التداوي بالبلاستيك
جامعة كليمسون- امريكا
أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم في إستوكهولم في العاشر من أكتوبر الماضي أن الأمريكي "ألان هيجر" والنيوزيلندي "ألان ماكديارميد" والياباني "هيديكي شيراكاوا" فازوا بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2000 واقتسم ثلاثتهم قيمة الجائزة التي تبلغ نحو مليون دولار لتطويرهم نوعًا من اللدائن المتبلمرة الموصلة للكهرباء، فما أهمية هذا الاكتشاف؟
تبرز أهمية هذا الاكتشاف بداية في تغيير المألوف؛ حيث يعرف البلاستيك أساسًا بأنه غير موصل للكهرباء؛ ولذلك جرت العادة في استخدامه كعازل للأدوات والأجهزة والآلات الموصلة للكهرباء. لكن "هيجر" و "ماكديارميد" و "شيراكاوا" طوروا في أواخر السبعينيات بوليمرات موصلة للكهرباء؛ لتصبح مجال بحث مهم لخبراء الكيمياء والفيزياء.
و"شيراكاوا" هو أول ياباني يفوز بجائزة نوبل منذ عام 1987، وكان يبحث في مجال البوليمرات في أوائل السبعينيات، في حين كان "ماكديارميد" النيوزيلندي المولد الذي حصل على الجنسية الامريكية و"هيجر" يعملان في المجال نفسه، ثم تعاون الثلاثة معًا في أبحاثهم؛ ولهذا الاكتشاف استخدامات عملية مهمة؛ إذ إن البلاستيك الموصل للكهرباء يمكن استخدامه في أفلام التصوير وفي عوازل شاشات الكمبيوتر وفي تصنيع الخلايا الشمسية والتليفونات الخلوية وشاشات التلفزيونات الصغيرة.
البلاستيك المضيء
كما اكتشف العلماء مادة بلاستيكية جديدة مصنوعة من مركبات كيماوية "بي. بي. في" تسمى البوليمرات المضيئة، التي تعطي إشعاعات واضحة للعيان عند مرور تيار كهربائي فيها، ويمكن تحويل مادة البوليمر إلى طبقات خفيفة جدًّا مما يجعلها ذات استخدامات متعددة، مثل: صناعة شاشات التلفزيون أو الكومبيوتر، ويمكن طيها وحملها في حقيبة يدوية، أو في صناعة هواتف نقّالة رخيصة الثمن، وعند شحن الملابس المصنوعة من هذه المادة بالطاقة الكهربائية عن طريق نضيدة تتحول إلى ما يشبه شاشة عرض سينمائية.
وقد اكتشفت مادة البوليمر هذه لأول مرة قبل 10 سنوات من قبل ثلاثة علماء في جامعة كمبريدج، الذين سرعان ما سجّلوا براءة اختراعهم عندما رأوا الإمكانيات الهائلة لاستخدامات هذه المادة البلاستيكية. وأسس العلماء شركة تطوير وبحوث أطلقوا عليها اسم تكنولوجيا كمبريدج للعروض بدعم مالي من فرقة "جنيسيس"، وهي إحدى فرق موسيقى البوب الإنجليزية.
وطوّر العلماء أيضًا مرآة عجيبة مصنوعة من طبقات رقيقة من المادة البلاستيكية الجديدة، يقولون: إنها من أكثر المرايا إضاءة وانعكاسًا، ويعتقد العلماء أن للمرايا الجديدة قابلية عكس موجات ضوئية مكبرة جدًّا تصل إلى 99 بالمائة من الضوء الذي يرتطم بها. كما يعتقد العلماء في شركة "إم ثري" في ولاية مينوسوتا الأمريكية أن المادة الجديدة، التي تدخل في صناعة المرايا هذه ستحسن من أداء العديد من الأجهزة مثل شاشات الكومبيوتر، وتطور أنواعًا جديدة من مواد التجميل والزينة.
المضاد الحيوي البلاستيكي
سرعان ما تطورت الأبحاث العلمية التكاملية، وتلاحقت لتشمل فيما تشمل ثورة علمية جديدة تعتمد على نظرية العلماء الحاصلين على جائزة نوبل في الكيمياء لهذا العام؛ لتنتج أنواعًا جديدة من البوليمرات تطرد الجراثيم وتحارب السرطان وتصلح الأعصاب التالفة. وبرغم تميز الموضوع بطابع من الغرابة والإثارة، فإنه يحمل آمالاً علاجية للكثير من البشر، ومن الممكن أن يحدث ثورة تكنولوجية غير مسبوقة في باكورة الألفية الثالثة.
وتمثل هذا السبق العلمي في عدة أبحاث هامة، نوقشت في الاجتماع السّنويّ الذي عقد مؤخرًا للجمعية الكيميائيّة الأمريكية، تتحدث عن استخدام جديد للبلاستيك في مجال الدواء. وأظهرت بعض الأبحاث المقدمة في المؤتمر الذي حضره حوالي 20.000 عالم، وصفًا لمجموعة من البوليمرات الجديدة المبتكرة، من الممكن أن تساعد في علاج سرطان المبيض وفي الشفاء من الإصابات، وتجدّد الأعصاب التالفة.
على سبيل المثال، البحث المقدم من "شارلز كاراهر" و"ديبورا سيجمان" من جامعة فلوريدا أتلانتيك يعرض لكشف حديث عن معالجة سرطان المبيض بنوع معين من البلاستيك. والبلاستيك المستخدم عبارة عن نوع من البوليمر يحتوي على دواء مضاد للبكتريا (Cephalexin) ومعدن القصدير. وأظهر هذا الخليط فاعلية شديدة ضدّ بعض الخطوط الخلوية المنماة في الأنابيب والمستأصلة من جسد اثنتين من المرضى بسّرطان المبيض، بعد أن فشلت جميع محاولات العلاج الإشعاعي والكيميائي في القضاء على هذه الخلايا.
وبالرغم من صعوبة الوصول لتفسير علمي واضح لهذه الظاهرة، فإن النتائج الأولية كانت مبهرة للغاية فقد ثبط البوليمر المستخدم نموّ كلا الخطّين الخلويين. في الأول كانت نسبة تثبيط الانقسام الخلوي حوالي 97 في المائة وفي الآخر حوالي 80 في المائة، وأظهرت التجارب أن تضمين المعدن مع البوليمر يبدو حاسمًا للغاية، والآن يتم اختبار أنواع أخرى من المعادن مع البوليمر مثلا الزّرنيخ و البزموت. وفي مستهل تعليق "كاراهر" على البحث المقدم منه قال:" إن هذا العلاج لا يشكل معجزة علاجية مطلقة، ولكنّ إكسير البوليمر-سيفالين (polymer-cephalexin) هذا قد يكون مرشّحا جيدا كدواء للسرطان".
وأبرز بحث آخر قدم في المؤتمر، بعض الآثار العلاجية لنوع آخر من البلاستيك، وقام بهذا العمل فريق من مختبر "كريستيني شمدت" في جامعة تكساس. قام هذا الفريق بتطوير بوليمرات جيدة التوصيل للكهرباء، وبخلط بعض هذه البوليمرات مع جزيء سكّر – نوع من السكر الطبيعي الموجود في الأوعية الدّمويّة ومعظم أنسجة الجسم- يستحث النمو الجديد للأعصاب الطرفيّة التالفة.
ولم تتأكد فرضية شمدت العلاجية حتى الآن، ولكن الاختبارات الإكلينيكية قد بدأت على الفور، وإذا نجحت هذه الأبحاث في تحقيق أهدافها فمن الممكن أن تشكل حدثًا إكلينيكيا هامًّا؛ حيث إن الأسلوب الوحيد المعمول به حاليًّا لإصلاح الأعصاب التالفة يتم عن طريق نقل الأعصاب السليمة من مكانٍ آخر في الجسم.
ويعمل علاج "شمدت" كما يلي: تصنع فجوات على هيئة قناطر في العصب التالف عن طريق استخدام أنابيب جوفاء صنعت من بوليمر البلاستيك المضاف إليه السّكّر. ويتكسر السكر في المكان المناسب ببطء؛ ليكون بعض المنتجات الأيضية (angiogenetic byproducts)، وهذه الموادّ من الممكن أن تشجّع نموّ الأوعية الدّمويّة. تساعد هذه الأوعية الدموية الجديدة العصب على أن يبدأ في النمو مرة أخرى بداخل الأنبوب الذي يتحلّل بعد فترة من 2 إلى 6 أسابيع، ولا يعد بوليمر "شدمت" المادّة الصّناعيّة الأولى المختبرة في هذا المجال، لكن هذا البوليمر يعتبر بحق هو الأوّل الذي يساعد على رتق العصب وإصلاحه؛ ليعود لتأدية وظيفته بلا أية مضاعفات.
وتعتبر الأبحاث الجارية الآن إضافة مستحدثة أخرى نقلت إلى بعض أنواع البلاستيك القدرة لقتل بعض مسببات المرض كالبكتريا بمجرد التلامس. ويمكن إنتاج أنواع كثيرة لا حصر لها من البلاستيك المضاد للبكتريا بإضافة أنواع من المضادات الحيوية، أو من المطهرات، للبوليمرات البلاستيكية. وتفيد هذه الإضافة في التطبيقات التي تحتاج المعالجة لفترات مستمرة؛ حيث يحرّر البوليمر المواد العلاجية على فترات طويلة نسبيًا. وسرعان ما ظهرت تطبيقات كثيرة في هذا المجال، مثل: تصنيع فرش الأسنان المبيدة للجراثيم، والمحارم، ولعب الأطفال. لكن يعيب هذه الطريقة أن هذه المنتجات تفقد فاعليتها ببطء بمرور الوقت.
وسرعان ما ظهر الحل للمشكلة السابقة في نفس المؤتمر؛ حيث عرض بحث آخر به بعض التطبيقات المنافسة باستخدام نوع من المطّاط المضاد للميكروبات، قام به "ديفس ورلى شلبى" من جامعة أوبرن، والذي يعمل على تخليق طريقة جديدة كلية باستخدام المطاط ذي الطاقة الهائلة المتجددة للتخلص من الجراثيم. بالإضافة لذلك فلهذا المطّاط قدرات غير مسبوقة لقتل البكتيريا والفيروسات والفطريات أيضًا. ولهذا التطبيق الأخير مدى أوسع من التطبيقات المرتقبة لهذه التقنية، مثل: تصنيع الكثير من الإمدادات الطبية كالقفّازات والمرايل والقسطرات والعوازل الطبية المطّاطية التي تستطيع أن تمنع بسهولة انتشار الأمراض التّناسليّة.. إلى تصنيع البضائع الاستهلاكيّة المتضمّنة أوعية الطعام وزجاجات تغذية الأطفال الرضع.
حضّر "ورلى" المادّة بإدخال مجموعات N-halamine إلى بوليمر من جزيئات البوليستيرين ليشكل مطاطًا -كالمستخدم في محو الكتابة بأقلام الرصاص- يحتوي على مستقبلات N-halamines المرتبطة بذرّات الكلور الذي يقتل الميكروبات والجراثيم في حالة الاتّصال المباشر. وبالرّغم من أنّ ذرّات الكلور في هذا النوع من المطّاط تُستنفد ببطء، فإنه من الممكن تجديد نشاطه أيضًا بعد انتهاء مفعوله بوضع المطاط السابق استخدامه في أي محلول كمحلول الكلور المبيضّ المستخدم في غسيل الملابس.
ولقد لاحظ "ورلي" أن زيادة مجموعات الـN-halamine المضافة للمطاط تزيد من قدرة المطّاط على تسديد ضربات أقوى للجراثيم والميكروبات، ومن هنا يمكن التحكم في كمية هذه المادة الكيميائية للوصول إلى التطبيق الأمثل لاستخدام ما.
وتعد هذه التكنولوجيا الأخيرة هي الأكثر قربًا للتطبيق العملي والإنتاج التجاري، فقد قدّم "ورلي" طلبًا للحصول على براءة اختراع عن المطّاط المضاد للميكروبات، وتبنت مؤسسة هالوسورص من سياتيل الإنتاج التجاري والترويج لهذا المطاط، كما قررت هذه المؤسسة إنتاج أنواع كثيرة من البلاستيك والملابس والمطاط المحتوية على N-halamines .
وقد بات واضحًا للعيان أن كثيرًا من أنواع البلاستيك العلاجي الجديد الأخرى قادمة على الطريق، وبالرغم من أن هذه التقنيات ما زلت في مهدها، فإنها سوف تبلغ - بشكل أو بآخر- سن الرّشد عما قريب.
أظهرت الخلايا العصبية المفردة - لأعلى- نموًّا ملحوظًا
في وجود البوليمر الموصل للكهرباء
وتعتبر هذه المادة هي الأولى من نوعها التي تستحث مثل هذا النمو
الأنبوب البلاستيكيّ الموصل للكهرباء يساعد على التئام الأعصاب الطرفية التالفة
ويحث السكر المخلوط مع البلاستيك على تجدد نمو الوصلات العصبية
ثم يذوب الأنبوب في نهاية المطاف
شكل يظهر مجموعات N-halamine المرتبطة بذرّات الكلور ( باللون الأخضر)
شكل يوضح كيف يهاجم الكلور الجراثيم والميكروبات ليدمّرها، ومن المكن تجديد نشاط المطاط أو البلاستيك؛ ليصبح أكثر قدرة على مقاتلة المرض بكل بساطة بغمسهم في الكلور المبيض المستعمل في التنظيف وفي الغسيل.
المضاد الحيوي البلاستيكي
مكّن استعمال مجموعات كيميائيّة تسمى N-halamines الباحثين من استحداث طرق عديدة لاستخدام البلاستيك والمطاط في التخلص من الميكروبات والجراثيم بالتلامس المباشر.[center]