منتدى التحكم الآلي والإلكترونيات (تأسس سنة 2008) Automatic control , PLC , Electronics , HMI , Machine technology development , Arabic & Islamic topics , Management studies and more | |
|
| النفاذ من أقطار السماوات والأرض ( أ.د . زغلول النجار ) | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
PLCMan Admin
عدد الرسائل : 12366 العمر : 55 العمل/الترفيه : Maintenance manager تاريخ التسجيل : 02/03/2008
| موضوع: النفاذ من أقطار السماوات والأرض ( أ.د . زغلول النجار ) الجمعة 1 أغسطس 2008 - 15:57 | |
|
(يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإنسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ) (الرحمن: 33)
هذه الآية الكريمة جاءت قرب نهاية النصف الأول من سورة الرحمن, التي سميت بتوقيف من الله (تعالي) بهذا الاسم الكريم لاستهلالها باسم الله الرحمن, ولما تضمنته من لمسات رحمته, وعظيم آلائه التي أولها تعليم القرآن, ثم خلق الإنسان وتعليمه البيان.
وقد استعرضت الســورة عددا من آيات الله الكونية المبهرة للاستدلال علي عظيم آلائه, وعميم فضله علي عباده ومنها: جريان كل من الشمس والقمر بحساب دقيق (كرمز لدقة حـركة كل أجرام السـماء بذاتها, وفي مجموعاتها, وبجـزيئاتهــا, وذراتها, ولبناتها الأولية), وسجود كل مخلوق لله, حتى النجـم والشــــجر, ورفع السـماء بغير عمد مرئية, ووضع مــيزان العـــــدل بين الخـلائق, ومطــالبة العبـــاد بألا يطغـوا في الميزان, وأن يقيمــوا عدل الله في الأرض, ولا يفسـدوا هذا المـيزان, وخلــق الأرض وتهيئتها لاســتقبال الحياة, وفيهــا من النبــاتات وثمـارها, ومحـاصيلها ما يشهد علي ذلك, وخلق الإنسان من صلصال كالفخار, وخلق الجان من مارج من نار, وتكوير الأرض وإدارتها حول محورها, والتعبير عن ذلك بوصف الحق ـ تبارك وتعالى ـ بأنه رب المشرقين ورب المغربين, ومرج كل نوعين من أنواع ماء البحار دون اختــلاط تام بينهمــا, وإخراج كل من اللؤلؤ والمرجان منهما, وجري السفن العملاقة في البحر, وهي تمخر عباب الماء وكأنهــا الجبال الشامخات, وحتمية الفناء علي كل المخلوقات, مع الوجـود المطلق للخالق ـ سبحانه وتعالي ـ, صاحب الجلال والإكـــرام, الحي القيـــــوم, الأزلي بلا بـداية, والأبدي بلا نهاية, والإشارة إلي مركزية الأرض من الكون, وضخامة حجمهــا التي لا تمثل شــــيئا في سعة السماوات وتعاظم أبعادها, وذلك بتحدي كل من الجن والإنس أن ينفذوا من أقطارهما, وتأكيد أنهم لن يستطيعوا ذلك أبدا, إلا بسلطان من الله, وأن مجرد محاولة ذلك بغير هذا التفويض الإلهي سوف يعرض المحاول لشواظ من نار ونحاس فلا ينتصر في محاولته أبدا..!!
ثم يأتي الحديث عن الآخرة وأحوالها, ومنها انشقاق السماء علي هيئة الوردة المدهنة, كالمهل الأحمر ومنها معرفة المجرمين بعلامات في وجوههم (من الزرقة والسواد), وما سوف يلاقونه من صور الإذلال والمهانة, وهم يطوفون بين جهنم وبين حميم آن (أي ماء في شدة الغليان)؛ وعلي النقيض من ذلك تشير السورة الكريمة إلي أحوال المتقين, ومقامهم في جنات الخلد, جزاء إحسانهم في الدنيا, وتصف جانبا مما في هذه الجنات من نعيم.
وبين كل آية من آيات الله في هذه السورة التي سماها رسول الله باسم عروس القرآن لما لخواتيم آياتها من جرس رائع, نجد آية: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) التي ترددت في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة من مجموع آيات السورة الثماني والسبعين (أي بنسبة40% تقريبا) في تقريع شديد, وتبكيت واضح للمكذبين من الجن والإنس بآلاء الله وأفضاله وعلي رأسها دينه الخاتم الذي بعث به النبي الخاتم والرسول الخاتم , والذي لا يرتضي ربنا ـ تبارك وتعالى ـ من عباده دينا سواه بعد أن حفظه للناس كافة في القرآن الكريم, وفي سنة الرسول الخاتم بنفس لغة الوحي علي مدي أربعة عشر قرنا وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها, وتختتم السورة بقول الحق سبحانه: تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.
والإشارات الكونية في سورة الرحمن, والتي يفوق عددها السبع عشرة آية صريحة نحتاج في شرح كل آية منها إلي مقال مستقل, ولذلك سأقف هنا عند قول الحق ـ تبارك وتعالى:
}يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإنسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ{(الرحمن:33 ـ 35)
وقبل ذلك لابد من استعراض الدلالات اللغوية لألفاظ تلك الآيات الكريمات وأقوال المفسرين السابقين فيها.
الدلالة اللغوية:
1. (نفذ): يقال في العربية: (نفذ) السهم في الرمية (نفوذا) و(نفاذا), والمثقب في الخشب إذا خرق إلي الجهة الأخرى, و(نفذ) فلان في الأمر (ينفذ) (نفاذا), و(أنفذه) (نفاذا), و(نفذه) (تنفيذا), وفي الحديث الشريف: نفذوا جيش أسامة; والأمر (النافذ) أي المطاع, و(المنفذ) هو الممر (النافذ), قال ـ تعالي ـ: إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) بمعني أن تخرقوا السماوات والأرض من جهة أقطارها إلي الجهة الأخرى.
2. (أقطار): قطر كل شكل وكل جسم الخط الواصل من أحد أطرافه إلي الطرف المقابل مرورا بمركزه. قال (تعالي): إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض وقال (عز من قائل): (ولو دخلت عليهم من أقطارها) (الأحزاب: 14)؛ ويقال في اللغة: (قطرته) بمعني ألقيته علي (قطره), و(تقطر) أي وقع علي (قطره), ومنه (قطر) المطر أي سقط في خطوط مستقيمة باتجاه مركز الأرض, ويسمي لذلك (قطرا), وهو كذلك جمع (قطرة), و(قطر) و(تقطير) الشيء تبخيره ثم تكثيفه قطرة قطرة من أجل تنقية الماء وغيره من السوائل تساقطه (قطرة) (قطرة) وجمعه (قطر) بضمتين و(قطرات) بضمتين أيضا, و(قطره) غيره يتعدي ويلزم, و(تقاطر) القوم جاءوا أرسالا (كالقطر), ومنه (قطار الإبل) و(القطر) بالضم الناحية والجانب وجمعه (أقطار)؛ و(قطران) الماء (تقاطره) قطرة قطرة و(القطران) ما يتقطر من الهناء (=القار) و(قطر) البعير طلاه (بالقطران) فهو (مقطور) أو (مقطرن). قال (تعالي): (سرابيلهم من قطران) (إبراهيم:50) أي من القار, وقرئ (من قطر آن) أي من نحاس منصهر قد أني (أي عظم) حره (أي زادت درجة حرارته) لأن (القطر) هو النحاس. وقال ربنا تبارك وتعالى: (إتوني أفرغ عليه قطرا) (الكهف:96) أي نحاسا منصهرا.
3. شواظ: (الشواظ) في العربية (بضم الشين وكسرها) اللهب الذي لا دخان له.
4. نحاس: الأصل في اللغة العربية أن النحاس هو اللهب بلا دخان, والنحاس أيضا عنصر فلزي لونه يميل إلي الحمرة (بين القرمزي والبرتقالي) قابل للطرق والسحب, موصل جيد لكل من الكهرباء والحرارة, ومقاوم للتآكل, وقد سمي بهذا الاسم لتشابه لونه مع لون النار بلا دخان.
قال (تعالي): (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس) (الرحمن :35). و(النحس) ضد السعد, وقرئ في قوله تعالي: (في يوم نحس مستمر) (القمر: 19).
علي الصفة, والإضافة أكثر وأجود... في يوم نحس مستمر، ويقال: (نحس) الشيء فهو (نحس) وفيه جاء قول ربنا ـ تبارك وتعالى: (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات) (فصلت: 16) وقرئ (نحسات) بالفتح أي مشؤومات, أو شديدات البرد وأصل النحس أن يحمر الأفق فيصير كالنحاس أو كاللهب بلاد خان, فصار ذلك مثلا للشؤم.
أقوال المفسرين:
في تفسير قوله (تعالي):
(يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإنسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ) (الرحمن:33 ـ 35) ذكر ابن كثير (يرحمه الله): أي لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره, بل هو محيط بكم لا تقدرون علي التخلص من حكمه, أينما ذهبتم أحيط بكم.... (إلا بسلطان) أي إلا بأمر الله.... ولهذا قال تعالي: (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) قال ابن عباس: الشواظ هو لهب النار, وعنه: الشواظ الدخان, وقال مجاهد: هو اللهب الأخضر المنقطع, وقال الضحاك: (شواظ من نار) سيل من نار, وقوله تعالي: (ونحاس) قال ابن عباس: دخان النار, وقال ابن جرير: والعرب تسمي الدخان نحاسا, روي الطبراني عن الضحاك أن نافع ابن الأزرق سأل ابن عباس عن الشواظ فقال: هو اللهب الذي لا دخان معه... قال: صدقت, فما النحاس؟ قال: هو الدخان الذي لا لهب له وقال مجاهد: النحاس الصفر....
وجاء في تفسير الجلالين ما نصه: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا) تخرجوا (من أقطار) نواحي (السماوات والأرض) (هاربين من الحشر والحساب والجزاء) (فانفذوا) أمر تعجيز (أي: فلن تستطيعوا ذلك) (لا تنفذون إلا بسلطان) بقوة, ولا قوة لكم علي ذلك... (يرسل عليكما شواظ من نار) هو لهبها الخالص من الدخان أو: معه (ونحاس) أي: دخان لا لهب فيه (أو هو النحاس المذاب....).
وجاء في الظلال ما نصه: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا... وكيف؟ وأين؟ لا تنفذون إلا بسلطان, ولا يملك السلطان إلا صاحب السلطان.. ومرة أخري يواجههما بالسؤال: (فبأي آلاء ربكما تكذبان؟) وهل بقي في كيانهما شئ يكذب أو يهم بمجرد النطق والبيان؟
ولكن الحملة الساحقة تستمر إلي نهايتها, والتهديد الرعيب يلاحقهما, والمصير المردي يتمثل لهما: يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران..
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه:..... (لا تنفذون إلا بسلطان) أي لا تقدرون علي الخروج من أمري وقضائي إلا بقوة قهر وأنتم بمعزل عن ذلك, (يرسل عليكما) يصب عليكما (شواظ من نار) لهب خالص من الدخان (ونحاس) أصفر مذاب, وقيل النحاس: الدخان الذي لا لهب فيه. أي إنه يرسل عليهما هذا مرة وهذا مرة.
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض هاربين فاخرجوا, لا تستطيعون الخروج إلا بقوة وقهر, ولن يكون لكم ذلك, فبأي نعمة من نعم ربكما تجحدان؟! يصب عليكما لهب من نار ونحاس مذاب, فلا تقدران علي رفع هذا العذاب. وجاء في تعليق هامشي ما يلي: ثبت حتى الآن ضخامة المجهودات والطاقات المطلوبة للنفاذ من نطاق جاذبية الأرض, وحيث اقتضي النجاح الجزئي في ريادة الفضاء ـ لمدة محددة جدا بالنسبة لعظم الكون ــ بذل الكثير من الجهود العلمية الضخمة في شتي الميادين... فضلا عن التكاليف المادية الخيالية التي أنفقت في ذلك ومازالت تنفق, ويدل ذلك دلالة قاطعة علي أن النفاذ المطلق من أقطار السماوات والأرض التي تبلغ ملايين السنين الضوئية لإنس أو جن مستحيل.
والنحاس هو فلز يعتبر من أول العناصر الفلزية التي عرفها الإنسان.. ويتميز بأن درجة انصهاره مرتفعة جدا نحو 1083 درجة مئوية) فإذا ما صب هذا السائل الملتهب علي جسد, مثل ذلك صنفا من أقسي أنواع العذاب ألما وأشدها أثرا.
الدلالة العلمية لقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ :
(يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإنسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ) (الرحمن:33 ـ 35)
هذه الآيات الثلاث التي تحدي القرآن الكريم فيها كلا من الجن والإنسن تحديا صريحا بعجزهم عن النفاذ من أقطار السماوات والأرض, وهو تحد يظهر ضآلة قدراتهما مجتمعين أمام طلاقة القدرة الإلهية في إبداع الكون, لضخامة أبعاده, ولقصر عمر المخلوقات, وحتمية فنائها, والآيات بالإضافة إلي ذلك تحوي عددا من الحقائق الكونية المبهرة التي لم يستطع الإنسان إدراكها إلا في العقود القليلة المتأخرة من القرن العشرين, والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولا: بالنسبة للنفاذ من أقطار الأرض:
إذا كان المقصود من هذه الآيات الكريمة إشعار كل من الجن والإنس بعجزهما عن النفاذ من أقطار كل من الأرض علي حدة, والسماوات علي حدة, فإن المعارف الحديثة تؤكد ذلك, لأن أقطار الأرض تتراوح بين (12756) كيلو مترا بالنسبة إلي متوسط قطرها الاستوائي, (12713) كيلو مترا بالنسبة إلي متوسط قطرها القطبي, وذلك لأن الأرض ليست تامة الاستدارة لانبعاجها قليلا عند خط الاستواء, وتفلطحها قليلا عند القطبين.
ويستحيل علي الإنسان اختراق الأرض من أقطارها لارتفاع كل من الضغط والحرارة باستمرار في اتجاه المركز مما لا تطيقه القدرة البشرية, ولا التقنيات المتقدمة التي حققها إنسان هذا العصر, فعلي الرغم من التطور المذهل في تقنيات حفر الآبار العميقة التي طورها الإنسان بحثا عن النفط والغاز الطبيعي فإن هذه الأجهزة العملاقة لم تستطع حتى اليوم تجاوز عمق 14 كيلو مترا من الغلاف الصخري للأرض, وهذا يمثل0,2% تقريبا من طول نصف قطر الأرض الاستوائي, وعند هذا العمق تعجز أدوات الحفر عن الاستمرار في عملها لتزايد الضغط وللارتفاع الكبير في درجات الحرارة إلي درجة قد تؤدي إلي صهر تلك الأدوات, فمن الثابت علميا أن درجة الحرارة تزداد باستمرار من سطح الأرض في اتجاه مركزها حتى تصل إلي ما يقرب من درجة حرارة سطح الشمس المقدرة بستة آلاف درجة مئوية حسب بعض التقديرات, ومن هنا كان عجز الإنسان عن الوصول إلي تلك المناطق الفائقة الحرارة والضغط, وفي ذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ مخاطبا الإنسان: (وَلا تَمْشِ فِى الأَرْضِ مَرَحًا إنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً) (الإسراء:37)
ولو أن الجن عالم غيبي بالنسبة لنا, إلا أن ما ينطبق علي الإنس من عجز تام عن النفاذ من أقطار السماوات والأرض ينطبق عليهم.
والآيات الكريمة قد جاءت في مقام التشبيه بأن كلا من الجن والإنس لا يستطيع الهروب من قدر الله أو الفرار من قضائه, بالهروب إلي خارج الكون عبر أقطار السماوات والأرض حيث لا يدري أحد ماذا بعد ذلك, إلا أن العلوم المكتسبة قد أثبتت بالفعل عجز الإنسان عجزا كاملا عن ذلك, والقرآن الكريم يؤكد لنا اعتراف الجن بعجزهم الكامل عن ذلك أيضا, كما جاء في قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ علي لسان الجن: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا) (الجن: 12) وذلك بعد أن قالوا: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) (الجن:
ثانيا: بالنسبة للنفاذ من أقطار السماوات
تبلغ أبعاد الجزء المدرك من السماء الدنيا من الضخامة ما لا يمكن أن تطويها قدرات كل من الإنس والجن, مما يشعر كلا منهما بضآلته أمام أبعاد الكون, وبعجزه التام عن مجرد التفكير في الهروب منه... أو النفاذ إلي المجهول من بعده...!!!
فمجرتنا (سكة التبانة) يقدر قطرها الأكبر بمائة ألف سنة ضوئية (100.000*9.5 مليون مليون كيلو متر تقريبا), ويقدر قطرها الأصغر بعشرة آلاف سنة ضوئية (10.000*9.5 مليون مليون كيلو متر تقريبا), ومعني ذلك أن الإنسان لكي يتمكن من الخروج من مجرتنا عبر قطرها الأصغر يحتاج إلي وسيلة تحركه بسرعة الضوء (وهذا مستحيل) ليستخدمها في حركة مستمرة لمدة تصل إلي عشرة آلاف سنة من سنيننا, وبطاقة انفلات خيالية لتخرجه من نطاق جاذبية الأجرام التي يمر بها من مكونات تلك المجرة, وهذه كلها من المستحيلات بالنسبة للإنسان الذي لا يتجاوز عمره في المتوسط خمسين سنة, ولم تتجاوز حركته في السماء ثانية ضوئية واحدة وربع الثانية فقط, وهي المسافة بين الأرض والقمر, علي الرغم من التقدم التقني المذهل الذي حققه في ريادة السماء.
ومجموعتنا الشمسية تقع من مجرتنا علي بعد ثلاثين ألفا من السنين الضوئية من مركزها, وعشرين ألفا من السنين الضوئية من أقرب أطرافها, فإذا حاول الإنسان الخروج من أقرب الأقطار إلي الأرض فإنه يحتاج إلي عشرين ألف سنة وهو يتحرك بسرعة الضوء لكي يخرج من أقطار مجرتنا وهل يطيق الإنسان ذلك؟ أو هل يمكن أن يحيا إنسان لمثل تلك المدد المتطاولة؟ وهل يستطيع الإنسان أن يتحرك بسرعة الضوء؟ كل هذه حواجز تحول دون إمكان ذلك بالنسبة للإنسان, وما ينطبق عليه ينطبق علي عالم الجان...!!!
| |
| | | PLCMan Admin
عدد الرسائل : 12366 العمر : 55 العمل/الترفيه : Maintenance manager تاريخ التسجيل : 02/03/2008
| موضوع: رد: النفاذ من أقطار السماوات والأرض ( أ.د . زغلول النجار ) الجمعة 1 أغسطس 2008 - 16:07 | |
| صور مكبرة لنجوم بعيدة من هذا الكون الواسع تبلغ أبعاد الجزء المدرك من السماء الدنيا من الضخامة ما لا يمكن أن تطويها قدرات كل من الإنس والجن, مما يشعر كلا منهما بضآلته أمام أبعاد الكون, وبعجزه التام عن مجرد التفكير في الهروب منه... أو النفاذ إلي المجهول من بعده...!!!
ومجرتنا جزء من مجموعة من المجرات تعرف باسم المجموعة المحلية يقدر قطرها بنحو ثلاثة ملايين وربع المليون من السنين الضوئية (3.261.500) سنة ضوئية, وهذه بدورها تشكل جزءا من حشد مجري يقدر قطره بأكثر من ستة ملايين ونصف المليون من السنين الضوئية (6.523.000) سنة ضوئية, وهذا الحشد المجري يكون جزءا من الحشد المجري الأعظم ويقدر قطره الأكبر بمائة مليون من السنين الضوئية وسمكه بعشرة ملايين من السنين الضوئية. وتبدو الحشود المجرية العظمي علي هيئة كروية تدرس في شرائح مقطعية تقدر أبعادها في حدود150*100*15 سنة ضوئية, وأكبر تلك الشرائح ويسميها الفلكيون مجازا باسم الحائط العظيم يزيد طولها علي مائتين وخمسين مليونا من السنين الضوئية.
وقد تم أخيرا اكتشاف نحو مائة من الحشود المجرية العظمي تكون تجمعا أعظم علي هيئة قرص يبلغ قطره الأكبر بليونين من السنين الضوئية.
والجزء المدرك من الكون وهو يمثل جزءا يسيرا من السماء الدنيا التي زينها ربنا ـ تبارك وتعالى ـ بالنجوم وقال (عز من قائل): (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) (الملك: 5).
هذا الجزء المدرك من السماء الدنيا يزيد قطره علي العشرين بليون سنة ضوئية, وهي حقائق تجعل الإنسان بكل إنجازاته العلمية يتضاءل تضاؤلا شديدا أمام أبعاد الكون المذهلة, وكذلك الجان, وكلاهما أقل من مجرد التفكير في إمكان الهروب من ملك الله الذي لا ملجأ ولا منجي منه إلا إليه...!!!
ثالثا: بالنســــبة للنفـــــاذ من أقطار السماوات والأرض معا
تشير الآيات الكريمة إلي أن التحدي الذي تجابه به الجن والإنس هو النفاذ من أقطار السماوات والأرض معا إن استطاعوا, وثبت عجزهما عن النفاذ من أقطار أي منهما, وعجزهما أشد إذا كانت المطالبة بالنفاذ من أقطارهما معا, إذا كان هذا هو مقصود الآيات الكريمة, فإنه يمكن أن يشير إلي معني في غاية الأهمية ألا وهو توسط الأرض للكون; وهو معنى لا تستطيع علوم الفلك إثباته لعجز الإنسان عن الإحاطة بأبعاد الكون, ولكن يدعم هذا الاستنتاج ما رواه كل من قتادة والسدي أن رسول الله قال يوما لأصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال : فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها, يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم.
وتوسط الأرض للكون معني حازت فيه عقول العلماء والمفكرين عبر التاريخ. وعجزت العلوم المكتسبة والتقنيات الفائقة عن إثباته, ولكن ما جاء في هذه الآيات الكريمة, وفي هذا الحديث النبوي الشريف يشير إليه, ويجعل المنطق السوي يقبله .
لجزء المدرك من السماء الدنيا يزيد قطره علي العشرين بليون سنة ضوئية, وهي حقائق تجعل الإنسان بكل إنجازاته العلمية يتضاءل تضاؤلا شديدا أمام أبعاد الكون المذهلة, وكذلك الجان, وكلاهما أقل من مجرد التفكير في إمكان الهروب من ملك الله الذي لا ملجأ ولا منجي منه إلا إليه...!!!
رابعا: بالنسبة إلي إرسال شواظ من نار ونحاس علي كل من يحاول النفاذ من أقطار السماوات والأرض بغير سلطان من الله تعالي:
في الآية رقم 35 من سورة الرحمن يخاطب ربنا ـ تبارك وتعالى ـ كلا من الجن والإنس بقوله عز من قائل: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ) وقد أجمع قدامي المفسرين ومحدثوهم علي أن لفظة شواظ هنا تعني اللهب الذي لا دخان له. وكلمة نحاس تعني الدخان الذي لا لهب فيه أو تعني فلز النحاس الذي نعرفه جميعا وهو فلز معروف بدرجة انصهاره العالية (1083م) ودرجة غليانه الأعلي (2567م).
ومن الثابت علميا أن العناصر المعروفة لنا تتخلق في داخل النجوم بعملية الاندماج النووي لنوي ذرات الهيدروجين فينتج عن ذلك نوي ذرات العناصر الأثقل بالتدريج حتى يتحول لب النجم إلي حديد.
والتفاعل النووي قبل تكون ذرات الحديد هو تفاعل منتج للحرارة التي تصل إلي بلايين الدرجات المئوية, ولكن عملية الاندماج النووي المنتجة للحديد عملية مستهلكة للحرارة وبالتالي لطاقة النجم حتى تضطره إلي الانفجار مما يؤدي إلي تناثر العناصر التي تكونت بداخله بما فيها الحديد في صفحة السماء لتدخل هذه العناصر في مجال جاذبية أجرام تحتاج إليها بتقدير من الله تعالي. أما العناصر ذات النوي الأثقل من ذرة الحديد فتتخلق بإضافة اللبنات الأولية للمادة إلي نوي ذرات الحديد السابحة في صفحة السماء حتى تتكون بقية المائة وخمسة من العناصر المعروفة لنا, وهذه أيضا تنزل إلي جميع أجرام السماء بقدر معلوم. ولما كان عنصر النحاس أعلي من الحديد في كل من وزنه وعدده الذري (الوزن الذري لنظائر الحديد 57,56,54 والوزن الذري للنحاس63.546 والعدد الذري للحديد26 بينما العدد الذري للنحاس29), وبناء علي ذلك فإن عنصر النحاس يتخلق في صفحة السماء الدنيا باندماج نوي ذرات الحديد مع بعض اللبنات الأولية للمادة, وهذا يجعل صفحة السماء الدنيا زاخرة بذرات العناصر الثقيلة ومنها النحاس.
هذه الملاحظة تشير إلي أن لفظة نحاس في الآية الكريمة تعني فلز النحاس, لأن التأويل هنا لا داعي له علي الإطلاق, فالنحاس وهو منصهر وتغلي قطراته في صفحة السماء يعد عقابا رادعا لكل محاولة إنسية أو جنية لاختراق أقطار السماوات والأرض.
وقد اتصل بي أخ كريم هو الدكتور عبدالله الشهابي وأخبرني بأنه زار معرض الفضاء والطيران في مدينة واشنطن دي سي الذي يعرض نماذج الطائرات من بداياتها الأولي إلي أحدثها, كما يعرض نماذج لمركبات الفضاء, وفي المعرض شاهد قطاعا عرضيا في كبسولة أبو اللو وأذهله أن يري علي سطحها خطوطا طولية عديدة غائرة في جسم الكبسولة ومليئة بكربونات النحاس (جنزار النحاس), وقد لفتت هذه الملاحظة نظره فذهب إلي المسؤول العلمي عن تلك الصالة وسأله: هل السبيكة التي صنعت منها الكبسولة يدخل فيها عنصر النحاس؟ فنفي ذلك نفيا قاطعا, فأشار إلي جنزار النحاس علي جسم الكبسولة وسأله: من أين جاء هذا؟ فقال له: من نوي ذرات النحاس المنتشرة في صفحة السماء التي تضرب جسم الكبسولة طوال حركتها صعودا وهبوطا من السماء, وحينما تعود إلي الأرض وتمر بطبقات بها الرطوبة وثاني أكسيد الكربون فإن هذه الذرات النحاسية التي لصقت بجسم الكبسولة تتحول بالتدريج إلي جنزار النحاس. ويقول الدكتور الشهابي إنه علي الفور تراءت أمام أنظاره الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها ربنا تبارك وتعالي: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ).
هذه الملاحظة أكدت لي ما ناديت به طويلا بأن لفظة نحاس في الآية تعني فلز النحاس ولا تحتاج إلي أدني تأويل. فسبحان الذي أنزل هذه الآيات الكريمة من قبل1400 من السنين وحفظها لنا في كتابه الكريم علي مدي 14 قرنا أو يزيد لتظهر في زماننا زمان رحلات الفضاء برهانا ماديا ملموسا علي أن هذا القرآن الكريم هو كلام الله الخالق وأن النبي الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.
| |
| | | احمـــــــــد بشـــير فريق أول
عدد الرسائل : 4007 العمر : 74 العمل/الترفيه : مدير جودة تاريخ التسجيل : 04/03/2008
| موضوع: من أسرار القرآنبقلم:(الاسراء والمعراج) الإثنين 4 أغسطس 2008 - 12:53 | |
| من أسرار القرآن بقلم: د. زغلـول النجـار سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير* هذه الآية الكريمة جاءت في مطلع سورة الإسراء, وهي سورة مكية, وآياتها مائة وإحدي عشرة(111) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بالتأكيد علي معجزة الإسراء برسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلي المسجد الأقصي في القدس الشريف, ثم العروج به ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من المسجد الأقصي إلي سدرة المنتهي, مرورا بالسماوات السبع, حيث التقي بسكانها سماء تلو سماء, حتي شرف بالمثول بين يدي خالقه ـ
سبحانه وتعالي ـ ففرض عليه وعلي أمته خمس صلوات في كل يوم وليلة, ثم أرجع ـ صلي الله عليه وسلم ـ إلي بيت المقدس ليؤم جميع الأنبياء والمرسلين في صلاة, وليعود إلي بيته في مكة المكرمة فيجد فراشه لا يزال دافئا منذ تركه, لأن الله ـ تعالي ـ أوقف له الزمن, كما طوي مسافات الكون الشاسعة, فتمت المعجزة بغير زمان ولا مكان, والله ـ تعالي ـ قادر علي كل شيء, وعلي أن يفعل ما يشاء دون أسباب.
وقد كان في هذه الرحلة من التكريم لخاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ ما لم ينله مخلوق من قبل, ولا من بعد.
ويدور المحور الرئيسي لسورة الإسراء حول قضية العقيدة الإسلامية, ولذلك بدأت بقول الحق ـ تبارك وتعالي: سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير( الإسراء:1).
ثم تنتقل السورة الكريمة إلي الحديث عن التوراة, ذلك الكتاب الذي آتاه الله ـ سبحانه وتعالي ـ عبده ونبيه موسي بن عمران لكي يكون هدي لبني إسرائيل فانصرفوا عنه.
ثم تمتدح سورة الإسراء القرآن الكريم, ذلك الكتاب الخاتم الذي أنزله الله ـ تعالي ـ بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وتعهد بحفظه فتم حفظه في نفس لغة وحيه ـ اللغة العربية ـ علي مدي يزيد علي أربعة عشر قرنا, وتعهد ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتي يبقي القرآن الكريم حجة الله ـ تعالي ـ علي خلقه إلي قيام الساعة فتقول الآية التاسعة من هذه السورة المباركة:: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا( الإسراء:9).
وتقرر الآيات بعد ذلك أن الله ـ تعالي ـ قد أعد للذين لا يؤمنون بالآخرة عذابا أليما, وأن الإنسان في طبعه شيء من الاندفاع والعجلة, ومن المبادرة بالدعاء بالشر قبل الدعاء بالخير, علما بأن الله ـ تعالي ـ قد فصل له كل شيء, كما تقرر الآيات المسئولية الفردية في الهدي والضلال, وذلك بقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ: ولا تزر وازرة وزر أخري, وأن الله ـ سبحانه وتعالي ـ لا يعذب أحدا دون إنذار فقال: وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا( الإسراء:15).
كذلك تقرر الآيات في سورة الإسراء قاعدة التبعية الجماعية في التصرفات والسلوك, وتحذر من الترف المخل الذي يؤدي إلي الفسوق, ومن ثم إلي التدمير والهلاك, كما تحذر من الإقبال علي الدنيا ونسيان الآخرة, ومن عواقب ذلك, وتدعو إلي السعي للآخرة مع الإيمان الكامل بحتمية وقوعها, مؤكدة أن الله ـ تعالي ـ يمد بعطائه الدنيوي كلا من المؤمنين والكافرين, وأن التفاضل في درجات الآخرة أكبر وأعظم من التفاضل في أمور الدنيا.
وتحذر الآيات من أخطار الشرك بالله, مؤكدة أن الواقع في هذه الكبيرة مذموم مخذول, وأن الله ـ سبحانه وتعالي ـ قد قضي بألا يعبد سواه, وتثني بعد ذلك بالحض علي بر الوالدين, وإيتاء ذوي القربي, والمساكين, وأبناء السبيل في غير إسراف ولا تبذير, وتأمربتحريم كل من قتل الذرية, والاقتراب من جريمة الزنا, والقتل بغير الحق تحريما قاطعا, كما تأمر برعاية مال اليتيم, وبالوفاء بالعهود, وبتوفية كل من الكيل والميزان,
وبالمسئولية عن الحواس, وتنهي عن الخيلاء والكبر, وتكرر التحذير من الشرك, مؤكدة أن جزاء الواقع فيه هو الخلود في جهنم مذموما مدحورا.
وتستنكر الآيات في سورة الإسراء فرية الولد والشريك لله ـ تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا ـ مبينة ما فيها من اضطراب وتهافت, وكفر وشرك, ومقررة توحيد الكون كله لله ـ تعالي ـ وخضوع كل من فيه لذات الله العلية بالعبادة والتسبيح والتقديس والتنزيه عن كل وصف لا يليق بجلاله.
ثم تنتقل الآيات إلي الحديث عن أوهام الوثنية الجاهلية المشركة حول نسبة البنات والشركاء إلي الله ـ تعالي ـ وإلي موقف كفار قريش ـ وموقف الكفار والمشركين من بعدهم في كل زمان ومكان ـ من الاستماع إلي القرآن الكريم وهم يجاهدون أنفسهم في صم آذانهم عنه, وإغلاق عقولهم عن الإنصات إلي حجيته, وصد قلوبهم عن التحرك بما نزل فيه من الحق, وصرف فطرته عن أن تستجيب لندائه الصادق.
وبعد ذلك تستعرض الآيات في هذه السورة المباركة موقف الكفار والمشركين من إنكار نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ وإنكار البعث, مؤكدة نزغ الشيطان بين الناس وعداوته لهم, وعلي أن الله ـ تعالي ـ هو المتصرف في شئون الخلائق بلا معقب لحكمه, وأنه ـ تعالي ـ أعلم بمن في السماوات والأرض, وقد فضل بعض النبيين علي بعض, وأن دور الرسول منحصر في التبليغ عن ربه ـ سبحانه وتعالي ـ وفي الإنذار والتبشير.
ثم تبين الآيات السبب في أن معجزات الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ لم تكن كلها من قبيل الخوارق المادية التي كذب بها الأولون, فمعجزته الخالدة هي القرآن الكريم, والخوارق المادية شهادة علي من رآها من الناس, والقرآن باق إلي ما شاء الله, كما تتناول الآيات في سورة الإسراء تكذيب المشركين لما رآه رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في رحلة الإسراء والمعراج, ويجيء في هذا السياق طرف من قصة إبليس وإعلانه أنه سيكون حربا علي ذرية آدم, وتعقب الآيات بتخويف البشر من عذاب الله, وتذكيرهم بنعمه عليهم, وبتكريمه للإنسان, وبمصائرهم في يوم القيامة.
ويأتي في الجزء الأخير من هذه السورة المباركة استعراض كيد المشركين لخاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ ومحاولة فتنته عن بعض ما أنزل إليه, ومحاولة إخراجه من مكة المكرمة, ولو أخرجوه قسرا قبل أن يأذن له الله ـ تعالي ـ بذلك لحل بهم العذاب والهلاك الذي حل بالأمم من قبلهم حين أخرجوا رسلهم أو قاتلوهم أو قتلوهم.
وتأمر الآيات هذا النبي الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ بالاستمرار في طريقه متعبدا لله ـ تعالي ـ بما أمر, داعيا إياه ـ سبحانه ـ أن يحسن مدخله ومخرجه, وأن يعلن مجيء الحق وظهوره, وزهوق الباطل وانحداره, مؤكدا أن هذا القرآن فيه شفاء وهدي للمؤمنين, بينما الإنسان علمه قليل, وقدراته محدودة.
وتختم هذه السورة الكريمة كما بدأت بحمد الله, وبتقرير وحدانيته( بلا شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة, ولا ولد) وتنزهه عن الحاجة إلي الولي والنصير, وهو العلي الكبير المتعال, فتقول آمرة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ والمؤمنين به بأمر الله القائل: قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا* وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا( الإسراء:111,110). من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة الإسراء:
1 ـ ضرورة تنزيه الله ـ تعالي ـ عن كل وصف لا يليق بجلاله.
2 ـ الإيمان بقدسية كل من المسجد الحرام والمسجد الأقصي, وضرورة تطهيرهما من دنس الكفار والمشركين, والمحافظة علي وجودهما بأيدي المسلمين, والدفاع عنهما بالنفس والنفيس.
3 ـ التسليم بما جاء عن رحلة الإسراء والمعراج, وما اطلع عليه المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ أثناءها من أحداث ومرائي عديدة.
4 ـ اليقين في أن الله ـ تعالي ـ هو رب السماوات والأرض ومن فيهن, وهو قيوم السماوات والأرض ومن فيهن, المهيمن علي الوجود كله, الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر, والذي يرحم من يشاء ويعذب من يشاء, وأنه ـ تعالي ـ هو السميع البصير الخبير, وهو الحليم الودود الغفور, وأنه ـ تعالي ـ ما كان معذبا أحدا حتي يبعث رسولا,
وأن الكون بجميع من فيه وما فيه يخضع له ـ سبحانه وتعالي ـ بالعبادة والطاعة والتسبيح إلا عصاة الإنس والجن.
5 ـ الإيمان بأن التوراة أنزلت بالتوحيد الكامل لله ـ تعالي ـ الذي أيد عبده ورسوله موسي ـ عليه السلام ـ بتسع آيات بينات, كفر بها فرعون وجنده فأغرقهم الله أجمعين, ولذلك فإن توحيد الله ـ تعالي ـ واجب علي كل العباد,
نزلت به كل الشرائع, ومن هنا كان الشرك بالله كفرا به, وكان من موجبات الذم والخذلان في الدنيا والعذاب في الآخرة, وبالإلقاء في جهنم باللوم والدحور, حيث لا يملك الذين أشركوا بهم كشف الضر عنهم أو تحويله.
6 ـ التصديق بأن إفساد بني إسرائيل في الأرض وعلوهم فيها هو مرتان فقط, مضت أولاهما بطردهم من جزيرة العرب, وصدق الله العظيم إذ يقول:... فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا( الإسراء:7).
7 ـ اليقين بأن جهنم هي مثوي الكافرين الضالين المنكرين للبعث, أو الجاحدين لبعثة النبي والرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ.
8 ـ التسليم بأن القرآن الكريم قد أنزل بالحق, وأنه: يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا( الإسراء:9).
وأنه كذلك هو:... شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا( الإسراء:82).
وأن هذا الكتاب معجز لا تقوي قوة علي وجه الأرض أن تأتي بشيء من مثله: قل لئن اجتمعت الإنس والجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا( الإسراء:88).
9 ـ الإيمان بأن كل إنسان مسئول مسئولية كاملة عن أعماله, وأنه سوف يسلم كتابا تفصيليا بتلك الأعمال في يوم القيامة حتي يكون حسيبا علي نفسه: ولا تزر وازرة وزر أخري ( الإسراء:15).
10 ـ التصديق بأن الترف المسرف هو من موجبات التدمير الذي حدث للعديد من الأمم السابقة, وأن السعي المشكور هو السعي للآخرة, مع عدم إهمال مسئولية الفرد في الحياة الدنيا, وأن التفاضل في السعي للآخرة أكبر من التفاضل في جمع ماديات الدنيا, وأن البعث بعد الموت حتمي وضروري.
11 ـ التسليم بأن الإنسان مخلوق مكرم, خلقه الله ـ تعالي ـ بيديه, ونفخ فيه من روحه, وعلمه من علمه, وأدخله جنته, وأسجد له الملائكة, وفضله علي كثير من خلقه, وأن الشيطان عدو مبين للإنسان.
12 ـ اليقين بأن مهمة الأنبياء والمرسلين هي التبيلغ عن الله ـ تعالي ـ والإنذار والتبشير, وأن الله ـ جل شأنه ـ قد فضل بعض النبيين علي بعض, وآتي داود كتابا اسمه الزبور.
13 ـ التصديق بأن كل أناس في الآخرة سوف يدعون بإمامهم: فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ( الإسراء:71).
14 ـ الإيمان بأن الروح غيب لا يعلمه إلا الله ـ تعالي ـ وعلي ذلك فلا يجوز الخوض في أمر الروح.
15 ـ التسليم بأن الله ـ تعالي ـ هو المستحق للحمد وللتكبير, وأنه ـ سبحانه وتعالي ـ منزه عن الشريك, والشبيه, والمنازع, والصاحبة والولد, وعن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا( الإسراء:111). من التشريعات الإسلامية في سورة الإسراء:
1 ـ التأكيد علي أن بر الوالدين فريضة إسلامية, ومن أعظم الطاعات لله, ومن موجبات رحمته ومغفرته, وكذلك إيتاء ذي القربي حقه, والمسكين, وابن السبيل, وعدم التبذير والإسراف; وعدم البخل والتقتير, فكل ذلك من الصفات المذمومة في الإنسان.
2 ـ تحريم قتل الأولاد خشية الإملاق.
3 ـ النهي القاطع عن الاقتراب من الزنا, ومن جميع مقدماته:... إنه كان فاحشة وساء سبيلا( الإسراء:32).
4 ـ النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وعن الإسراف في الثأر لذلك.
5 ـ النهي عن أكل مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتي يبلغ أشده.
6 ـ الأمر بالوفاء بالعهد وبتأكيد المسئولية عنه, وبالوفاء بكل من الكيل والميزان.
7 ـ الأمر بالمحافظة علي الحواس ـ مثل: السمع والبصر والفؤاد ـ والتأكيد علي مسئولية الإنسان عن حواسه.
8 ـ النهي عن الاختيال والزهو بالنفس, وعن الاستعلاء والاستكبار في الأرض.
9 ـ الأمر بإقامة الصلاة لدلوك الشمس إلي غسق الليل, وبتلاوة القرآن في الفجر; لأن: قرآن الفجر كان مشهودا( الإسراء:78), وبالتهجد به نافلة بالليل.
من الإشارات الكونية في سورة الإسراء: 1 ـ التأكيد علي وقوع معجزة الإسراء والمعراج.
2 ـ الإشارة إلي آيتي الليل والنهار ـ أي نورهما ـ حيث كان الليل ينار بظاهرة بقي منها اليوم ما يعرف باسم( ظاهرة الفجر القطبي), وكان النهار ينار ـ كما ينار اليوم ـ بالحزمة المرئية من ضوء الشمس, فمحا الله ـ تعالي ـ نور الليل بنطق الحماية المتعددة التي خلقها للأرض, وأبقي ظاهرة الفجر القطبي دلالة علي ذلك.
3 ـ الإشارة إلي ما وهب الله ـ سبحانه وتعالي ـ الماء من قدرات تمكنه من حمل الفلك في البحر بقانون الطفو.
4 ـ الإشارة إلي تسبيح كل شيء في هذا الوجود لله ـ سبحانه وتعالي ـ ما عدا عصاة كل من الجن والإنس. وفي ذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ: تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا( الإسراء:44).
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولذلك سأركز في المقال القادم إن شاء الله ـ تعالي ـ علي الإعجاز العلمي والتاريخي في معجزة الإسراء والمعراج. | |
| | | احمـــــــــد بشـــير فريق أول
عدد الرسائل : 4007 العمر : 74 العمل/الترفيه : مدير جودة تاريخ التسجيل : 04/03/2008
| موضوع: من أسرار القرآن الإثنين 18 أغسطس 2008 - 13:24 | |
| من أسرار القرآن بقلم: د. زغلـول النجـار 269ـ أ ... إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين * القصص:8* هذا النص القرآني الكريم جاء في بداية العشر الثاني من سورة القصص وهي سورة مكية, وآياتها ثمان وثمانون(88) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لاستعراضها قصة فرعون مصر مع كل من نبي الله موسي وأخيه نبي الله هارون, وما اتصل بذلك من خبر مستغل في الأرض مثل قارون الذي كان من قوم موسي فبغي عليهم. ويدور المحور الرئيسي لسورة القصص حول عدد من ركائز العقيدة الإسلامية من مثل التوحيد الخالص لله ـ تعالي ـ والإيمان بحقيقة الوحي وحتمية البعث والحساب والجزاء, شأنها في ذلك شأن كل السور المكية.
وتبدأ سورة القصص بالأحرف الهجائية الثلاثة( طسم), وقد سبق لنا استعراض قضية هذه الأحرف النورانية, ولا أري حاجة للعودة إلي ذلك هنا. ثم تؤكد هذه السورة الكريمة أن آيات القرآن الكريم واضحة جلية, وهو كتاب معجز في كل أمر من أموره, وقطعي الدلالة فيما يدعو إليه من عقيدة صحيحة, وعبادة مشروعة, ودستور أخلاقي كريم, وفقه عادل للمعاملات, وعدالة مطلقة في الأحكام. ثم تنطلق الآيات مستنكرة استعلاء فرعون مصر ـ علي عهد نبي الله موسي ـ عليه السلام ـ في الأرض, وتجبره علي الخلق حتي جعل من أهل البلد فرقا متعادية متعارضة حتي يبقي الجميع في رهبة منه, خاضعين لإذلاله وقهره, حتي لا يجرؤ أحد علي منازعته سلطانه, وفي ذلك تقول الآيات في مطلع هذه السورة الكريمة:
طسم* تلك آيات الكتاب المبين* نتلو عليك من نبأ موسي وفرعون بالحق لقوم يؤمنون* إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين* ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين* ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون*( القصص:1 ـ6).
واستمرت الآيات(7 ـ43) من سورة القصص في استعراض قصة نبي الله موسي ـ عليه السلام ـ من لحظة ميلاده إلي لحظة نجاته, بدءا باضطهاد ومطاردة فرعون وجنوده له ولقومه حتي نجاة موسي ـ عليه السلام ـ ومن معه, وإغراق فرعون وجنده في اليم أجمعين, وقد لعنهم الله ـ تعالي ـ في الدنيا, وجعلهم في الآخرة من المقبوحين. وامتدحت الآيات توراة موسي التي جعلها الله ـ تعالي ـ بصائر للناس وهدي ورحمة لعلهم يتذكرون.
وفي التأكيد علي أن قصص الأولين في القرآن الكريم مما يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية انتقلت الآيات بالخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ وذلك بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ له ولأمته وللإنسانية جمعاء:
وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلي موسي الأمر وما كنت من الشاهدين*ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين* وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون* ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين* فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسي أو لم يكفروا بما أوتي موسي من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون* قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدي منهما أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين* ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون*( القصص:44 ـ51).
وبعد ذلك تنتقل الآيات الكريمة(52 ـ55) من هذه السورة المباركة بالحديث عن أهل التوحيد من بقايا أصحاب الرسالات السابقة علي بعثة الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقد سبق لهم أن أخبروا باسمه, وصفاته, وبالأرض التي يخرج منها قبل بعثته الشريفة بقرون طويلة, فآمنوا به وبالقرآن الكريم الذي أنزل عليه, وفي ذلك تقول هذه الآيات:
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون* وإذا يتلي عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين* أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون* وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين*( القصص:52 ـ55).
وفي مواساة رقيقة لخاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ تخفف عنه كفر الكافرين, وشرك المشركين, وتنكر المتنكرين لبعثته الشريفة يقول له ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين (القصص:56). ثم تنعي الآيات(57 ـ59) من هذه السورة الكريمة علي كفار ومشركي قريش ادعاءهم الباطل بأنهم لو تركوا ما كان عليه آباؤهم من عبادة, واتبعوا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فإنهم يخشون اجتماع العرب عليهم لقتالهم وتخطفهم. وترد عليهم الآيات بأن الله ـ تعالي ـ قد جعل لهم الحرم آمنا رغم كفرهم وشركهم وابتداعهم في الدين, ورغم خروجهم علي ملة إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ وعن التوحيد الخالص لله ـ تعالي ـ إلي عبادة, الأصنام والأوثان, أو يعقل أن يتركهم يتخطفون من بعد عودتهم إلي دين الله واستقامتهم علي شريعته؟!.. وفي ذلك تقول الآيات:
وقالوا إن نتبع الهدي معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون* وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين* وما كان ربك مهلك القري حتي يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القري إلا وأهلها ظالمون*( القصص:57 ـ59).
وفي التأكيد علي تفاهة الدنيا الفانية إذا قورنت بالآخرة الباقية تقول الآيتان(61,60) من سورة القصص: وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقي أفلا تعقلون* أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين*( القصص:61,60).
وتستعرض الآيات(62 ـ67) من هذه السورة المباركة شيئا من الحوار الذي سوف يدور بين الذين اتبعوا والذين اتبعوا من المشركين في يوم الحساب, وتعقب بأن من تاب في الدنيا من شركه, وآمن بالتوحيد الخالص لله ـ تعالي ـ وعمل صالحا فلعل الله ـ سبحانه وتعالي ـ أن يقبل توبته, ويغفر زلته, ويقبله في زمرة المفلحين.
وتعاود الآيات(68 ـ70) توجيه الخطاب إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فتقول له:
وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالي عما يشركون* وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون* وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولي والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون*( القصص:68 ـ70).
وتنتقل الآيات(71 ـ73) من سورة القصص إلي التأكيد علي نعمة تبادل كل من الليل والنهار, فلولاها ما استقامت الحياة علي الأرض, وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ موجها الخطاب مرة أخري إلي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ليسأل كفار ومشركي قريش إن جعل الله عليهم أيا من الليل أو النهار دائما مستمرا بلا انقطاع إلي يوم القيامة هل يستطيعون العيش؟ فتقول:
قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون* قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون* ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون*( القصص:71 ـ73).
ثم تقرر الآيتان(75,74) من هذه السورة الكريمة حقيقة النداء علي المشركين في يوم القيامة, حين يناديهم الله ـ تعالي ـ علي رؤوس الأشهاد نداء التوبيخ والتقريع: أين شركائي الذين كنت تزعمون في الدنيا؟, ثم يخرج الله ـ تعالي ـ من كل أمة شهيدا منهم يشهد عليهم بأعمالهم ـ وهو نبيهم ـ وفي ذلك تقول هاتان الآيتان الكريمتان:
ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون* ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون* ( القصص:75,74). وتنتقل الآيات(76 ـ84) من سورة القصص إلي استعراض قصة( قارون) وذلك من أجل محاربة البطر, وللتحذير من الغرور بالدنيا, والطغيان بالمال, والإفساد في الأرض, ومن أجل التأكيد علي أن الله ـ تعالي ـ هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر, وأن الآخرة( الأبدية الخالدة ذات النعيم السرمدي) خير من الدنيا( المرحلية الفانية التي خاتمتها الموت) وفي ذلك تقول الآيات:
إن قارون كان من قوم موسي فبغي عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لاتفرح إن الله لا يحب الفرحين* وابتغ فيما آتاك الله الدار الأخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين* قال إنما أوتيته علي علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون* فخرج علي قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم* وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون* فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين* وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون* تلك الدارالأخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين* من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون*( القصص:76 ـ84).
وتختتم سورة القصص بخطاب موجه من الله ـ تعالي ـ إلي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ والخطاب إليه هو خطاب إلي أمته خاصة ـ وإلي الناس عامة ـ, وفي الخطاب وعد من الله ـ تعالي ـ بفتح مكة, وفي ذلك تقول الآيات:
إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدي ومن هو في ضلال مبين* وما كنت ترجو أن يلقي إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين* ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلي ربك ولا تكونن من المشركين* ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون*( القصص:85 ـ88).
من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة القصص: 1 ـ الإيمان بالله ـ تعالي ـ ربا واحدا أحدا, فردا صمدا, بغير شبيه, ولا شريك, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد; وتنزيهه ـ سبحانه وتعالي ـ عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله. والإيمان بأن الله ـ تعالي ـ هو الغفور الرحيم, الذي يهدي من يشاء إلي صراطه المستقيم. ويربط علي قلوب المؤمنين من عباده; وأن وعده حق, وأنه يخلق ما يشاء ويختار, وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر, وأن كل شيء هالك إلا وجهه الكريم ـ أي ذاته العلية ـ فهو الحي القيوم الدائم الباقي, يحد خلقه بحدود كل من المادة, والطاقة, والمكان, والزمان, وهو ـ تعالي ـ فوق ذلك كله, لأن جميع المخلوقات من بديع صنعه, والمخلوق لا يحد خالقه أبدا. ولذلك فالله ـ تعالي ـ منزه علي حدود المكان والزمان, والمادة والطاقة وعن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, وأنه ـ سبحانه وتعالي ـ له القضاء النافذ في جميع خلقه الذين حدد لكل منهم أجله, ورزقه, ثم إليه مرجعهم جميعا... وله الحكم وإليه ترجعون( القصص:70).
2 ـ التصديق بملائكة الله, وكتبه ورسله واليوم الآخر.
3 ـ اليقين في صدق الوحي, وبأن القرآن الكريم هو آخر ما حمل الوحي لهداية الخلق أجمعين, ولذلك تعهد الله ـ تعالي ـ بحفظه تعهدا مطلقا.
4 ـ الإيمان بوحدة رسالة السماء, وبالأخوة بين الأنبياء, وبين الناس جميعا, والتسليم بأن الشيطان هو للإنسان عدو مضل مبين, فلابد من معارضته وقهره.
5 ـ اليقين بأن الشرك بالله ـ تعالي ـ كفر به, وأنه من أخطر مداخل الشيطان إلي نفس الإنسان.
من الإشارات العلمية والتاريخية في سورة القصص: 1 ـ الإشارة إلي أن القرآن الكريم كتاب مبين, ودراسته تؤكد ذلك.
2 ـ ذكر تفاصيل كل من قصة نبي الله موسي مع فرعون وهامان وجنودهما, وقصة قارون مع قومه, وكلاهما من الإعجاز التاريخي في هذه السورة المباركة.
3 ـ وصف هلاك الأمم السابقة علي أنه كان ردا علي ظلم الكفار والمشركين من بينهم, والممارسات البشرية والأحداث المعاصرة تدعم هذه الحقيقة, وتبقي شاهدة عليها.
4 ـ الإشارة إلي أن الله ـ تعالي ـ يخلق ما يشاء ويختار, وأنه ـ سبحانه وتعالي ـ خالق كل شيء بعلمه وحكمته وقدرته التي لا تحدها حدود, ولا يقف أمامها عائق.
5 ـ التأكيد علي أن الله ـ تعالي ـ لا يخفي علي علمه شيء يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
6 ـ الجزم بأن الله ـ تعالي ـ له الحكم في كل شيء, وأن إليه يرجع كل شيء, وموت كل شيء من خلقه شاهد علي ذلك, وإقرار علم الفلك بضرورة وجود مرجعية للكون في خارجه تغايره مغايرة كاملة تؤكد حقيقة وجود الله ـ تعالي ـ وعلي تنزهه ـ سبحانه وتعالي ـ عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله.
7 ـ الإشارة بتبادل الليل والنهار إلي كروية الأرض, وإلي دورانها حول محورها أمام الشمس, وإلي ضرورة ذلك التبادل لاستقامة الحياة علي الأرض.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولذلك سوف أعرض في المقال القادم إن شاء الله إلي الإعجاز التاريخي في استعراض قصة نبي الله موسي ـ عليه السلام ـ مع فرعون وهامان وجنودهما وقد كانوا من الخاطئين. | |
| | | | النفاذ من أقطار السماوات والأرض ( أ.د . زغلول النجار ) | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|