[center]مفاهيم
التحرير الإسلامي للمرأة
بقلم: د. محمد عمارة
في التحرير الاسلامي للمرأة نحن نواجه فكر الغلاة.. غلاة العلمانيين الذين ظلموا ديننا, وحملوا عليه العادات والتقاليد الجاهلية.. ثم ذهبوا يدعون الي تحرير المرأة من الاسلام!..
ونواجه ـ كذلك, غلاة المتدينين ـ من أهل الجمود والتقليد ـ الذين أضفوا قداسة الدين علي العادات والتقاليد البالية, فدعوا ويدعون الي انتقاص أهلية المرأة, وتجريدها من مسئوليات العمل العام ـ من مثل التصويت في الانتخابات.. أو الترشح للمجالس الشورية ـ وغيرها من ميادين العمل العام.
لقد حرر الإسلام المرأة مع الرجل منذ بداية الدعوة الاسلامية.. وشاركت المرأة ـ مع الرجل ـ في الشوري, وأسهمت في عقد تأسيس الدولة الإسلامية في بيعة العقبة سنة1 ق. هـ.. بل وقاتلت في العديد من الغزوات. ولقد تربي في مدرسة النبوة من القيادات نحو ثمانية آلاف من الصحابة, كان فيهم أكثر من ألف امرأة!..
ومع أن الإسلام قد صنف كل الولايات العامة وميادين العمل العام وفرائضه تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وجاء القرآن صريحا في إشراك المرأة والرجل في تحمل مسئوليات هذه الفرائض.( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) التوبة:71 ـ أي أنهما ـ الرجال والنساء ـ نصراء ومتضامنون في النهوض بولايات العمل العام.. فإن عصور التراجع الحضاري قد أفرزت مقولات كاذبة استدعتها عادات جاهلية, دعت الي حجب النساء عن ميادين العمل العام.. وإلي مخالفة آرائهن حتي إذا تمت مشاورتهن ـ شاوروهن وخالفوهن ؟!!..
ولأن مدرسة الاحياء والتجديد, التي ارتاد ميدانها ـ في عصرنا الحديث ـ الإمام محمد عبده(1266 ـ1323 هـ1849 ـ1905 م) قد حاربت في ميدانين: ميدان تنقية التراث الاسلامي من الدخيل الذي علق به.. وميدان إبداع البديل الإسلامي, الذي ينطلق من منابعه الجوهرية والفقهية ـ القرآن الكريم.. والتطبيق النبوي للبلاغ القرآني لكي نملأ الفضاء الإسلامي بهذا البديل, ونحول بين التغريب وبين التمدد في الفراغ الذي يخلف الجمود.. لأن هذه كانت مهمة مدرسة الإحياء والتجديد.. فلقد أولت قضية تحرير المرأة بالاسلام اهتماما كبيرا..
ولأن الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت كان من أعلام علماء هذه المدرسة الإحيائية, فلقد كتب عن شوري المرأة فقال:
إن الإسلام لم يقف بالمرأة عند حد اشتراكها مع أخيها الرجل في المسئوليات ـ جميعها, خاصها وعامها ـ بل رفع من شأنها, وقرر ـ تلقاء تحملها هذه المسئوليات ـ احترام رأيها فيما تبدو وجاهته, شأنه في رأي الرجل تماما سواء بسواء. وإذا كان الإسلام قد جاء باختيار آراء بعض الرجال, فقد جاء أيضا باختيار رأي بعض النساء.
وفي سورة المجادلة, احترم الاسلام رأي المرأة, وجعلها مجادلة ومحاورة للرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ وجمعها وإياه في خطاب واحد( والله يسمع تحاوركما) المجادلة:1 ـ وقرر رأيها, وجعله تشريعا عاما خالدا.. فكانت سورة المجادلة أثرا من آثار الفكر الذاتي, وصفحة إلهية خالدة تلمح فيها علي مر الدهور صورة احترام الاسلام لرأي المرأة. فالاسلام لا يري المرأة مجرد زهرة, ينعم الرجل بشم رائحتها, وإنما هي مخلوق عاقل مفكر, له رأي, وللرأي قيمته ووزنه.
وليس هناك فارق ديني بين المرأة والرجل في التكليف وأهليته, سوي أن التكليف يلحقها قبل أن يلحق الرجل, وذلك لوصولها, بطبيعتها ـ إلي مناطق التكليف, وهو البلوغ, قبل أن يصل إليه الرجل
هكذا دعت مدرسة التجديد الإسلامي لتحرير المرأة بالإسلام.. وليس بالجمود[/
[جريدة الأهرام 13/10/2008center].