لم يكن كل دارس للكيمياء رسّاماً
ولم يمضي وقتا طويلاً حتى أخترعت طريقة جديدة
ابتدعها رجل في الكيمياء عالم ،ناجح مشهور ، ظل لسنوات
لا ترد له كلمة بين الكيميائيين وهو في معمله أوتوراقراطي عظيم
ذلك هو برزيليوس الذي بدأ رحلته العلمية بجامعة
أُبسالا Upsala بالسويد يحضر
لدرجة الطب ..حتى بلغنا من تاريخ الكيمياء
انه الرجل السويدي الذي قام بمحو الصور من كتب الكيمياء
كتب لنا يقول:
اعتدت حياة الشقاء منذو بداياتي ، عشت يتيما وعملت في حقل لزوج أمي الذي أسكنني حجرة كان يختزن بها محصوله من البطاطس فقد كان ذلك الرجل الحريص المقتر يحافظ على لبطاطس من الصقيع فيحرص على تدفئتها حتى لا تتجمد لينالني حظاً من تلك التدفئة ..
كان أجري عن تلك السنوات التي قضيتها في العمل لا يتعدى جورباً من الصوف ومن المال ما يعادل أربعة دولارات .. رحلت بعد ذلك إلى بلدة لنكوبنج لأدخل المدرسة الثانوية فقد حلمت بإن أكون قسيسا ولم لا ؟ فقد كان والدي قسيساً ومن قبله جدي كان كذلك ، ولكن الله لم يقدر لي ذلك .. دخلت المدرسة فوجدت نفسي أهتم بدراسة الطبيعة من زهور وحشرات وطيور اشتريت بندقية وكلما سمحت لي قواعد المدرسة خرجت لأصطاد عدداً من الطيور فمن حبي للصيد كدت أن أقع في فجيعة حيث كنت لابد أن أعطي دروساً خاصة لتحصيل ما يكفيني لإكمال نفقات العيش والمدرسة فخرجت بالتلميذين إلى الصيد وكدت أن أقتل احدهما ببندقيتي فشكتني الأم على مدير المدرسة فمنعني من الصيد ولكني كنت أكره جبر السلطان بمقدار ما أحب الصيد ، وعدت إلى إطلاق البندقية مرة أخرى فكادت أن تسبب في طردي من المدرسة ، دخلت بعد ذلك الجامعة وظهر فيها ميلي الشديد إلى الكيمياء التجريبية فاشتريت كتاب مبادئ أولية في الكيمياء الفلوجستونية وذهبت بعدها إلى أستاذي أن بإذن لي بالعمل في المعمل مرة واحدة في الأسبوع ولكنه أراد أن يمتحنني فطلب مني أن أقرأ كتابا ضخماً في الصيدلة ( كان قرأته صعباً على أي طالب ) الإ أنني خضت في هذا الكتاب ما بين تحضير وتجهيز وترسيب وتبخير وبين ما فهمت وما لم افهم وعدت إلى أستاذي اسأله مرة أخرى الإذن في الدخول للمعمل لكنه قابلني بالضحك قائلاً هل تعرف الفرق بين المعمل والمطبخ ؟ رفض الأستاذ طلبي وعدت مخذولا ..!!
وكما قيل ( ليت الأستاذ علم أن بريزيليوس قد قدر له أن يعمل في الكيمياء عملاً مذكوراً )
ولكني أيضا لم أعجز أمام السلطان الجامعي فذهبت إلى حارس البناء ورجوته بل ورشوته من أجل أن أدخل في الخفاء إلى المعمل لأجري بعض التجارب وكنت أدخل المعمل من الباب الخلفي وقضيت أياما أعمل في الخفاء إلى أن جاء الأستاذ ووقف في الظلام ينظر إليّ حين كنت أمسك الأجهزة والأدوات بحذر ودقة شديدين فصرخ الأستاذ ووبخني لخرقي لقوانين الجامعة حتى ظننت أني سأكون مفصولاً من الجامعة فقال لي أنك من الآن فصاعداً لن تدخل المعمل الإ من بابه الأمامي لا الخلفي و تستطيع أن تدخل وأنا أنظر إليك ، إلا أنني لم أحصل على الحرية الكافية لأقوم بعمل التجارب فاستأجرت حجرة طالب انفتحت على حجرة آخري لا نافذة بها وفيها موقد للنار ، قضيت في هذه الحجرة ساعات من أمتع ساعات عمري وأكثرها انتعاشا فقد كنت ذات يوم أحضر حامض النيتريك الداخن ولاحظت إن غازاً يخرج وجمعته في زجاجة فوق الماء لأتحقق ما هو وحسبته أوكسجينا وقلما أحسست بفرح في حياتي كإحساسي تلك الساعة التي أدخلت إلى الغاز ثقابا بها بصيص من نار فإذا بالثقاب تتفجر اشتعالاً يضيء ظلام المعمل أيما إضاءة وبعد عدة تجارب مضنية كتبت رسالة في هذا الغاز الجديد الذي أسميته بإكسيد النيتروز وقدمت الرسالة لأستاذي الذي أرسلها إلى كلية الطب ثم إلى أكاديمية العلوم ويالغضب لقد جاءت الرسالة مرفوضة ليس لأنها غير جديرة بمجهود مجرب ماهر بل لأنها لأسماء جديدة غير معروفة ولكني رغم ذلك استمررت في العمل والتجربة ..
..
في ذلك الوقت كان هناك استاذ الفيزياء فولتا الذي اخترع عمود فولتا في الكهرباء وبعد عدة تجارب وإبحاث أجراها العلماء على عمود فولت حيث وجد أنه يحلل الماء إلى غازي الهيدروجين والأكسجين فيصعد أحدهما عند طرف والآخر عند الطرف الآخر ، فظهرت في رأسي فكرة أثارت خيالي فقلت لنفسي هذه أداة جبارة وضعت في يدي وبدأت اعمل في الكهرباء الفولتيه وكانت رسالتي لدرجة الطب في فعل الكهرباء في الاجسام العضوية وفي السنة الثانية نشر بحثاً باشتراك صديقي هيسنجر في انشقاق المركبات بفعل عمود فولتا وفيه اعلنا أن العناصر المعدنيه تذهب دائما إلى القطب السالب بينما العناصر غير المعدنية تذهب للقطب الموجب للمكنه الكهربائية .
أكملت دراستي بعد ذلك وأصبحت استاذ الكيمياء والطب والحياه في جامعة استوكهلم ثم اتجهت بعد ذلك إلى صنع ما جعل طريق الكيمياء أسهل للدارسين وأحللت الأسماء المختصرة كما يعرفها اليوم حيث كنت مقتنع بأنه أسهل على المرء ان يكتب كلمة مختصرة من أن يرسم رسماً قليل الصلة بمعاني الكلمات التي يرمز لها فهذا أساس ما اعتزمته من تغير وخططت له وقد كلفتني الحكومة بتأليف دستور سويدي للأدوية فكان لابد من استبدال العلامات بحروف لتسهيل الكتابة وتجنب الخلط الذي يصيب الكتاب المطبوع من هذه العلامات وعلى هذا اتخذت رمزا للعنصر أول حرف في أسمه اللاتيني .
وذهبت إلى أبعد من ذلك من أجل تبسيط هذا العلم وربط بين هذه الرموز لأكون جزء من مركب فكتبت اكسيد النحاس CuO وكبرتبيد الزنك ZnS وبدأت التعبير عن عدد ذرات الأكسجين بنقط وعدد ذرات الكبريت بواوات أرسمها فوق رمز الذره وأدخلت الأس الجبري للدلالة على عدد الذرات التي بالمركب ثم بعد ذلك انزله عالمان ألمانيان من فوق إلى تحت وعلى هذا صار صيغة ثاني أكسيد الكربون وبه ذرتا اكسجين وذرة كربون وهكذا CO2 وبدأ العلماء يستخدمون هذه الرموز الجديدة بدل من الهيلوغرويفيه القديمة ( أي لغة البحاث عن الذهب وحجر الفلاسفة والأكسير ) فكانت هذه الطريقة التي ابتدعتها سهلة بسيطة وكم من فرق كان بين الطريقتين ؟
وصمدت هذه الطريقة لا في الرموز والصيغ القديمة بل شملت حتى الجديدة أيضا . وكتبت لنفسي كتابا في الكيمياء وبذلك قدمت عملاً جليلاً للكيمياء !
ثم بحثت في الأوزان الذرية فقد كانت الأوزان الذرية التي عينها دالتون غير صحيحة فأدركت بإن الكيميائي لابد أن تكون لديه أوزان نسبية صحيحة ودقيقة للذرات وبذلك تحولت الكيمياء من علم تأسس على التخمين وشتى الظنون إلى علم يقوم على النسب والكميات الدقيقة .
وفرضت على نفسي تعيين الأوزان النسبية لكل العناصر التي كانت معروفة في زماني كما أردت تعزيز نظرية دالتون الذرية بتحليل كل مركب كيميائي أقع عليه ..
نهاية الرحلة
ثم عاد برزيليوس إلى استوكهلم يعمل في معمله من جديد ويخرج في رحلات حتى ساءت صحته وضعف فلم يستطيع حمل أجهزته وكان بريزيليوس عندئذ أشهر كيموي في الدنيا دعاه الناس من كل صوب ليشغل مناصب للشرف كثيرة وانطلق وباء الكوليرا في استوكهلم وفيه نجد بريزيليوس رئيس لجنة تقوم على تنظيم دفن الموتى ويصبح الصباح فنجده في الساعة الخامسة عند القبور وأصابه البرد ذات صباح فاشتد عليه وأضعفه وأسأمه فلم تبقى عنده رغبة في حياة كان شيخا وكان مريضا وكان وحيدا تكاد تقتله الوحدة .
وبلغ برزيليوس السادسة والخمسين وكان ذا شخصية جذابة وذا أدب جم وعينه الملك عضوا في المجلس الأعلى للبرلمان السويدي واستمر بريزيليوس يعمل في معمله ويخرج بالنتائج الخطيرة رغم قرب اختتام حياته .
وبقي الكيميائيين يحصدون حصادا طيباً
من المائتين والخمسين بحثا تلك التي خلفها لهم
من بعده وقد شملت كل فن من
فنون الكيمياء
..[center]