أبشــع الكذب.

أبشــع الكذب..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


في سنن أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال :

" من تقوّل علي ما لم أقله فليتبوأ مقعده في النار

ومن استشاره أخوه المسلم في أمر فأشار عليه بغير الرشد الذي يعلمه

فقد خانه .. ومن أفتى بفتوى غير تثبت فإثمه على من أفتاه "

وأشدّ أنواع الكذب بشاعة ، وأشدها خطورة :

هو أن تكذب على الله !!!

هو أن تقول على الله ما لا تعلم ، أو تقول على الله بخلاف ما تعلم ..

أن تنطلق من جهل في حديثك عن الله عز وجل !!

أن تحلل ، وأن تحرِّم ، وأن تقول : الله كذا ، والله كذا ، وهكذا سيفعل

وهكذا سيعفو !!!

وهذا من أخطر أنواع الكذب ، لماذا ؟ لأنه لعب بدين الله ..

الإفتاء بخلاف الحق كبيرة من كبائر الذنوب .. جريمة نكراء ..

قال جل وعلا :

{ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام

لتفتروا على الله الكذب }

في سورة الأعراف آية رُتبت فيها أنواع المعاصي ، وأنواع المعاصي

كما نعلم :

الفحشاء ، والمنكر ، والإثم ، والعدوان ، والشرك ، والنفاق

والفجور ، والكفر ، والإلحاد ..

هل تصدقون أن الله عز وجل بعد أن رتب هذه المعاصي ترتيبا

وفق خطورتها ، جعل أبشع أنواع هذه المعاصي في آخر الآية

قال تعالى :

{ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق

وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون }

لأنك إذا قلت على الله مالا تعلم ضللت الناس وأوردتهم موارد الهلكة

وأغريتهم بشيء حرام أو أبعدتهم عن شيء حلال

ما قولكم أن النبي عليه الصلاة و السلام سيد الخلق وحبيب الحق

سيد ولد آدم ، سيد الأنبياء والمرسلين ، هو الإنسان الذي تربّع على قمة

الإنسانية ، هو الذي أقسم الرب بعمره الثمين .. قال تعالى :

{ لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون }

هو الذي أثنى الله عليه فقال :

{ وإنك لعلى خلق عظيم }

ومع ذلك قال تعالى :

{ ولو تقول علينا بعض الأقاويل ، لأخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه الوتين

فما منكم من أحد عنه حاجزين }

فإن كنت تعلم فتكلم ، وإن كنت لا تعلم فاسأل من يعلم ، قال تعالى :

{ فاسأل به خبيرا }

كن وقّـافا عند كتاب الله .. تحدث في حدود معلوماتك

إياك أن تحرِّم من دون دليل

إياك أن تحلل من دون دليل

إياك أن توزِّع ألقاب الكفر والإيمان من دون دليل

فهذا ليس هذا من شأنك ، هذا من شأن الله عز وجل ..

ولا يقل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكذب على الله ..

كيف يكذب الإنسان على رسول الله ؟

حينما يروي حديثا موضوعا وضعه الكذابون ، وضعه الزنادقةُ

وضعه أهل الأهواء في الدين ، حينما يروي حديثا موضوعا ويعلم أنه موضوع

ولا ينبه الناس على أنه موضوع ، فهذا كذب على رسول الله

فعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( بلّغوا عني ولو آية .. وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج

ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )

[ رواه البخاري ]

أحد المشتغلين في حقل الدين ، في بلد إسلامي .. أصدر بعض الفتاوي

لمصلحة تراءت له ، فلما حضرته الوفاة ودخل في غمرات الموت رفع يديه

وأشهد من حضر وقد روى هذه القصة أحد الذين حضروا وفاته

رفع يديه إلى السماء وقال :

أشهدكم أنني بريء من الفتاوى التي أصدرتها في كذا وكذا وكذا !!!

أيها الإخـوة : كم من فتاوى زلّت بها أقدام وضلّت بها أفهام !!

يُفتي من لا بصيرة عنده .. ومن لا علم عنده .. ومن لا يوازن بين الأمور

فيفتي فتاوى لا يدرك ضررها ولا يتصور أخطاءها ولا ما يترتب على

من سمِعها من تصرفات خاطئة وتأويلات ضالة !!!

كم بسبب هذه الفتيا المخطئة سُفكت دماء .. ودُمرت بها أموال

ورُوِّع بها آمنون .. كم سببت تلك الفتاوى المبنية على غير هدى

التي اتبع أربابها فيها الهوى ولم يقارنوا بين المصالح والمفاسد

ولم يدركوا مقاصد الشريعة فيما يقولون ..

روى الإمام أحمد في كتاب الزهد هذه القصة :

عن خالد بن ثابت الربعي قال : كان في بني إسرائيل رجل شاب ..

قد قرأ الكتاب وعلمه علما .. وكان مغمورا فيهم ..

وأنه طلب بعلمه وقراءته الشرف والمال .. وأنه ابتدع بدعا

أدرك الشرف والمال في الدنيا ..

وبينما هو نائم ليلة على فراشه إذ تفكر في نفسه فقال :

هب هؤلاء الناس لا يعلمون ما ابتدعت .. أليس الله عز وجل

قد علم ما ابتدعت .. وقد اقترب الأجل فلو أني تبت ..

قال فبلغ في اجتهاده في التوبة أن عمد فخرق ترقوته وجعل فيها سلسلة

ثم أوثقها إلى سارية من سواري المسجد وقال :

لا أبرح مكاني هذا حتى يُنزل الله فيّ توبة أو أموت موت الدنيا ..

فأوحى الله عز وجل في شأنه إلى نبي من أنبيائهم :

أنك لو كنت أصبت ذنبا بيني وبينك لتبت عليك بالغا ما بلغ .. ولكن ..

كيف من أضللت من عبادي فماتوا فأدخلتهم جهنم !! فلا أتوب عليك ..

اللهم إنا نعوذ بك أن نفتري عليك أو على رسولك أو على عامة المسلمين

الكذب بقصد أو بدون قصد ..