تحقيق أهداف التربية الإسلامية من خلال تدريس مادة الكيمياء .
للتربية في كل مجتمع من المجتمعات أغراض وأهداف وغايات يسعى المربّون لتحقيقها انطلاقاً من المعتقدات والفلسفات المنبثقة عن الأسس الفكرية لهذه المجتمعات. ولعل أسمى هذه الغايات وأعلاها في التصور الإسلامي : صياغة الناشئ المسلم في المجتمع الإسلامي صياغة تتناسب مع النموذج الإسلامي الأمثل, النموذج المستحق للخلافة في الأرض .
قال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) سورة فصلت
وفي ظل التخلف والضعف الذي أعتور المجتمع الإسلامي , تظهر الحاجة ماسة وملحة للتربية الإسلامية لانتشال الناشئة من بين خضم التيارات التربوية المتلاطمة ، والتي تبحث الأمة من خلالها عن هويتها وسعادتها في الشرق تارة وفي الغرب تارات أخرى , والحل والخلاص بين ظهرانيها .
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ *** والماء فوق ظهورها محمول
كيف لا تكون التربية الإسلامية هي الحل وهي تستمد ماء حياتها من مصادر ربانية . قال تعالى : { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (22) سورة الملك
ويقول صلّى الله عليه وسلم : "تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا, كتاب الله وسنتي " ونحن عندما نطالب وننادي بتربية الناشئة تربية إسلامية ، فإننا لا ننادي بتوجهات وتصورات نظرية مجردة , بل أننا ننادي بتطبيق منهج صالح لكل زمان ومكان أشرقت أنواره على أرض الواقع , منهج جعل من الأمة العربية خير أمة أخرجت للناس . ولتحقيق هذه الغاية يجب أن تتضافر الجهود من كافة الجهات المعنية بالتربية , فالمنزل والمسجد والمدرسة ووسائل الإعلام المختلفة يجب أن تضطلع كل جهة بمسؤولياتها على أكمل وجه. وفي المجتمع المدرسي حيث يقضي الناشئة في المدرسة معظم ساعات اليوم لمدة اثني عشرة سنة من عمر الفرد يظهر الدور المؤثر للمدرسة في حياة الناشئة من خلال المعلم القدوة والمناهج المقرّرة والأنشطة المختلفة . والمهمة منوطة بكل المعلمين في كافة التخصصات وليست قاصرة على معلمي المواد الدينية فقط فمعلم مادة الكيمياء يمكن أن يكون له دور مؤثر في تحقيق أهداف التربية الإسلامية فدراسة مادة الكيمياء في مراحل التعليم العام يجب ألا تقتصر على شرح المادة العلمية فقط بل لابد وأن تتضامن هذه الأهداف مع الأهداف السامية للتربية الإسلامية وفي مايلي سأحاول أن أشير إلى دور معلم مادة الكيمياء في تحقيق أهداف التربية الإسلامية :
أولاً: علم الكيمياء علم يهتم بدراسة تركيب المادة وخواصها وطرق تحليلها والتغيرات التي تطرأ عليها. المادة التي هي كل شيء خلقه الله عز وجل في هذا الكون. فلئن كانت علوم الشريعة تبحث في قرآن الله المسطور فإن العلوم الطبيعية تبحث في قرآن الله المنظور (الكون).
ثانياً: من أهداف دراسة مادة الكيمياء والتي قد تشترك فيها كل التوجهات التربوية مايلي :
1- الارتقاء بفكر الناشئ من خلال ما يتلقاه من معارف, وما يقوم به من محاولات لإيجاد حلول للمشاكل التي تعترضه .
2- تدريب الناشئ على اكتساب المهارات التعليمية المختلفة ابتداء بمهارة التذكر والفهم ومروراً بمهارات التطبيق والتحليل إلى أن تصل إلى القمة والتي تتمثل بقدرة الطالب على التقويم.
3- إكساب الناشئة أساسيات في العلوم الطبيعية, وتكوين بنية صلبة لمن يريد استكمال دراسته في مجال الكيمياء.
4- إدراك حاجة الأمة الملحة اليوم إلى العلوم الطبيعية متمثلة في حاجة المجتمع للتطبيقات والصناعات الحديثة ذات الصلة الوثيقة بحياة الفرد, كصناعة البترول والبتروكيميائيات- اللدائن والألياف الصناعية- الأسمنت والمعادن- الزجاج والحراريات - الصابون والمنظفات- الأدوية والعقاقير- المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية.......الخ.
5- تدريب الطلاب على بعض المهارات الحركية اليدوية من حيث التعامل مع الأدوات والمواد الكيميائية وذلك من خلال إعطائهم الفرصة لإجراء بعض التجارب العلمية المقررة.
ثالثاً: بالرغم من أهمية الأهداف السابقة والحاجة إليها إلا أن أهداف التربية الإسلامية تظل الأكثر أهمية . ومن واجب معلم الكيمياء المسلم المساهمة في تحقيقها من خلال ما يقدمه للطلاب من معارف وما ينقله إليهم من معلومات.
وفيما يلي بعض النقاط التي قد تساهم في تحقيق هذه الأهداف:
1- التأكيد للناشئة أن كل ما يدرسونه من قوانين وحقائق ثابتة إنما هي من خلق الله .
قال تعالى
الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل) الزمر63
فعندما يدرس الطالب قانون حفظ الكتلة مثلا والذي ينص على أن: كتل المواد الناتجة في أي تفاعل كيميائي تساوي كتل المواد المتفاعلة يجب أن يدرك الطالب أن هذا القانون هو أحد القوانين الربانية في منظومة القوانين الكونية, فالله الذي خلق بني آدم من ذكر وأنثى, وخلق السماوات والأرض والأشجار والأنهار والجبال. هو الذي خلق قانون الجاذبية, وقانون الغازات, وقانون حفظ الكتلة. وبهذا يستشعر الطالب عظمة الخالق سبحانه ويؤمن إيماناً راسخاً بوحدانيته.
2- الإشارة إلى أن هذه القوانين والحقائق العلمية خلقت لغاية وهدف وأنها سبب في استمرارية الحياة على وجه الأرض, وعندما يأذن الله بنهاية هذا العالم تنهار كل هذه القوانين استعداداً لحياة أخرى ذات قوانين مختلفة. وهنا يغرس المعلم في قلوب الناشئة بذرة الإيمان باليوم الآخر والاستعداد ليوم الميعاد بالصالح من الأعمال.
3- التنبيه إلى أن القوانين الكونية مسخرة للإنسانية عامة وأن الله عز وجل يكشفها بحكمته لمن بحث وعمل وجد واجتهد كائناً من كان, مسلماً أو كافراً لتكون عوناً للإنسان على عمارة الأرض.
قال تعالى{اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ} (32) سورة إبراهيم
فعندما يشرح المعلم الدرس المتعلق بخواص المركب مثلاً فإنه يشير إلى تسخير الله عز وجل للإنسان غازي الهيدروجين والأكسجين المكونين للماءً وكيف أن الهيدروجين غاز قابل للاشتعال ، وغاز الأكسجين يساعد على الاشتعال ، بينما الماء المركب منهما لا يشتعل ولا يساعد على الاشتعال, فينمي المعلم بهذه الأمثلة حب الله في قلوب الناشئة ويعلمهم الشكر على نعم الله.
4- كل القوانين والحقائق العلمية خاضعة لسنن الله عز وجل وفق أقدار قدرها سبحانه, فهي إذاً قوانين محكومة بأمر الله ليس لبشر عليها سلطان.
قال تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (63) سورة الزمر
وهنا يستشعر الطالب العزة في دين الله, فلا يخضع لمخلوق ولا يخاف إلا الله.
5- الكون وما فيه من مخلوقات يسير وفق نظام محكم وتوازن متقن.
قال تعالى : {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (88) سورة النمل
وعلى المعلم أن يشير إلى هذا عند دراسة المواضيع المتعلقة بقانون التوازن ويلفت نظرهم إلى النتائج الناجمة عن الإخلال في هذا التوازن من تلوث في البيئة فيصور لهم مثلاً الخطورة الناتجة من اختلاف نسبة غاز الأكسجين في الهواء الجوي. وبهذا يدرك الطالب جمال هذا الكون, فينطلق مسبحاً بحمد الله محافظاً على جماله وبهائه ونظافته.
6- الإنسان لم يصل بعد إلى كل القوانين الكونية و أن المجال متاح لكل من أراد البحث والكشف عن مزيد من الحقائق العلمية. فيولد بهذاالمعلم الدافع للتعلم لدى الطلاب ويشحذ هممهم على التفكر والبحث, والجد والاجتهاد في التحصيل .
7- لم يخلق الله عز وجل هذه القوانين إلا لخير البشرية وعندما يسيء الإنسان استخدام تطبيقاتها فيستخدمها للشر, فقد انحرف عن الطريق الذي أراده الله. وهنا يحاول المعلم إبراز الوجه المضيء للحضارة الإسلامية. حضارة البناء لا الهدم, الإصلاح لا الفساد, العمار لا الدمار.
قال تعالى : {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (205) سورة البقرة
8- إبراز دور العلماء المسلمين وبيان إسهاماتهم في تقدم العلوم الطبيعية, فيحث الطلاب على الإقتداء بأولئك الأخيار الأفذاذ والسير على نهجهم في الصبر والمثابرة وحسن استغلال الأوقات.
9- الإشارة إلى الإعجاز العلمي في القرآن الكريم, وتذكيرهم بقوله تعالى : {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (93) سورة النمل
إن المهمة الملقاة على عاتق المعلمين اليوم لهي مهمة شاقة, في ظل ما يعاني منه كثير من أبنائنا من تدني في الأخلاق وتدني في مستوى التحصيل الدراسي. ولكنها تهون في سبيل تربية الناشئة تربية إسلامية تعيد للأمة مكانتها وكرامتها.
{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة التوبة
رد مع اقتباس