من المسئول الآن عن تعطيل المشروع الذى تقدم به الدكتور أحمد زويل عقب فوزه بجائزة نوبل إلى الرئيس مبارك، وكان عبارة عن مشروع قومى متكامل لنهضة العلم والتعليم؟، هل هى الدولة أم الدكتور زويل نفسه؟
السؤال مطروح منذ سنوات، وتجدد بعد حواره الشامل والمطول مع قناة دريم فى الأسبوع الماضى مع الإعلاميين محمود سعد ومنى الشاذلى.
لم يتطرق الدكتور زويل فى الحوار كثيرا إلى العراقيل التى قابلت مشروعه، وتحدث أكثر عن الشروط الواجب توافرها لإحداث النهضة العلمية المأمولة، وحددها فى ثلاثة هى، الرؤية والتصورات وقال عنها أنه وغيره من العلماء المعنيين هم الذين يضعونها، أما الشرط الثانى فحدده فى ضرورة وضع دستور أو قوانين خاصة لتفعيل هذه الرؤية، مشيرا إلى أنه ليس من المنطقى أن ينتظر العالم أو الباحث الذى يعمل فى هذه المنظومة ترقيات تقوم على بيروقراطية يجب أن لا ينشغل العالم بها، أما الشرط الثالث فحدده فى ضرورة توفر البنية التحتية التى تكفل للعلماء والباحثين العمل، وقال إنه ليس من وظيفته مثلا جمع التبرعات لصالح هذا المشروع.
وبين ما قاله زويل من شروط، ووقائع تقديمه لمشروعه إلى الرئيس مبارك، والوضع الآن، جرت مياه كثيرة أبرزها وأهمها على الإطلاق ان زويل الآن أصبح مستشارا للرئيس الأمريكى أوباما، فهل يعد ذلك مستجدا من شأنه أن يعطل حماس البعض وعلى رأسهم رجل الأعمال الدكتور محمود عمارة الذى يتبنى الآن مبادرة إعادة ضخ المياه إلى المشروع الذى تقدم به إلى الرئيس مبارك، لكنه ينتظر كلمة الفصل من الدولة وزويل فى آن واحد؟.
فلنعد إلى القصة من بدايتها وبتتبعها ربما يظهر الخيط الأسود من الأبيض فى الموضوع، وتنتهى قصة هذا الحلم إما بإغلاقه نهائيا وكفى الله المؤمنين شر القتال، والتفكير فى حلم آخر ربما لا يقابل ما قابله هذا المشروع.
فى قصة مشروع زويل تداخلات كثيرة منها ما هو بيروقراطى، ومنها ما هو سياسى، ومنها ما هى وقائع تخضع لتفسيرات متعددة، ربما من بينها الخوف المبكر من أن يكون المشروع مدخلا إلى مطامح سياسية للرجل بالرغم من تأكيده أنه رجل علم وليس رجل سياسة، وأن كل طموحه ينحصر فى المزيد من الإنجازات العلمية.
فى بدء القصة.. تقديم زويل للمشروع للرئيس مبارك، تلاه خطوات متحمسة من الدولة، وبعد الحماس حل الفتور، والفتور كشف عنه زويل نفسه فى حوار له مع مجدى الجلاد رئيس تحرير «المصرى اليوم» ونشرته الجريدة فى شهر أبريل عام 2004، قال زويل إنه وبعد فوزه بجائزة نوبل ومقابلتى للرئيس مبارك توصلت إلى فكرة مشروع قومى متكامل لنهضة العلم والتعليم، غير أن الموضوع دخل بعد ذلك فى مساحة البيروقراطية، فالبعض رأى أن خطتى طموحة أكثر من اللازم، مع أن أى إنجاز يبدأ بالحلم والطموح، وأضاف زويل أن الرئيس مبارك عندما عرضت عليه المشروع قال لهم إنه مشروع جيد، ولكننى أعتقد أن الدوائر من حوله لم تكن تريد تنفيذ المشروع.
كان المشروع كما شرح زويل ينص على أنه غير قابل للربح، غير قابل للقوانين البيروقراطية، وأن يكون التخطيط العلمى مسئوليته الشخصية، ويقول زويل عن لقائه مع رئيس الوزراء والذى جاء بعد لقائه مع الرئيس مبارك:« كنت واضحا مع رئيس الوزراء فى الفكر والتنفيذ، وحضرت إلى مصر أكثر من مرة على نفقتى الخاصة، ولم يدفع لى أحد جنيها واحدا، وفى كل مرة كنت أحضر يتم تأجيل البدء فى التنفيذ، وبعد فترة قرر رئيس الوزراء البدء، وتم تخصيص المكان وتعاقدنا مع المهندسين، وفجأة تم إلغاء المشروع».
وأوضح زويل الأسباب بقوله: «قالوا إن المبنى طلع أثرى، ثم قالوا سنعطيكم مكانا آخر، وفوجئنا أنه طابق فى مبنى، وطبعا هذا لا يليق، والغريب أن رئيس الجمهورية أمر رئيس الوزراء بتذليل العقبات، ورئيس الوزراء قام بإحالة الأمر إلى مجموعة وزارية، فوصله على ما يبدو تقرير يوصى بأنه لا داعى لهذا المشروع، ويجب التركيز فى هذا الجانب على الجامعات الخاصة، وبدأت المسألة تستهلك الوقت، وطبعا أنا ما عنديش وقت أضيعه، فرجل فى وضعى حياته محسوبة، فعندى جهدى العلمى».
القصة شملت رؤساء وزراء فى مصر.. بدأت فى عهد الجنزورى، وماتت فى عهد عاطف عبيد، وتحمل عبء توضيح الموقف الدكتور أحمد نظيف الذى قال خلال لقائه بالشباب المشاركين فى معسكر أبوقير بالاسكندرية فى يونيه عام 2007: «زويل وعد بتمويل فكرته عبر جهات معينة، لكنه لم يستطع الوفاء بذلك فتوقف المشروع»، وأضاف نظيف: «قضية البحث العلمى أكبر من مشروع زويل، وندرس حاليا إعادة هيكلة البحث العلمى بعد إنشاء صندوق لتمويله».
تحدث زويل عن إعادة هيكلة البحث العلمى فى عام 2007، ونحن الآن فى عام 2010، ولم نشهد الهيكلة، ولم نشهد أى جديد فى البحث العلمى، ومن هذه النقطة نقفز مباشرة إلى الجديد فى الجدل حول الموضوع، والذى يشهد متغيرات بعد حواره مع قناة دريم، فما هى هذه المتغيرات؟.
رأس الحربة فى تلك المتغيرات هو الدكتور محمود عمارة رجل الأعمال المعروف والذى بادر بعد استماعه لحوار زويل مع دريم، وكما أوضح الكاتب سليمان جودة فى المصرى اليوم، بالاتصال بعدد من رجال الأعمال وبالدكتور هانى هلال وزير التعليم العالى والبحث العلمى.
أراد عمارة وضع النقاط على الحروف، أما النقاط والحروف فتتمثل فى سؤال محدد وجهه عمارة إلى هلال وهو: هل الرئيس حسنى مبارك ضد مشروع زويل؟ هل الدكتور مفيد شهاب ضد المشروع؟، والمجىء باسم الدكتور مفيد يعود إلى أنه الذى تم تحميله كل مسئولية العراقيل بوصفه كان وزيرا للتعليم العالى والبحث العلمى وقت عرض زويل لمشروعه على الرئيس مبارك.. المهم أن عمارة حصل على إجابة من هانى هلال بأن الرئيس مبارك لم يكن أبدا ضد المشروع وهو متحمس له، ونفس الأمر مع الدكتور مفيد شهاب، ومع هذه الإجابة تفتحت شهية محمود عمارة فتحدث مع عدد من رجال الأعمال الكبار مثل صلاح دياب ودكتور سيد البدوى مالك تليفزيون الحياة، بالإضافة إلى الدكتور حسام بدراوى لـتأسيس مبادرة منهم تعود بالمشروع إلى الحياة من جديد، مبادرة تقوم على التبرعات المالية من عدد أوسع من رجال الأعمال يصلون إلى 300.
الفكرة تطورت لأن يكون لها ما يمكن تسميته بهيئة تأسيسية أو تنسيقية تتحمل العبء فى الترويج والإقناع، ووصل العدد المقترح لهذه الهيئة إلى 10 أسماء لهم رصيد شعبى محترم مثل الدكتور أحمد جويلى وزير التموين الأسبق والأمين العام الحالى لمجلس الوحدة الاقتصادية العربى، والمهندس عصام شرف وزير النقل الأسبق.
عموم الفكرة وليس تفاصيلها عرضه الدكتور محمود عمارة على الدكتور هانى هلال وكان رده على النحو التالى:
«اعملوا جمعية واستلموا الأرض المخصصة للمشروع من بكرة.. وأى جنيه هتدفعوه هيكون مقابله جنيه من الدولة.. واعزمونى كل شهر علشان لو فيه ورقة متعطلة أخلصها فى الحال».
رد وحماس هانى هلال يطرح معه سؤال جوهرى.. هل هى وجهة نظر الدولة بالفعل أم هى فورة حماس من الرجل؟، وإذا كانت هى وجهة نظر هانى هلال فقط، فهذا يعنى أن زويل على حق، أما إذا كانت وجهة نظر الدولة فهذا يعنى أن انتفاضة رجال الأعمال المهمومين بالأمر قد آتت ثمارها.. والسؤال.. ماذا عن الباقى فى الموضوع حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود كما قلنا فى البداية؟.
الباقى عند الدكتور زويل نفسه فقيمة ما حدث أنه ينطبق عليه المثل القائل: «آدى الجمل وآدى الجمال»، الجمل ممثل فى مبادرة رجال الأعمال وتسهيلات الدولة طبقا لما قاله هانى هلال، والجمال هو الدكتور زويل الذى من المفترض أن يقود الجمل، والمطلوب الآن هو أن يقول زويل كلمته، ففى القول فوائد أهمها إما أن يرحب بتلك التحولات وتعود الحياة لهذا الحلم، وإما أن يعترف بأن هناك مستجدات تعرقل العودة لتبنى المشروع، ودون أن يذكرها علينا نحن أن نفهمها فالرجل لم يعد كما كان وقت حصوله على نوبل، فهو الآن مستشار لأوباما وهذا جديد علينا أن نضعه فى الحسبان، ونندم على الفرصة التى أهدرها مسئولون وقت أن كان الرجل متحررا من قيود وظيفة مستشار لأوباما.