بداية فإن حديثنا عن قانون لمحاكمة الوزراء لايعنى أننا نتعمد أحدهم بالاسم ونخشى هروبه بهذه الفجوة التشريعية التى يعانى منها قانون العقوبات، ونؤكد على ذلك قبل الخوض فى التفاصيل وبعيدا عن مغص بعض البطون خاصة لأن هذا القانون لايشمل الوزراء بل مساعديهم ونوابهم أيضا والمحافظين لتتم محاكمة ومعاقبة أى فاسد خلال أيام حتى لايضيع الحق، وتثار الأزمة برمتها على هامش مطالبات كثيرة بفتح ملفات وزراء سابقين وحاليين أمرضوا اقتصادنا ومرافقنا بمخالفاتهم الصغيرة قبل الكبيرة. لم تكن انطلاقة الحديث حول هذه القضية الجماهيرية الساخنة وليدة هذه الأيام، بل منذ أكثر من خمسين عاما مع انهيار الوحدة المصرية السورية التى يتعلق بها القانون الوحيد الموجود لمحاكمة الوزراء، مما يثير الضحك على أوضاع غريبة يجب التوقف عندها لإصلاحها، استعدادا لفتح هذا الملف بجدية فى الدورة البرلمانية المقبلة وفق وعد د.فتحى سرور رئيس البرلمان الذى لن نتركه يتراجع عنه! الفراغ التشريعى معروف أن المادتين 159 و160 فى القانون مسئولتان عن إجراءات وضمانات وعقوبات محاكمة الوزراء ونوابهم، لكنهما معطلتان، بالإضافة للقانون 79 لسنة 1958 لاستحالة تشكيل المحاكمة التى تنص عليها مواد القانون، مما أوقعنا فى فراغ تشريعى يجب أن يحرص المشرع على تلافيه، وكان من الضرورى النظر لهذه القضية المهمة خلال التعديلات الدستورية والقانونية المكملة لها، خاصة أنها سيادية وخطيرة وتمس الأمن القومى المصرى، ومن الضرورى أن تسبق الحكومة البرلمان فى هذا الإطار لو كان لديها حسن نية وبالذات لأن وزارة العدل تعد منظومة قانونية جديدة وشاملة لكل القوانين المصرية، وصعب جدا تجاوز هذا الركن المهم من العقوبات التى تحقق الاستقرار للنظام والمجتمع، وتؤكد على قاعدة أنه لا أحد فوق القانون! المحاكمات الشعبية لذلك أصررنا على أن نفتح هذه القضية بملفها الذى يتجاهله الجميع خاصة الحكومات المتوالية منذ أكثر من نصف قرن كامل، لكن يتصور الحكوميون أن هذا مردود عليه بوقائع الفساد التى تم الكشف عنها للعديد من الوزراء، إلا أن هناك ردودا على ذلك منها ما خفى كان أعظم، ولقد ولد هذا الشعور محاكمات شعبية ونقابية للوزراء الذين حاصرتهم الشبهات فى مراحل مختلفة ويذهبون للفسحة مع أسرهم فى «باريس» وكأن الأمر لايعنيهم، ولذلك من الضرورى أن يكون هناك قانون لمحاكمة مثل هؤلاء الفاسدين الذين يعربدون بحقوقنا دون حاكم أو رابط مع ضياع القانون الحاسم فى هذا الشأن، وفى هذا السياق جاءت مداخلة النائب المستقل «علاء عبدالمنعم» خلال جلسات البرلمان الأسبوع الماضى، حيث انتقد دخول اقتراحه لقانون محاكمة الوزراء ثلاجة لجنة الاقتراحات والشكاوى منذ ديسمبر الماضى على الرغم من أنه تم تسريع نظر قانون المحاماة، فخلال عدة أيام وصل القانون للقاعة عن طريق لجنة الاقتراحات ومنها للتشريعية، وبالطبع كان منطقيا أن يحمل النائب الحكومة مسئولية تأخير اقتراحه وتجميده، فما كان من «سرور» إلا أن طلب من علاء تجديد اقتراحه مرة أخرى مع بداية الدورة الجديدة بسبب عدم سهولة إمكانية مناقشته الآن فى عز هذا الزحام الذى أجبرهم على عقد جلسات مسائية حتى منتصف الليل، ووعد سرور بأن يقف وراء هذا الاقتراح وكأنه هو الذى يقدمه ولولا اللائحة لكان وقعه بنفسه، لكن «علاء» خلال اتصالنا به اعتبر هذه المواقف دعائية لا أكثر وأنه غير متفائل حيال مصير اقتراحه! فى القفص القانون يشمل أيضا كل المسئولين الذين يلقون اليمين الدستورية بمن فيهم نائب الرئيس ورئيس الوزراء ونوابه ويعتمد الاقتراح المطروح على اتخاذ إجراءات سريعة حيال المبلغ ضدهم سواء بالقبض أو الحبس الاحتياطى أو التفتيش، ومنعه من السفر واتخاذ أى إجراء تحفظى فى هذا الإطار، ويمنح للمسئول المتهم التظلم من هذه الإجراءت، وضرورة أن يتم الحصول على إذن قبل اتخاذ أى إجراء جنائى إذا كان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى، ويحصل المسئول المتهم على إجازة إجبارية براتب كامل من تاريخ إبلاغه بالإجراءات المتخذة ضده وحتى العودة للعمل إذا ثثبت براءته، ومن الضرورى إخطار المسئول كتابة بقرار المحكمة خلال 48 ساعة من وقت صدوره على الأكثر، وعلى النائب العام إعلان الوزير بصورة من قرار الاتهام وقائمة أدلة الثبوت قبل المحاكمة بعشرة أيام على الأقل وإعلان شهود الإثبات بالجلسة المحددة أو إعلانه بأمر التحفظ بحسب التحقيقات، ويتم إعلان رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء بصورة من قرار الاتهام وقائمة الأدلة خلال 48 ساعة! لجنة ثلاثية يقترح مشروع القانون أن يتم تشكيل لجنة تحقيق ثلاثية قضائية بمحكمة النقض تختارهم الجمعية العمومية للمحكمة لمدة عامين، كما تختار اثنين آخرين كعضوين احتياطيين لإكمال تشكيل اللجنة فى حالة غياب أحد الأعضاء الأصليين أو قيام مانع لديه، وتختص اللجنة دون غيرها بفحص البلاغات التى تقدم وتكون موقعة من النائب العام ويجب إبلاغ اللجنة فى خلال يومين على الأكثر، فيما تتولى هذه اللجنة بصفة سرية بحث مدى جدية البلاغ ويجب عليها فور وصول البلاغ إخطار المبلغ ضده ورئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء بذلك، ولهذه اللجنة الثلاثية القضائية اختصاصات سلطات التحقيق عدا الإجراءات التى تنطوى على المساس بشخص المبلغ ضده أو ضد حرمة مسكنه!.. وإذا ثبتت مصداقية البلاغ أمرت هذه اللجنة بالسير فى الإجراءات أو مباشرة التحقيقات إما بنفسها أو بندب واحد أو أكثر من أعضائها، أما إذا تبين عدم جدية البلاغ وأمرت بحفظه نهائيا فيجب أن يكون قرار الحفظ مسببا على أن يتم إخبار رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء بشكل سرى وشخصى حتى لايترتب على ذلك إذاعة ونشر الخبر حتى لايسيئ لشخص الوزير البرىء، وتشكل محكمة خاصة لمحاكمة الوزراء والمسئولين الكبار تضم 7 أعضاء أربعة منهم من أقدم القضاة من نواب رئيس محكمة النقض وعضوين من مجلس الشعب وعضواً من مجلس الشورى يتم اختيارهم من الأعضاء الفائزين بالانتخابات بالمجلسين بطريق القرعة فى بداية كل دورة انعقاد، لكن هذا الاقتراح لا معنى له ولايرقى لحد التنفيذ، خاصة أنه غير عملى بالمرة وبعيد عن الإطار القانونى، وبالنسبة لكيفية احتساب مدة سقوط الدعوى الجنائية فقد نص الاقتراح على أن يكون حساب مدة سقوط الدعوى عن الجرائم التى يرتكبها الخاضع لأحكام هذا القانون من تاريخ ترك العمل الوظيفى وليس من تاريخ ترك الوظيفة التى ارتكب الجريمة خلالها، وفى حالة تعدد المتهمين لايبدأ حساب المدة بالنسبة لأحدهم إلا بترك الباقين لوظائفهم حتى لايتمكن الشركاء فى الجريمة من استغلال وظائفهم للتستر وراءها بعد خروج الفاعل الأصلى من العمل الوظيفى، وأخيرا إلغاء كل حكم يخالف أحكام هذا الاقتراح بالقانون. قائمة الجرائم والجرائم التى صنفها الاقتراح بقانون يعاقب عليها الوزراء المتهمون شملت جرائم أمن الدولة الخارجية والداخلية والجرائم المتعلقة بواجبات الوظيفة العامة، وجرائم الموظفين والمكلفين بخدمة عامة المنصوص عليها فى قانون العقوبات، والجرائم المنصوص عليها فى قانون مباشرة الحقوق السياسية والجرائم المتعلقة بسير العدالة أو التأثير فيها المنصوص عليها فى قانون العقوبات والجرائم المنصوص عليها بشأن المال العام المنصوص عليها فى قانون العقوبات واستغلال النفوذ ولو بطريق الإيهام للحصول على فائدة أو ميزة ذاتية لنفسه أو غيره! الوزراء المشبوهون ولمن لايعرف فإن القانون الذى يعانى كفجوة تشريعية من نصف قرن هو القانون 79 واسمه قانون محاكمة الوزراء أيضا، وكان فيه تتولى محاكمة الوزراء المتهمين محاكمة عليا تشكل من 12 عضوا 6 منهم من أعضاء مجلس الأمة يختارون بنظام القرعة والباقون من مستشارى محكمة النقض ومحكمة كانت تسمى وقتها بمحكمة التمييز تختار 3 منهم بطريق القرعة من مجلس القضاء الأعلى بمصر وسوريا، أى أننا كنا من 50 عاما نجعل قضاة سوريين يحاكمون وزرائنا والآن لانسمح لقضاتنا أن يحاكموا وزراءنا فى نكتة سياسية وقانونية تجعلنا نستلقى على ظهورنا! وتجعل المعارضة تأكل وتشرب على ظهر الحكومة النائمة التى لاتفهم فى السياسة، وبالتالى تتراجع معايير الشفافية وترجم ذلك إلى أرقام تؤثر على الاقتصاد فى النهاية، وكان يسمح القانون السابق لرئيس الجمهورية من الإقليمين بإحالة الوزراء المشتبه فيهم للتحقيق! شكل المحاكمة فيما كانت تنعقد المحاكمة فى دار محكمة النقض بالقاهرة ويعاقب الوزراء بالعقوبات المنصوص عليها فى هذا القانون وأخطر الجرائم الخيانة العظمى وعقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو الاعتقال المؤبد أو المؤقتة، بالإضافة لمخالفة أحكام الدستور، التصرف بالفعل لزيادة أسعار البضائع أو العقارات أو أسعار العملات والبورصة لتحقيق فائدة شخصية مباشرة أو غير مباشرة، واستغلال النفوذ ولو بطريق الإيهام للحصول على فائدة، والتأثير على القضاة للإخلال بالقانون والتدخل فى عمليات الانتخاب والاستفتاء للتأثير على نتائجها، ويعاقب على هذه الجرائم بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة وغرامات! الجديد بعد القديم ! وواضح جدا أن النائب صاحب الاقتراح بقانون جديد لمحاكمة الوزراء قد استفاد كثيرا من القانون القديم بل نقل حواره البعيد عن قضية الوحدة بين مصر وسوريا، خاصة أن المواد المعطلة للقانون واحدة أو ثلاثة على الأكثر، حيث تشكل لجنة للتحقيق مشابهة وإبلاغ رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء متشابهة أيضا، وعدم تشويه سمعة لوزير إذا ثبتت براءته، والأغلبية فى إصدار الحكم، فى السياق ذاته تتهم المعارضة الحكومة بتجاهل اقتراحها لمحاكمة الوزراء حتى يخرجوا بعد عمر طويل من الفساد من وزاراتهم دون أدنى مسائلة، وهناك أمثلة كثيرة على الفساد ومحاكمات الوزراء شهيرة وتجذب الأنظار، والحكومة فى المقابل تقول أنها تضع فى اعتبارها ضرورة سد هذه الثغرة القانونية ولكن لحينها فإن هناك قانون العقوبات الذى يملأ هذا الفراغ ونستدل على ذلك بحالات وبمحاكمات الوزراء خلال السنوات الأخيرة بقانون العقوبات لا قانون محاكمة الوزراء المعطل! لكن هذا ليس كافيا بالطبع! النص والواقع ورغم أن القانون نصا يحمى المواقع البارزة من وصول الأسماء الفاسدة المشبوهة إليها إلا أنه واقعيا فهذه الأسماء ليست بعيده عن هذه المواقع، وتقارير التقييم التى ينص عليها القانون رقم 5 لسنة 91 ليست كافية لصد المشبوهين من الموصول لهذه المناصب الحساسة، ونحن لا نريد أن نرى وزراء ومسئولين كباراً خلف القضبان أكثر من سيادة الشفافية والضمير فى هذه الأماكن المهمة، لكن متي يتحقق هذا فى ظل هذه الثغرة القانونية الخطيرة؟؟