ذات النطاقين والفزع الأمريكى
مع التفجير الأخير الذي نفذته عراقية بحزام ناسف كانت ترتديه تحت عباءتها في مدينة ديالى شرق العراق، سقط خلاله العشرات من القتلى والجرحى، بينهم عدد كبير من عناصر الشرطة العراقية، بلغ عدد النسوة اللاتي فَجَّرْن أنفسهن في العراق منذ مطلع عام 2008 وحتى الآن 74 عراقيةً، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ احتلال البلاد في مارس 2003.
وتتوقع قوات الأمن العراقية وقوات الاحتلال الأمريكية أن يتزايد العدد إلى الضعف في نهاية العام الحالي بعد اعتماد تنظيم "القاعدة" على النساء والأطفال في تنفيذ عمليات نوعيةٍ يصعب على الرجال تنفيذها بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي تتخذها تلك القوات على بعض المناطق، ومنع دخول الرجال فوق سن الثامنة عشرة.
العميد طه علي الجعفري يقول : إن أعداد النساء العراقيات اللاتي فجّرن أنفسهن في مواقع عسكرية أمريكية وعراقية وحكومية في تزايد مخيف، وبلغ حتى الساعة 74 حالة لنساءٍ فجّرن أنفسهن في عموم المناطق العراقية..وقد احتلت ديالى وبغداد مرتبة الصدارة ، ونتوقع وجود ضعف هذا العدد يجهز نفسه للنزول إلى الساحة لتنفيذ عمليات أخرى.
وأوضح الجعفري أن القوات العراقية والأمريكية تفتقر إلى معلومات دقيقة تُمَكِّنها من اعتقال شبكات وخلايا تجنيد وتنظيم عملية تفجير النساء في مواقع حكومية وأميركية؛ حيث إن النساء بالعادة يُمَثِّلْن خطا أحمر ومصدر إثارة عواطف دينية وتقاليد اجتماعية في حالة المساس بهن أو التحقيق معهن من قِبَلِنَا أو من قِبَلِ القوات الأميركية.
وحسب ما جاء في مذكرةٍ رُفِعَتْ إلى مكتب رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي حول تزايد أعداد النساء اللائي يفجرن أنفسهن ، فإن التفجيرات التي تنفذها النساء تكون أكثر فتكا ودقةً، وتوقع إصابات كبيرة في الأهداف. وتتهم المذكرة- التي حوت على أربع صفحات كاملة أُعِدَّت من قبل فريق من الخبراء العسكريين العراقيين في تاريخ 13/ 6 / 2008 -مَنْ أسمتهم "نساء وبنات المقاتلين " الذين قُتِلُوا بنيران القوات العراقية والأميركية، بتنفيذ تلك العمليات أخذًا للثأر. ويطالب الخبراء بتشديد الرقابة السرية على منازل قادة القاعدة وزعمائها وأفرادها ممن قُتِلُوا في الفترة الماضية؛ لقمع أي فقاعة قد تصدر من داخل منازلهم.
ويصف التقرير عملية التفخيخ للنساء بأنها عبارة عن حزامٍ ناسفٍ يبلغ وزنه من 5 إلى 7 كيلو جرام ويُشَدّ على البطن تحت الملابس، ولا يمكن رصده إلا بتفتيش دقيق، وهنا تكمن الصعوبة.
يأتي ذلك في الوقت الذي تَوَعَّدَتْ فيه" أم سلمه" أميرة سَرِيَّة ذات النطاقين الاستشهادية- والتي يُعْتقد أنها زوجة الشيخ "أبو عبيدة الراوي" زعيم تنظيم القاعدة شمال العراق، والذي قُتِلَ بإنزال جوي أمريكي خريف عام 2007- بِزَجِّ جيش من النساء الاستشهاديات إلى شوارع بغداد؛ لدك ما أسمته "صروح الكفر والرذيلة".
وجاء في بيانٍ وُزِّع بمدينة الموصل وبغداد وديالى "أن العشرات من نساء الفلوجة وبغداد وأحرار ديالى وثكلى وأرامل الموصل يتوقون شوقًا للقاء مَنْ فقدوهم في الجنة، ويجرعون ساعات الانتظار- للانقضاض على الكفار- كالمر العلقم، وهن قريبات من الأهداف، ينتظرن ساعات الصفر"-على حد ما جاء في البيان الذي وُزِّعَ يوم الخميس الماضي.
القوات الأمريكية قررت على إثر هذا البيان أن تستقدم مجندات وعاملات آسيويات في نقاط التفتيش بغرض فحص وتفتيش النساء قبل تَحَرُّكِهِنَّ بين المدن.
وحسب المذكرة الاستخبارية المقدمة إلى مكتب المالكي فإن محافظة ديالى احتلت الصدارة في عدد الانتحاريات بواقع 23 انتحارية، تليها بغداد بواقع 21 انتحارية، ثم الموصل 17، والأنبار 9، وكركوك بواقع أربع انتحاريات.
كان منهن 55 امرأة زوجات وبنات قادةٍ كبار في تنظيم القاعدة واثنتان من المملكة العربية السعودية، وواحدة من مصر.
وعلى الرغم من أن المذكرة أقرت بالعدد المخيف لعمليات التفجير التي تنفذها النساء ، إلا أنها أكدت أن ما نسبته 40% من تلك العمليات أُبْطِلَ، وتم القضاء على المفجرة قبل وصولها للهدف، أو أنها فجرت نفسها ولم تسفر عن أية خسائر بشرية ما عدا الجرحى. وقال النقيب إسماعيل علي، من قيادة شرطة محافظة ديالى: إن من بين أربعة عمليات انتحارية هناك رجل واحد، وثلاث نساء. وهذا العدد وتلك النسبة هي الأولى منذ خمس سنوات في عمر الاحتلال الأمريكي للعراق.
وتخشى قوات الاحتلال الأمريكية مما أسمته "انشطار وتكاثر خلايا الانتحاريات العراقيات" خلال المرحلة القادمة.
ويقول الكابتن ستيفن آرنستو ضابط الاحتلال الأمريكي المختص بالشئون المدنية في بغداد:
"بات من المعلوم أن النساء والأطفال هم سلاح القاعدة الجديدة، ولم نكن قد دربنا عناصرنا أو عناصر الأمن العراقية على التعامل مع نوع كهذا، بسبب الطابع الديني والعشائري المتزمت في العراق، ونخشى أن تنشطر كتيبة "ذات النطاقين" لتصبح خلايا. ولدينا معلومات عن تشكيل خلية نسائية جديدة انتحارية باسم "عبير الجنابي" في جنوب بغداد. لذا لا يمكن القول-والكلام لآرنستو- بأن القاعدة انتهت أو شَلَّت، بل يمكن القول: إنها باتت تستخدم معنا أساليب جديدة لم تطرحها على الساحة مسبقًا، ونأمل أن تكون تلك الورقة آخرَ أوراق القاعدة في العراق.
وتستخدم سرية "ذات النطاقين" بياناتٍ شبيهة ببيانات تنظيم القاعدة، أو "دولة العراق الإسلامية" بعد كل عملية تنفذها سيدة عراقية، لكنها تختلف بسرد أبيات شعرية، بعضها لشعراء عرب غير مسلمين، تحاول أن تلامس مشاعر النساء، وتستنهض هممهن.
ويقول الشيخ "أبو الليث المشهداني" أحد قادة تنظيم القاعدة في منطقة أبو غريب غرب بغداد:
" تلك السرية تعدل ألف سرية من السرايا المقاتلة لدينا، ونُعَوِّل عليها الكثير، وفيها نساء سيقلبون الطاولة على التحالف الشيطاني. وهي سَرِيَّةٌ تتصل اتصالًا مباشرًا مع الشيخ "أبو حمزة المهاجر"؛ أمير تنظيم القاعدة، و"أبو عمر البغدادي"؛ أمير دولة العراق الإسلامية".
ويضيف:
" نفذت تلك السرية عمليات استشهادية خلال الأشهر الماضية، تُقَدَّرُ بالعشرات، وراح فيها العشرات من جنود الاحتلال صرعى، وكذلك القوات العراقية المتحالفة معها، والعمليات في تزايد".
وعلى الرغم من المحاولات المتكررة للبحث عن أي خيط يوصل إلى تلك السرية التي دَوَّخَت القوات الأمريكية والعراقية، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل؛ حيث وُصِفَتْ تلك السرية النسائية بأنها الأكثر غموضًا في سرايا القاعدة، وهو السر الذي ينسبه المراقبون إلى نجاحها في البقاء.
البيان الأخير الذي تبنى فيه تنظيم القاعدة مقتل أربعة جنود أمريكيين بعملية استشهادية استهدفت تَجَمُّعًا لقوات الاحتلال شمال شرق بغداد، وُزِّعَ على عددٍ من مساجد قرية الطارمية، وحمل توقيع "سرية ذات النطاقين الاستشهادية"، والتي افتتحت البيان بآية من القران الكريم، وختمته بأبيات شعرية للشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد؛ لاستنهاض بقية النساء العراقيات.. وبتصرف ببعض الكلمات من كاتب البيان جاء فيه:
" وحين أغفو... وهذي الأرض تغمرُني
بِطِينِهَا... وعِظَامِي كُلُّها بَلَلُ
ستورق الأرضُ من فوقي، وأسمعُها
لها غناءٌ على أشجارها ثَمِلُ
يصيح بي: أيها الغافي هنا أبدًا
إن العراق مُعَافًى أيها الجملُ!
إن العراق معافًى أيها الجملُ" !
تقول الدكتورة فاطمة السيد، مديرة مركز المرأة العراقية، تعليقًا على بيان سرية ذات النطاقين الاستشهادية الأخير:
"نجحت تلك السَّرِيّة بمزج الدين الإسلامي بالمنظور السلفي، مع العواطف الجياشة التي تملكها النساء وتميزها عن الرجال، ونتوقع المزيد من الانتحاريات العراقيات خلال المرحلة القادمة، لكننا نحذر من مغبة أي إسفاف أو تجاوز على حرمة النساء وانتهاك المحارم بحجة أن النساء أصبحن أكثر خطرًا من الرجال، وأن نسبة العمليات التي قامت بها النساء أكثرُ من الرجال بِضِعْفٍ على الأقل هذا العام.
وأعتقد-والكلام لمديرة مركز المرأة العراقية- أن المرأة إذا فقدت أمام عينها زوجها أو ولدها أو والدها بنيران المحتل، ولم يبق لها شيء في الحياة، ستفكر بالانتقام، وستكون أكثرَ قسوةً وحقدًا من الرجال أنفسهم!