هو وزير سابق للرى بإحدى دول منابع النيل (طلب عدم ذكر اسمه) لخطورة «الأسرار» التى كشفها لى عن حقيقة ما جرى، وما يجرى من «ألاعيب» هناك، ولا يعرفها سوى بعض أجهزة المخابرات!!
ونبدأ الحوار بالسؤال الأول:
هل «إسرائيل» فعلاً هى سبب كل هذه «القلاقل» التى يمكن أن تؤدى إلى صراع ينتهى بـ«حروب» بين مصر، وبعض دول المنبع، إذا لم نصل إلى «صيغة توافقية» ترضى جميع الأطراف؟
قال: دعنى أتحدث معك بصراحة مطلقة، وبدون زعل (وأنت تعرف موقفى المؤيد لمصر)..، فأنتم أحياناً «تكذبون» وتصدقون أنفسكم، ومعظم أخطائكم تعلقونها على شماعة إسرائيل!!
سألته: وما أخطاؤنا يا معالى الوزير؟
أولاً: مصر فى العشرين سنة الأخيرة لا ترسل إلى أفريقيا إلا «السفراء» المغضوب عليهم.. وهؤلاء يأتون إلى بلادنا محبطين.. وبما أن إمكانياتهم محدودة.. وحيث إن بعضهم «باعترافهم فى الكواليس» ريقهم نشف من الكلام مع كبار المسؤولين لديكم بأهمية الدعم والمساعدات والتعاون،، ولا أحد يجيبهم، ففقدوا الأمل وأغلقوا الأبواب والشبابيك ولم يعد لهم نشاط فاعل!!
ثانياً: أيام «عبدالناصر».. كان لكم تواجد ملموس، وحضور قوى.. وكنتم تساعدوننا، وتحيطوننا بالرعاية والحب، والاحترام.. ولهذا كانت الشعوب الأفريقية تتغنى باسم مصر.. أما الآن فلم يعد لكم هذا التواجد.. وحتى العلاقات التجارية فهى شبه مقطوعة إلا قليلاً.. والدليل أنكم تستوردون «اللحوم» من البرازيل، وأستراليا، وأمريكا، وحتى من الهند.. رغم أن لحومنا أرخص والجودة أعلى، ولكنكم تركتم «مافيا» اللحوم تمنع دخول منتجاتنا..
وآخر ما حدث فى صفقة «اللحوم» التى تم تركها عمداً على ممر هبوط الطائرات فى عز الحر بمطار القاهرة.. وعرقلة إجراءات الحجر البيطرى بإيعاز من محتكرى استيراد المواد الغذائية فى مصر.. فماذا نقول لشعوبنا وهى ترى «إسرائيل».. تقدم لنا المنح الدراسية، والخبرات فى مجالى الرى والزراعة، وتفتح لنا الأسواق العالمية وتساعدنا فى تدريب وتأهيل التقنيين والفنيين.. ونعلم أنهم «طامعون» فى «حصة» من مياه النيل، ولنقل الصراع العربى - الإسرائيلى إلى حوض النيل بسياسة تسمى «شد الأطراف»!!
و«ليبيا».. التى نجح فيها القذافى بالمساعدات، والمنح، والهدايا لشيوخ القبائل حتى انتخبوه «ملك ملوك أفريقيا» بعد أن أنشأ الاتحاد الأفريقى، وأسس مجموعة الساحل والصحراء من ٢٥ دولة.. ونعلم أن «ليبيا» أيضاً طامعة فى «حصة» من مياه النيل، ولهذا تقدمت بطلب رسمى للانضمام إلى مفوضية دول حوض النيل!!
وهناك «إيران» التى تسللت لنشر الفكر الشيعى، ولاستخدام منابع النيل كورقة ضغط ربما تساعدها فى تحقيق حلم التوسع الفارسى!!
والآن «تركيا» التى تعظم قوتها الناعمة لتحقيق حلمها فى عودة الإمبراطورية العثمانية بمد نفوذها فى القارة الأفريقية!!
و«السعودية» مع بعض دول الخليج القاحلة ذهبت لشراء ملايين الأفدنة تأمينا لغذائها بعد انتهاء البترول، ولهذا أهدتنا مركزاً إقليمياً لعلاج الأطفال، وعقدت الشهر الماضى مؤتمرا ضخما لدول المنبع حضره: «رئيس أوغندا، رئيس الصومال، رئيس وزراء إثيوبيا، ورئيس وزراء إريتريا» ووعدت بتقديم المعونات والمساعدات، وأنتم متخاذلون!!
ثالثاً: غياب الشؤون الأفريقية عن الإعلام المصرى وتجاهله التام لقضايانا، وما يحدث عندنا من تنمية، مما جعل رجل الشارع المصرى ينظر إلينا باستعلاء، وكأننا قرود أو نسانيس تعيش فى الأدغال!
رابعاً: ولغيابكم، وبعدكم عنا.. استغل بعض السياسيين الأفارقة فكرة أن مصر تأخذ مياهنا مجاناً، ولا تعطينا شيئا فى المقابل.. فسلَّطوا عليها الأضواء للفت نظر شعوبهم إلى «عدو خارجى»، لينسوا مشاكلهم الداخلية الناجمة عن «الفساد المستشرى، وحكم الأقليات»، وهذا المناخ العدائى لكم خلق بعض الزعامات الانتهازية المتاجرة بالشعارات للوصول إلى مناصب أعلى (وزير الرى التنزانى انتهج هذا المنهج فأصبح رئيساً للوزراء)!!
سؤالى الثالث:
إذا كانت هناك أمطار بمعدل ألف وستمائة مليار متر مكعب سنوياً.. وكل ما يصل نهر النيل منها فقط هو ٨٤ ملياراً وحصة السودان ١٨ ملياراً، ويتبخر من بحيرة ناصر ٦.٥ مليار) وتحصل مصر على ٥٥.٥ مليار.. فأين المشكلة؟
المشكلة أن بعض هذه الدول ترى أن من حقها الحفاظ على ثروتها الطبيعية لنفسها.. وبالتالى هى تطمع الآن فى اقتطاع عشرين أو حتى عشرة مليارات ليبيعوها إلى «ليبيا»، أو إسرائيل أو حتى لمصر، ولو بدولارين للمتر، وربما بخمسة أو عشرة دولارات بعد عشر سنوات، عندما تصبح المياه أغلى من البترول واحسبها أنت!!
وكان سؤالى الأخير: ما الحل فى رأيك؟
(١) الاستثمار المباشر بدول المنبع، خاصة فى السودان - إثيوبيا - أوغندا، لأن هذه الدول الثلاث هى التى تمد النيل بـ٨٥٪ من مياهه، بالإضافة إلى الدول التى يصل منها الـ١٥٪ الباقية وهى (تنزانيا- كينيا - رواندا - بروندى - الكونغو، والأهم «جنوب السودان».. الذى أوصيكم به خيرا.. فجنوب السودان الذى سينفصل عن السودان قريبا به إمكانيات إذا نجحت مصر فى استغلالها بإقامة مشروعات فيمكن أن توفر لمصر ١٨ مليار متر مكعب سنوياً، زيادة على حصتها الحالية، ولا تنسوا قناة جونجلى التى ستوفر لكم ٤ مليارات، ولكنها متوقفة الآن بسبب الحروب!! (بالمناسبة إسرائيل سبقتكم فى الانتشار، والتغلغل بجنوب السودان.. فالحقوا)!!
(٢) استيراد «اللحوم»، وباقى المنتجات المتوافرة بهذه البلدان، خاصة أن سوق مصر هى أكبر سوق فى أفريقيا، وأنتم تستوردون ٥٥٪ من غذائكم ويمكنكم استيعاب كل ما تنتجه!!
(٣) الإعلام المصرى.. عليه دور كبير، بإعادة الإذاعات المتخصصة بلغاتهم، ولهجاتهم المحلية، وعليكم دعوة الصحفيين، والإعلاميين لدورات تدريبية بالقاهرة على نفقة مصر، وهذا سيساهم فى وقف الحملات، وإظهار مصر بصورة الصديق.
(٤) عليكم شراء عشرة أو عشرين مليون فدان فى إثيوبيا، والسودان،، وأوغندا، وغيرها تأميناً لمستقبل الأجيال القادمة عندكم، وهذا يتطلب انتقالكم إلى مواقع هطول الأمطار، ولديكم الآن رجال أعمال يستثمرون فى كل مكان عدا أفريقيا يمكنكم دعمهم بغطاء تأمينى ضد المخاطر، كما فعل باقى الدول.
(٥) أن ترصد مصر نصف مليار دولار، مرة واحدة.. لتدخل هذه البلدان بمنتهى القوة، والتأثير، والفاعلية، وذلك بالمساهمة فى إنشاء خطوط النقل البحرى والبرى والنهرى والجوى، وفى البنية التحتية حتى يشعر الأفارقة بأن مصر قد فهمت الرسالة، وعادت إلى أحضان الأسرة الأفريقية كرائدة، وعظيمة، وحانية!
(٦) عدم الضغط على المفاوض المصرى حتى يتمكن من الوصول إلى صيغة توافقية.. بعيداً عن الصراعات.
باختصار:
مازالت الفرصة سانحة أمام مصر، وأنت تعرف المثل الفرنسى الذى يقول:
«من الأفضل أن تلحق بالقطار بعد أن تحرك بدلاً من أن يفوتك»!!
فهل تلحقون بالقطار الذى تحرك فعلاً؟
أرجوك أبلغ حكومتك بأن السرعة مطلوبة، والجدية لازمة.
اللهم إنى قد أبلغت..!!