الحمد لله أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والمنكر والإثم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الصلاة على المؤمنين كتاباً موقوتاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه جعلت قرة عينه في الصلاة، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أيها المسلمون: الإنسان في خضم معترك الحياة ومكافحة هموم القلق والضجر والضيق والكدر يحتاج حاجة ملحة إلى ما ينفس عن مشاعره، ويفرج عن لأوائه ومصائبه ويبعث في نفسه وقلبه الطمأنية والراحة، فمهما كد وجد فلن يجد ملاذاً غير الله يدعوه ويأنس به ويرجوه ويلوذ بحماه ويعبده ويلقي بهمومه ويشكو أمره وحوائجه إليه، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء وهو وحده الذي يُفر منه إليه.
ألا إن أعظم العبادات التي تحقق هذا كله: الصلاة، وكم نحن بحاجة على الدوام أن نتذاكر قيمة الصلاة وقدرها وبرها وأثرها وأسباب قبولها والمعوقات دون إقامتها وإتمامها، ولماذا خف أثرها في حياتنا؟
عباد الله: الصلاة سيما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال جل ثناؤه: {.. وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ..} [الأنبياء: 73]، وبها وصى الأنبياء ووصى الحكماء قال - تعالى -: {.. وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].
وقال - تعالى -: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ.. } [لقمان: 17]، وقال - سبحانه -: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55].
وهي كذلك قرينة الإيمان وعلامة المؤمنين، قال - تعالى -: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)} [المؤمنون]، وبها يعرف قدر الرجال، قال - تعالى -: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ.. } [النور: 37].
إنها عهد وميثاق وفرض في كتاب الله، قال - تعالى -: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ».
وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر قال - عز وجل -: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
وبها عون واستعانة، قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 153].
أيها الناس: والصلاة ميراث للتقى أو الفجور، وكاشفة للإيمان أو النفاق، وهي لوحة كاشفة لتفاوت الإرادات والهمم، إنه لا يتكرر في الإسلام مثلها في الليل والنهار وفي اليقظة وبعد المنام في الشتاء والصيف وفي السفر والحضر والسلم والحرب والصحة والمرض وعلى الغني والفقير والصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد.
ومن هنا كانت ميزاناً للإيمان المستمر والإرادة المتجددة والهمة العالية.
إن نفراً من المسلمين علت هممهم فكانت الصلاة همهم، وتعلقت في المساجد قلوبهم فلا يفقدون في وقت ولا يتأخرون عن الجماعة، وإذا ما فقدوا علم إخوانهم أنهم مسافرون أو مرضى، إذا حضرتهم الصلاة كان الخشوع وكانت السكينة، وإذا خرجوا من المسجد كان الصدق وحسن الخلق وكان العفاف والتقى آثاراً خلفتها الصلاة فيهم بسبب صدقهم مع الله، وحسن تعاملهم مع خلق الله أولئك أصحاب القدح المعلى، وأولئك أهل الصلاة حقاً، وأولئك هم المفلحون وأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ونفر آخرون يصلون حيناً وينقطعون حيناً تراهم يفترون في حال قيامهم ولكن كثيراً ما يتخلفون عن القضاء إذا ناموا، ونقر الغراب سنة تكاد تكون بارزة فيهم يغيب عنهم الخشوع حال الصلاة ويضعف أثر الصلاة في حياتهم وبالتعامل مع إخوانهم خارج الصلاة، أتلك هي الصلاة التي أمر بها المسلمون؟! أفهكذا تؤدى؟! أفهكذا يؤدى الركن الثاني من أركان الإسلام؟! أما علم أولئك أن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته؟ أما يخشى أولئك المفرطون في شأن الصلاة والساهون عنها أن يكونوا ممن قال الله - عز وجل - فيهم: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5)} [الماعون].
أيرضى المسلم أن يخرج من صلاته وما كتب له إلا القليل منها: ربعها أو خمسها أو عشرها؟! أو يرضى أن تلف صلاته بثوب خلق ثم يرمى بها، تقول: ضيعك الله لما ضيعتني؟!
من قال أن الصلاة قالب بدون قلب؟! حركات دون خشوع؟! عادة لا عبادة؟! صورة لا حقيقة؟!
كلا! إنها روح وراحة « أرحنا بها يا بلال »، وهي عروج بالقلب والروح إلى السماء في اليوم والليلة خمس مرات فضلاً عن النوافل، إنها تسبيح وتكبير وتهليل وتعظيم وتقديس ودعاء ووقوف بين يدي الله رغبة ورهبة وتلاوة للقرآن وتعظيم للرحمن وانقطاع عن الحياة والخلق واتصال بالخالق وقرب من الآخرة.
كم تغيب هذه المعاني عن أعداد من المسلمين المصلين ويغيب معها أثر الصلاة في حياتهم؟
أما الذين لا يصلون فأولئك لهم شأن آخر وحديث آخر!
لا تستغربوا إن بلغ المسلمون من الذل ما بلغوا وهم بعد لم يذلوا لله حقاً في الصلاة، ولا تستغربوا إن كثرت فينا الفواحش والمنكرات فصلاتنا لم تصل إلى مستوى النهي عن الفحشاء والمنكر.
إن أمة لا يقف أفرادها بين يدي الله في الصلاة لطلب الفضل والخير منه وحده لعاجزة أن تقف ثابتة في مواقف الخير، والوحدة والنصر والقوة؛ لأن هذه كلها من عند الله وحده، فإذا أصلحنا ما بيننا وبين الله أصلح الله - عز وجل - ما بيننا وبين الناس.
فأثمرت الصلاة ولا سيما صلاة الجماعة من معاني الأخوة والمحبة الشيء الكثير، وكم يجسد وقوف المصلين كالبناء المرصوص من معاني الخوف والرهبة في قلوب الأعداء!.
ففي المسجد يعلم الجاهل ويطعم الجائع وينصر المظلوم، وفيه يعلم العلم وتبلغ الدعوة يتعارف المسلمون ويتآلفون ويعلم الصبيان آداب المسجد والصلاة ويحفظون القرآن.
وفي المسجد يتشاور المسلمون في أمرهم ويتفقدون حال إخوانهم المنقطعين عن المسجد لسبب أو لآخر.
إن المساجد خير البقاع وما أحراها بكثرة الجلوس والتذكرة والتلاوة والخلوة والدعاء لا الكلام في الدنيا واللهو واللغط حتى تحين الصلاة إلى غير ذلك من مهام وأدوار للمساجد التي تضاءلت في هذا الزمن حتى فقدت عدد من المساجد رسالتها العظمى وآثارها التربوية والاجتماعية وأشياء أخرى.
وهي مسئولية مشتركة بين الإمام والمأمومين والأوقاف والدعاة.
يا عبد الله! قف وسائل نفسك: ما قدر الصلاة عندك؟ قل ما شئت وعبر ما شئت فإن حظك من الإسلام على قدر حظك من الصلاة.
يا مسلم! كيف تؤدي صلاتك؟ قل ما شئت فليس لك من صلاتك إلا ما عقلت.
أيها المصلون: هل تؤدون الصلاة أم تقيمونها؟ والفرق كبير بين الأداء وإقامة الصلاة كما أمر الله ورسوله، ومن تأمل آيات القرآن وجد أن الأمر بالصلاة يأتي دائماً بأسلوب الإقامة (أقيموا الصلاة)؛ فالإقامة تعني الإتمام والعناية لا مجرد الأداء.
أيها الراكعون الساجدون! هل تتثاقلون القيام مع الإمام والركوع والسجود والتلاوة إن أطال فدونكم العلاج وهو الخشوع في الصلاة، وفي محكم التنزيل يقول المولى - عز وجل -: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 46].
والمعنى: أن الصلاة شاقة إلا على الخاشعين فإنها سهلة عليهم؛ لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرح صدره لترقبه الثواب وخشيته من العقاب، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]. {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 60].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم