في الحقيقة دفعني لفتح هذا الموضوع ما أراه من اختلاف من بعض الزملاء حول المرشحين ومن يستحق ومن لا يستحق وكل واحد بالقطع يتكلم من وجهة نظره هو وبمعطياته هو دون وجود برامج واضحة المعالم حتى الآن من السادة المرشحين
وأسأل سؤالا لنفسي ولإخواني ليس من باب التشاؤم أو من باب إجهاض الأمل أو من باب العجز وإنما بشكل واقعي بمعطيات الأيام التي نعيشها والتي تربينا فيها وبمعطياتها وهذا السؤال هو عنوان الموضوع :
هل ننتظر رئيسا (( يرضينا )) من أول مرة ؟!
فهل يمكن أن نحظى في هذه الفترة ومن المعروض علينا من السادة المرشحين برئيس مثالي نتفق عليه ويرضي طموحنا جميعا ويقوم بحل مشاكل الوطن وتحسين علاقاته الداخلية والخارجية وبداية نهضة فعلية للبلاد في أربع أو ثمان سنوات قبل أن يتركنا ويصبح أول رئيس سابق لم يتم اغتياله أو خلعه رغما عنه ؟
إن معطيات العصر الذي نعيشه تقول أن هناك تيارات مختلفة سوف تفرز لنا بالتأكيد مجموعة من المرشحين يعبرون عن هذه التيارات ومنها
- التيار الليبرالي والذي يأتي تحته أبرز المرشحين فهم رغم اتفاق الفكر العام والإطار الاقتصادي إلا أنهم يختلفون فقط في آلية التنفيذ والنشأة السياسية فمنهم من نشأ في أحضان النظام السابق وضمن مؤسساته ولا تعليق لنا هنا على أدائه فقد كان يعمل ضمن منظومة كاملة وينفذ سياسات عامة ضمن برنامج عام للدولة وقتها ومنهم من نشأ في صفوف المعارضة المعلنة والرسمية ورضي بالضعف والتواجد بشكل كرتوني في الصورة ومنهم من عارض وخرج عن الإطار العام للمعارضة رافضا الدور الكرتوني رغم غياب الدور الفعال في الشارع المصري ومنهم غير ذلك وهؤلاء يتفقون في الليبرالية في التفكير ورأسمالية الاقتصاد
- التيار الاشتراكي والذي مازال يعيش بين ظلال الماضي القريب رغم اقتراب ضوء الاشتراكية من الغياب في العالم كله إلا أنه يعتمد على القاعدة الشعبية والتي تريد الأخذ دون النظر إلى العطاء ورغم احترامنا للاشتراكية كنظام (( قد يحقق العدالة الاجتماعية )) إلا أنه يتطلب أنبياء أو ملائكة يقومون بولاية الأمر حتى يحققوا بالفعل عدالة اجتماعية جيدة
- التيارات الأخرى هي التيار الإسلامي في أقصى اليمين والذي يعتمد على فكرة الخلافة ورغم احترامنا وإجلالنا للفكر الإسلامي وقواعده وقوانينه التي فيها الحلول لكل شئ غير أن طريقة التفكير لدي الإسلاميين السياسيين هي التي لا تترجم لنا فهما واضحا للتنفيذ كذلك ليس من السهل على المواطن أن ينظر إلى الشيخ على أنه الحاكم ولست أدري إلى أي مدى سوف يتقدم المرشحون الإسلاميين في المعركة الرئاسية
- التيار اليساري العلماني والذي يريد دولة مدنية صرفة بعيدا عن أي ارتباط بالدين أو كما يقولون دولة أوروبية وهم على النقيض تماما من المرشحين الإسلاميين وهؤلاء أيضا رغم أن معظمهم من أهل الدستور والفكر السياسي كما يقولون إلا أن صورة الحرية والمدنية التي يتكلمون عنها لاتصل إلى العامة بالشكل الذي يحافظ على أخلاقيات المجتمع وأسسه وقيمه
- يأتي بعد ذلك وربما متقدما المؤسسة العسكرية والتي سيترشح بالتأكيد عنها أحد المرشحين حتى ولو كان خارج الخدمة وهنا سيكون الفكر مزيج بين الفكر الليبرالي والاشتراكي والإسلامي والمدني ولا يمكن تحديد الصورة إلا بعد التعرف على المرشح وبرنامجه الانتخابي
ومع كل هذه التناقضات العجيبة أكرر السؤال الذي سألته :
هل ننتظر رئيسا (( يرضينا )) من أول مرة ؟!
وفي الحقيقة الإجابة داخلي هي (( لا )) حيث أننا في المرة الأولى وربما الثانية سنجهز للمرات القادمة وبالتأكيد فإن ما سننجح فيه هو إرساء قواعد النظام والاختيار لنتركه إرثا نافعا لأبنائنا ليصل منهم فعلا إلى الرئاسة من يحقق المعادلة الصعبة
إننا إن نجحنا في بناء مؤسسة رئاسية لإعداد رئيس المستقبل في كل الأحزاب وتدير معه البلاد فهذا هو النجاح الذي نريده ونطمع فيه
إننا إن نجحا في أن يكون لكل حزب من يرسم وجه المستقبل فيه وبرنامجه الرئاسي والحزبي والتشريعي فهذا هو النجاح بحق
ومتى انتهت ولاية الرئيس تستمر البرامج العامة والخطوط الواضحة ويأتي الرئيس الجديد مكملا ما بدأه السابق ومضيفا ما اختاره الناخبون على اساسه من برنامج انتخابي
بالتالي فلابد أن يكون هناك خطوط عامة للبلاد تتمثل في السياسات الخارجية والأمن العام والمؤسسة العسكرية وما يماثلها وتكون هناك متغيرات أخرى تتغير بتغير الأنظمة وهي ما يتضمنها البرنامج الانتخابي
فلا يمكن مثلا أن يتم وضع برامج التسليح والمعاهدات الدولية ضمن أجندة انتخابية فهذه مسائل أمن قومي
أما الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها فهذه هي ما تخضع للمتغيرات ولتغير الأشخاص فلا يمكن أن نضع أنفسنا مثلا تحت تصرف علاقة شخصية لقائد قد تقوم بسببها حروبا أو تنتهي معها علاقات دولية
فسياسات الأمن القومي لا تتغير إنما سياسات المواطنة وسياسات الإصلاح وسياسات التمويل والعدالة الاجتماعية والحريات وغيرها هي الخاضعة للتغيير
كل هذا يدفعني إلى عدم الذهاب بالأحلام كثيرا في أن القادم سيصلح كل شئ فالتركة بحق ثقيلة والمسئولية جسيمة وفي كل المجالات وكان الله في عونه فالفساد ضرب كل شئ حتى أزكم الأنوف بعد أن تجاوز الأعناق حتى كدنا نغرق
لقد كانت الثورة بمثابة طوق النجاة الذي ألقي لنا لنمسك به في اللحظات الأخيرة قبل أن نلفظ النفس الأخير
_________________
أبـوروان