكون رئيسنا هو من نختاره ليقيم فينا العدل، فإن أساء قومناه، وإن عجزنا عن تقويمه عزلناه، دون أن تكون له عصمة ولا قدسية ترفع قدره إلى مكانة الأنبياء، فالكل بشر، ولو تم حل قضية الإمامة لأزلنا ثلثي النزاع بين السنة والشيعة، لان هذه القضية تبعها اتهام كبار الصحابة الذين أخذوا الخلافة بعد النبي دون الإمام علي بالخيانة، فضلا عن اتهام كثير من الصحابة الحافظين للأحاديث بعدم الأمانة، شكا في قدرتهم على حفظ الأحاديث، مثل أبي هريرة الذي روى أكثر من 3 آلاف حديث، برغم قصر مدة إسلامه في عهد الرسول، حيث أشهر إسلامه في السنة السادسة من الهجرة، وكذلك اتهام رموز الإسلام وأئمتهم في كل زمن لعدم موالاتهم للشيعة في قناعاتهم. فإلى متى تظل الشيعة رافضة لقبول الآخر من أهل السنة، وإذا كان أهل السنة يقبلونهم، ويفوضون الأمر الخلافي لله سبحانه وتعالى، أفلا يكون من الإحسان، أن تعامل الشيعة بني عمومتها من أهل السنة بنفس الإحسان؟
الحديث عن التبشير باطل!
في حين يرى المفكر الشيعي الدكتور أحمد هلال أخصائي الأمراض النفسية والعصبية أن ما يطلقه البعض حول ما يسمى بالمد الشيعي، أو عمليات التبشير فهي باطلة، لان الفكر سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي هو ملك للجميع، ومن أراد أن يقرأ فليقرأ، أما الذين يحظرون الفكر، ويصادرونه فهم أصحاب فكر ضعيف، ويخافون من الآخر، وهم يعتمدون على نظرية كراهية الآخر، وعدم قبوله، وهذه بدأت بإبليس الذي رفض أن يسجد لآدم بحجة انه خلق من مادة أحسن من الطين، مرورا بقصة قابيل وهابيل، وأخوة يوسف الذين قالوا "اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين"، ثم سارت الأمور هكذا، ففي التاريخ الإسلامي كان العرب يتعالون على العجم ويسمونهم بالموالي مع العلم بأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. وكلما ساد الجهل والتعصب بين الجانبين، فسيكون هناك غلاة عند السنة، وغلاة عند الشيعة، والحقيقة أن الفقه الإسلامي عند الجانبين هو ملك لكل المسلمين، وقد سبق أن قال الإيرانيون أنهم كانوا ينتظرون الفتوى من الأزهر الشريف إبان الثورة المصرية.
وفي رأيي أنه لا يجب التفريق بين مسلم، ومسلم، كما أن كل من يلعبون على وتر السنة، والشيعة، والتفريق بينهما، من الجانبين هم مغالون، ومستفيدون بصورة أو بأخرى، وبشكل عام أنا ضد الأحزاب الدينية.
الانتماء القومي للشيعة
والتشيع في العالم العربي – كما يقول الدكتور عمار علي حسن الباحث في علم الاجتماع السياسي - سابق على التشيع في إيران، ومختلف عنه في كثير من التصورات والتصرفات. فالتشيع لعلي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، في جزيرة العرب بدأ قبل دخول الفرس الإسلام. وفي هذا الوقت كانت إيران مجوسية. فلما فتح المسلمون العراق وفارس، مالت قبائل عربية هناك إلى اعتناق التشيع، بينما ظلت الغالبية الكاسحة من الإيرانيين تعتنق المذهب السني، باستثناء قم، إلى أن تم تحويلهم قسرا سنة 1500م حين أُعلن التشيع مذهبا رسميا للدولة الصفوية، بل إن الشيعة لم يصبحوا أكثرية في العراق إلا في القرن التاسع عشر، حين استقرت معظم القبائل البدوية على أرض الرافدين، وتشيعت.
ويجب الأخذ في الاعتبار أن هناك مساحة شاسعة بين «التعاطف»
و«الولاء»، وإذا كان الشيعة العرب يتعاطفون مع إيران، فإن هذا التعاطف امتد إلى السنة العرب أيضا في لحظات تاريخية محددة، مثل التي أعقبت قيام ثورة الخميني، التي بدت ملهمة للجماعات الإسلامية برمتها، ومثل فترات المواجهة بين إيران والغرب، حيث يرى العرب السنة في النهاية أن إيران أقرب إليهم من أمريكا وإسرائيل، وأن هناك قواسم مشتركة بينها وبين العرب، خصوصاً في مقاومة المشروع الاستيطاني الصهيوني، والتصدي للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
ولا يجب – كما يقول الدكتور عمار علي حسن - أن تعمي الاختلافات المذهبية أبصارنا عما عداها. ومن الفطنة أن نُخضع ما يخص الدين للحوار، على أساس مبدأ «نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضناً بعضاً في ما اختلفنا فيه»، ونخضع ما يتعلق بالسياسة للمصلحة العليا، فنعزز الوشائج التي تزيد من مناعة العرب، ليقاوموا مشروعات خارجية، يتأسس جانب منها على بث الفرقة بينهم، على خلفيات المذهب، والدين، والعرق، مثلما يجري الآن، في خدمة جليلة للأمريكيين الذين رفعوا شعار «الفوضى الخلاقة» ذاهبين إلى خيار مفتوح لإحياء النعرات الطائفية، والمذهبية في بلادنا