الحمي المجهولة‏..‏ مرض بكتيري‏'‏ معروف‏'‏

حســـن فتحي/ جريدة الاهرام 23/12/2009
في ظل حالة الهلع التي تعيشها بلدان كثيرة من أنفلونزا الخنازير‏,‏ جاءتنا الأخبار من هولندا عن إصابات بالحمي المجهولة‏Queryfever‏ التي يطلق عليها اختصارا‏'‏ كيو‏'Q‏ وقد نسبتها الكثير من وسائل الإعلام خطأ إلي فصائل الأنفلونزا‏,‏ ولقبتها بـ‏'‏ أنفلونزا الماعز‏',‏ رغم أنها ببساطة مرض بكتيري وليس فيروسي‏,‏ ولاعلاقة له من قريب أو بعيد بالأنفلونزا‏,‏ لكن وجدها الكثيرون ـ عن جهل ـ فرصة لإطلاق قائمة من الاتهامات سابقة التجهيز بأن هناك مؤامرة بيولوجية أخري علي الطريق‏,‏ علي خطي مؤامرة أنفلونزا الخنازير‏,‏ حيث تكال اتهامات ترقي إلي أعلي مراتب الشك بأن هناك جريمة دبرتها بليل مختبرات غربية لإطلاق هذه السلالة المصطنعة من أجل تسويق لقاحات سابقة التجهيز‏,‏ وترويج عقاقير مضادة للأنفلونزا تكدست براءات اختراعها‏.‏

تقارير القلق انطلقت هذه المرة من هولندا‏,‏ التي قررت سلطاتها ذبح جميع إناث الماعز‏'‏ العشر‏'‏ كإجراء وقائي لمواجهة المرض الذي ظهر بأراضيها‏,‏ ولتوضيح الحقائق‏,‏ يقول الدكتور عادل عبدالعظيم أستاذ وبائيات المرض بكلية طب بيطري القاهرة أن هذا المرض ميكروب وليس فيروسي علي الإطلاق ولاعلاقة له بإنفلونزا الطيور أو الخنازير‏,‏ ومسبب المرض ميكروب‏'‏ كوكسلا برنتي‏'‏ وبدأ ظهوره عام‏1935‏ في أحد المجازر باستراليا وتم عزل الميكروب عام‏1938‏ في الولايات المتحدة‏,‏ والمرض مسجل في جميع دول العالم‏,‏ عدا نيوزيلندا‏,‏ ولايظهر إلا في مواسم الولادات للأغنام والماعز‏,‏ والميكروب المسبب له نوع من البكتريا ذات مواصفات خاصة‏,‏ إذ لاتتكاثر إلا في الخلايا الحية‏,‏ ولها عوائل طبيعية هي‏6‏ من الثدييات الصغيرة أبرزها الفئران والأرانب والكلاب والقطط‏,‏ حيث تنتقل فيما بينهم‏,‏ وتنتقل العدوي من الثدييات الصغيرة إلي الأغنام والماعز والأبقار‏,‏ ولاتظهر عليهم الأعراض باستثناء حدوث الإجهاض في‏50%‏ من القطعان المصابة‏,‏ والمرض ينتقل للإنسان في أثناء مخالطته للقطعان المصابة‏,‏ وتأتي العدوي بالشم من السوائل التي تخرجها هذه الحيوانات بعد الولادة أو
من الأغشية الجنينية‏,‏ وإذا جفت علي أرض ترابية تتحول إلي تراب يستنشقه المخالط‏,‏ لكن لاتصيب إلا المخالطين من رعاة وبيطريين ومهندسين زراعيين وجزارين وعاملين بالمجازر‏,‏ لذا فهو يعد مرضا مهنيا‏,‏ والمرض لاينتقل من إنسان لآخر‏,‏ بل يعد عائل نهائي له‏.‏ وأضاف الدكتور عبدالعظيم إن هذا المرض كان يعد من الماضي‏,‏ لكن الدراسات الحديثة حتي‏2006‏ أثبتت أنه في الفترة بين‏2000‏ ـ‏2006‏ زاد عدد الإصابات بمعدل‏6.5‏ أضعاف الإصابات المسجلة سابقا بالولايات المتحدة‏,‏ وفي آخر مؤتمر بيطري عقد بأمريكا أخذت عينات دم من الأطباء البيطريين المشاركين اتضح منها أن‏22.5%‏ منهم كانوا قد تعرضوا للإصابة بهذا الميكروب دون أن تظهر عليهم الأعراض‏.‏

وأعراض المرض حمي مفاجئة وحرارة مستمرة تصل إلي‏40‏ درجة لمدة أسبوع إلي أسبوعين وصداع شديد جدا وآلام حادة بالعضلات والتهاب في الزور وزغللة ورعشة مع عرق غزير وسعال جاف وآلام بالصدر وشعور بالإغماء وأحيانا قئ وإسهال وألم بالبطن وفقدان بالوزن‏.‏

هل كل من يتعرض للعدوي تظهر عليه الأعراض؟
لا‏,‏ بل تظهر علي‏50%‏ فقط ممن تعرضوا للعدوي‏,‏ وتظهر الأعراض بعد العدوي بفترة تتراوح بين‏1‏ ـ‏3‏ أسابيع‏,‏ هي فترة الحضانة‏,‏ وقد ثبت أن الميكروب موجود في اللبن والسوائل والأغشية الجنينية‏,‏ مما يعني التحذير من تناول اللبن أو منتجات الألبان دون معاملتها حراريا‏,‏ إضافة إلي
التحذير من مخالطة الحيوانات أثناء فترة الولادة‏,‏ وارتداء الأقنعة أثناء التعامل معها‏.‏

ومن السهل علاج المرض‏,‏ وكإجراء وقائي يجب حقن كل الحيوانات أثناء الفترة الأخيرة من الحمل بالتتراسيكلين طويل المفعول لتقليل إفرازات الميكروب منها أثناء الولادة‏,‏ ولابد من التنبيه علي المخالطين للحيوانات من عزلها أثناء الولادة‏,‏ وتجدر الإشارة إلي أنه ميكروب عنيد جدا ومقاوم لكل المطهرات‏,‏ ويحتاج تطهير اليدين في حال مخالطة هذه الحيوانات أثناء الولادة إلي مطهر بنسبة‏70%‏ من تركيز الكحول‏.‏

ويقول الدكتور ماجد رفعت أستاذ المناعة والحساسية بطب عين شمس أنه قد أجري دراسة قبل‏5‏ سنوات ـ وهي الوحيدة خلال‏50‏ عاما في مصر ـ علي عدد من الحالات المصابة بهذه الحمي‏,‏ وشملت‏50‏ مريضا‏,‏ وقلل تماما من خطورتها‏,‏ مؤكدا ندرتها وأنها مجرد‏'‏ دور برد‏'‏ عادي‏,‏ وهو من الأمراض المهنية التي تصيب المخالطين للحيوانات في الريف‏,‏ وخاصة مرضي الحساسية‏,‏ لكن لم نجد منها حالة خطرة‏,‏ وتشفي بالمضادات الحيوية الرخيصة‏,‏ ومضاعفاتها نادرة‏,‏ وبعض المراجع الطبية تقول انها تسبب مضاعفات علي القلب والرئتين والمخ‏,‏ لكن لم تثبت هذه المضاعفات في الدراسة المصرية‏.‏