هل صحيح أن الحكومة المصرية لم تكن جادة فى استرداد الأموال المنهوبة المودعة فى الخارج؟ هذا الأسبوع سمعنا ردا بالإيجاب، اتهم الحكومة بالتقاعس فى هذا الصدد، وشكك فى نواياها ومقاصدها. تصدمنا الإجابة وتفتح الباب واسعا لإساءة الظن. خصوصا حين يطلق الاتهام شخصيات محترمة تصدت لعملية استرداد الأموال المنهوبة منذ بداية الثورة، الأمر يتعذر السكوت عليه أو تجاهله.
أغلب الظن أن طرح فكرة التصالح مع رجال الأعمال المحبوسين هذه الأيام هو الذى استدعى ملف الأموال المودعة فى الخارج، لأننى لاحظت أن تهمة التقاعس أثيرت أثناء مناقشة مسألة التصالح فى برنامجين تليفزيونين جرى بثهما خلال يومى الأحد والاثنين الماضيين (18 و19 مارس) على قناتى «دريم» و«العربية»، وتحدث فيهما كل من الدكتور حسام عيسى أستاذ القانون المعروف والدكتور محمد محسوب عميد كلية الحقوق بالمنوفية، والاثنان من أعضاء المجموعة المصرية لاسترداد ثروة الشعب، التى تأسست أثناء الثورة، وضمت عددا من القانونيين البارزين، الاثنان وجها الاتهام صراحة وذهبا إلى أن الأمر لم يكن إهمالا أو تراخيا ولكنه كان موقفا واضحا، جرت تغطيته بإرسال خطابات شكلية إلى الجهات المعنية لمجرد ذر الرماد فى العيون، رغم تنبيهها إلى أن تلك الخطابات لا تحقق الهدف المطلوب.
ما سمعته كان صادما ومفاجئا. لذلك رجعت إلى الرجلين فأكدا الموقف الذى عبرا عنه. وفى التفاصيل ذكرا ما يلى:
● إن حكومة الدكتور عصام شرف التى عينت بعد الثورة شكلت لجنة قضائية لهذا الغرض، برئاسة المستشار عاصم الجوهرى، وقامت اللجنة بتوجيه 129 خطابا إلى المؤسسات المالية والبنوك الأجنبية طلبت تجميد أموال 19 شخصا من أركان النظام السابق.
● هذه الخطوة اتخذت بعد تشكيل المجموعة القانونية المصرية التى تطوع خبراؤها للنهوض بهذه المهمة. وأسفر ذلك الجهد عن تجميد 45 مليون جنيه استرلينى فى إنجلترا و420 مليون فرنك فى سويسرا. لكن هذه المبالغ ظلت نقطة فى بحر البلايين المودعة فى الخارج.
● حين مر الوقت ولم تحرك بقية الدول الأجنبية ساكنا، تحدث الدكتور حسام عيسى إلى تليفزيون الـ«بى بى سى» وانتقد موقف الحكومة البريطانية. وفى أول مناسبة دعى إلى عشاء فى بيت السفير البريطانى بالقاهرة، كان الضيف فيه هو السيد بيرت اليستر وزير الدولة البريطانى لشئون شمال أفريقيا. وفى اللقاء قال الوزير البريطانى إن حكومة بلاده أبلغت القاهرة بأن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تتطلب استيفاء إجراءات معينة لتجميد الأموال المشتبه فيها أو تتبعها، وان الخطابات التى أرسلتها الحكومة المصرية لا تلبى الشروط التى وضعتها الاتفاقية. وعرضت الخارجية البريطانية إرسال وفد من جانبها إلى مصر لمعاونتها فى استيفاء الأوراق المطلوبة، لكن السلطات المصرية ظلت تسوف فى استقبال ذلك الوفد، طوال الأشهر التسعة الماضية.
● هذا الكلام الذى قاله الوزير البريطانى أعلن فى بيان رسمى صدر فى لندن يوم الاثنين الماضى (18/3) حمل الحكومة المصرية مسئولية التقصير فى استيفاء متطلبات استرداد الأموال. وهو ما اعترف به المستشار عاصم الجوهرى أمام مجلس الشعب أثناء مناقشة مشروع قانون قدمه النائب عصام سلطان، عضو مجموعة استرداد الأموال المنهوبة، لتشكيل لجنة جديدة مستقلة للنهوض بالمهمة التى تقاعست عنها الحكومة.
فى اتصال هاتفى قال لى عصام سلطان إن هناك تلاعبا فى العملية من البداية، وان مجموعة القانونيين التى تشكلت فى 7 فبراير من العام الماضى كانت قد أعلنت حينذاك عبر قناة الجزيرة عن عناوينها الإلكترونية لكى تتلقى أى معلومات عن الأموال المنهوبة، ولكن قراصنة النظام السابق استولوا عليها خلال نصف ساعة فاختفت من شريط الأخبار. مع ذلك فان النائب العام السويسرى تلقى الرسالة وأخبر مسئولى اللجنة بأن قانونا جديدا صدر فى سويسرا لتسهيل استرداد الأموال الناتجة عن عمليات فساد. وهذه هى الخلفية التى أدت إلى تجميد مبلغ الـ420 مليون فرنك فى البنوك السويسرية. وبسبب الشك فى ذلك التلاعب تم تقديم مشروع قانون تشكيل اللجنة المستقلة التى يرجى أن تتولى العملية بشكل محايد وجاد.
لا أحد يعرف كيف تم التلاعب بمصير الأموال المهربة خلال السنة التى مرت من عمر الثورة. لكن ما ذكر عن تقاعس السلطة فى التعامل مع الملف تحتاج إلى تحقيق، يتحرى الوقائع ويحدد المسئول عنها. لأن الأمر أكبر وأخطر من عملية استرداد تلك الأموال. إذ إنه يمس بصورة مباشرة موقف الثقة فى الإرادة السياسية حتى يكاد يجرحها. خصوصا أن تلك الإرادة تتحكم فى ملفات أخرى تتعلق بمصير الثورة والوطن.
بقلم الأستاذ فهمى هويدى
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=21032012&id=19aeebd0-dc71-47d9-9d89-3a18fd134282