قصة آدم عليه السلام
هذه القصة لها من المقومات التي تجعل كل مسلم حق يتوقف عندها بالتدبر والتأمل وأخذ العبرة والإتّباع وإلى غير ذلك, لكن في الحقيقة يجب أن نقرأ القرآن بنظرة تدبرية أكثر مما نظن. عندما نريد أن نبدأ قصة آدم عليه الصلاة والسلام لا نقول نبدأ من قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)) ولكن هناك آيتان قبلها يوضح الله تعالى كُنه الحق في الخلق (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)) هذه الآيات تتكلم عن الخلق. عندما تسمع كلمة (كيف) هي في اللغة للسؤال عن الحال لكن هل يسأل الله تعالى عن الحال؟! لا يمكن لأنه هو سبحانه وتعالى أعلم فلا بد أن لها هنا وقع. الذي يسأل الله تعالى (استفهام للتعجب) كيف يحدث هذا؟ الكفر بالله يستحيل مع تدبر الخلق. كيف يكفر إنسان بالله تعالى وهو يرى بعيني رأسه الموت؟! لما تتدبر الآيات (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم) أمواتاً قبل الخلق. في الآية موتان وحياتان (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) غافر): الموتة الأولى قبل خلق آدم ومعه الذريه (عالم الذرّ للذرية من ظهر آدم) وآدم ليس في عالم الذر لأنه خُلِق من تراب + ماء – طين – صلصال – حمأ مسنون – فخار – روح. ونحن هنا نصحح ما نسمعه ولا يليق: يقولون أننا خلقنا من عدم وهذا خطأ نحن خُلِقنا من تراب فيكف يقال من عدم؟ مرحلة العدم لا تجوز في وجود الحق تبارك وتعالى. العدك كمة يقصدون بها الموتة الأولى (كنتم أمواتاً) تراب لا حياة فيه لأننا من تراب "كلكم لآدم وآدم من تراب" الفترة لا تكون عدماً. هناك خطأين: أننا مخلوقين من عدم ونحن من تراب ومرحلة العدم غير منطقية في وجود الإله الحق. الله تعالى أزلي. أهل اليمن عندما ذهبوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في أدبهم قالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر (أي نريد أن نعرف كيف تم الخلق؟ وكيف بدأت الحياة؟) الرسول صلى الله عليه وسلم نهانا عن جزئية أن يطلق الإنسان العنان لنفسه فيسأل نفسه الله خلق كذا وكذا وكذا وكذا فمن خلق الله؟ قل حاشا لله. وهنا أسأل هل الله موجود؟ هذه كلمة يجب أن تُحذف من القاموس ويجب أن نقول الله واجب الوجود. لو قلت موجود سيكون هناك من أوجده وهذا الذي جعل إبراهيم عليه السلام يقول لا أحب الآفلين لأن الإله لو تغيّر فله مُغيّر وهذا المُغيّر أولى بالعبادة. الله تبارك وتعالى واجب الوجود. قال الرسول صلى الله عليه وسلم في جوابه على سؤال أهل اليمن: كان الله ولم يكن قبله شيء وكان عرشه على الماء. أي إجعل بداية تفكيرك الله تعالى. العدم مرحلة لا نفكر فيها لأنها ليست موجودة وغير منطقية. آدم لم يُخلق من عدم وإنما من تراب إذن من شيء موجود. الله تعالى حدد (إني خالق بشراً من طين) مع وجود الله تبارك وتعالى كل شيء ممكن. عندما يقول تعالى (إني خالق بشراً من طين) لم يقل من عدم فعلينا أن لا نعطي فرصة لأفكارنا أن تذهب في مكان غير صحيح.
الموتتان (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً) كنتم تعني موجودين، وكنتم أمواتاً (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (له) تفيد أن الشيء موجود أنت لا تراه هذا أمر آخر. الأشياء عند الله تعالى أزلية. طفل كان يناقش أحد الفلاسفة والفيلسوف يقول ربنا غير موجود فيقول أنا أرى المنضدة فهي موجودة وأرى الكرسي فهي موجودة فأين الله؟ فقال الطفل: أين عقلك؟ لو قال الفيلسوف غير موجود يكون مجنوناً، وأين روحك؟ يُستدل على الشيء بأثره لا بروايته.
الموت مخلوق قبل الحياة لتربص بكل حيّ حتى تتحقق الموتة الثانية (ثم يميتكم) البديع في أمر الإله الحق أنه خلق الموت وجعله يتربص بكل مخلوق حيّ حتى النبات والحيوان. الله تعالى حينما خلق كتب الفناء على جميع خلقه وأوجب الوجود لعظمة ذاته. ولو تدبرت القرآن لوجدت هذا المعنى (كل من عليها فان) وأوجب الوجود لعظمة ذاته (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، كتب الموت على جميع البشر (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) وأردف (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة). كلما كتب فرع الموت على مخلوق أوجب الوجود فوراً لعظمة ذاته: (كل شيء هالك إلا وجهه) كلما تسمع موت أو فناء أو هلاك إلا ويأتي بعدها ما يوجب الوجود لعظمة ذاته.
علاقة هذا بخلق آدم لأنه سيبدأ الخلق. هذه الآية واجبة الذكر (أحياكم) بخلق آدم (إني جاعل في الأرض خليفة). وقبل أن خلق تعالى آدم أعدّ الأرض لإستقباله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)) خلق الله تعالى قبل آدم أرضاً تُقِلّ وسماء تُظِلّ إستعداداً لإستقباله. القضية في خلق آدم u (وإذ قال ربك للملائكة) أي أُذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة كأنها من قصص القرآن التي يسمعها الرسول صلى الله عليه وسلم وحياً ولنا فيها العِبرة والأسوة يجب أن نقرأها لنفيد منها وبها.
عندما أقرأ القرآن لماذا قال تعالى للملائكة والجن كان موجوداً قبل آدم (والجان خلقناه من قبل من نار السموم)، لماذا الملائكة؟
لأن الملائكة سيكون لها مع الإنسانشؤون فمنهم المدبرات أمراً ومنهم الحفظة ومنهم أمين وحي السماء إلى الأرض ومعه التشريفة وملك الموت. الملائكة لها مع الإنسان شأن لذا كان الكلام من الله تعالى للملائكة خصوصاً لأنهم سيتعاملون مع الإنسان. يعض الناس يقول الولى تعالى إستشار الملائكة وهذا كلام عيب في حق المسلم الحق لأنه يجب أن يتمسك بالنص القرآني بصحيح التفسير.
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة): آدم خُلِق للأرض وهذا أول إخبار عنه أنه في الأرض والجنة في الأرض لأنها لو كانت جنة الخلد ما خرج منها. كلمة خليفة: الآية تقول بوضوح (خليفة) هل هو آدم أو آدم وذريته؟ يجب أن نفهم أنه آدم والذرية. كلمة خليفة أسأل الله تعالى أن يرحم علماءنا الذين وقفوا على معاني الكلمات. خليفة لمن؟ يقال فيها كلمة كلمة ما يجب أن تُقال وهي "خليفة الله". إذا عرّفنا الخليفة لغة: قال الرازي: من يخلف غيره ويقوم مقامه بعد موته أو غيابه أو سفره أو إنتقاله من مكان لآخر وهذا لا يتحقق مع الله تعالى. كلما سمعت رب العالمين يحب أن تقول (ليس كمثله شيء). بعض الدعاة قال آدم خليفة الله كما أن أبو بكر خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم . هذا لا ينفع ويجب إعادة النظر فيه من المسلمين.
خليفة: تعني خليفة على رأس ذرية يخلف بعضها بعضاً ورحم الله تعالى الدكتور عبد الجليل عيسى عندما عرّف الكلمة خليفة (أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً) لا يجوز أن يكون لله خليفة وهذا مستحيل. قال تعالى (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) خلائف أي يخلف بعضهم بعضاً. عندما قال الرازي عرّفوا الخليفة عرّفها من اللسان لإبن منظور وغيره ولا يجوز أن تطلق شيئاً على البشر وتطلقه على الله تعالى.
إذا أعربنا كلمة خليفة فهي مفعول به لإسم الفاعل الله. لم يقل الله تعالى خليفة لي. الخطأ الشائع يستقر في الأذهان. من قال خليفة لله؟ مفسّر واحد قالها والكل تبعه لكن أهل اللغة قالوا خليفة بمعنى ماذا؟ هل يخلف الجن الذين كانوا على الأرض قبله؟ قد نوافق عليه لكن أن يكون خليفة الله هذا لا يجوز لأنه تعالى (ليس كمثله شيء). الخليفة نتيجة عدم الهيمنة على كل الأمور. المهيمن هل يحتاج إلى خليفة؟! كلا. نأخذ النص القرآني كما هو. الشنقيطي فسّر القرآن بالقرآن واستخدم العديد من الآيات في تفسير هذه الآية. عندما يُنجب أحدهم مولوداً يقال (خلّف) في لغتنا، هذا في حق البشر لكن في حق الله تعالى فهي مستحيلة.
(قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ): أقرب خلق يعرف كُنه الإله الحق هم الملائكة. هل خليفة الله يُفسد؟ هل إذا فهمت الملائكة هذا المعنى هل تسأل الله تعالى هذا السؤال؟ (واستخلفكم) (مستخلفين) من قِبَل الله تعالى لكم يخلف بعضكم بعضاً. الذي لا يخلّف يقال له أبتر لأنه لا يُنجب ولأن الذرية انقطعت عنده فليس له خليفة.
(قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ): هل خليفة الله بالمعنى الذي يقال يُفسد؟ ما قالت الملائكة هذا إلا لأنها فهمت أن خليفة تعني يخلف بعضهم بعضاً. يستحيل أن المولى تعالى يكون مثلنا وعندما نسمع كلمة الله يجب أن نفهم أنه (ليس كمثله شيء). إذا دخلت مسجداً تجد على الجدران مكتوب: الله، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، هذا لا ينفع ولا يليق والله تعالى لا يوضع على قدم المساواة مع البشر. ومحمد صلى الله عليه وسلم ما رضي بذلك. محمد صلى الله عليه وسلم ليس كأحد الناس وليس كأبي بكر وإنما هو بشر يوحى إليه فهو في منزلة خاصة أعلى من البشر وهنا يجب أن نرسم الحدود. الله تعالى ليس كمثله شيء ومحمد صلى الله عليه وسلم (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ).