أولًا : خطر الفتنة الطائفيَّة
وهي أشد ألوان الخطر وأصعبه، والتي قد تدفع بالمجتمع المصري إلى شكل من أشكال "اللبننة" إن لم يتدارك عقلاؤه الأمر ويسعون سعيًا جادًّا لمعالجة الأزمة من جذورها وليس بطريقة الأحضان والقبلات التقليديَّة.
فالاحتقان الطائفي هو أخطر ميراث عصر "مبارك" ولم تكن الثورة المصريَّة المجيدة مهيَّأة له بقدر ما كانت كاشفة لأبعاده وكوامنه في لحظة ضعفت فيه قبضة الدولة وتراخت بفعل ما أصاب جهاز الشرطة في أحداث الثورة.
فقد شهدت فترة ما بعد الثورة العديد من الأزمات الطائفيَّة المرعبة بدءًا من أحداث قرية "صول" بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة والتي شهدت احتراق كنيستها بالكامل مما أدى إلى تدخل العديد من الدعاة المشهورين للتهدئة وقيام المجلس العسكرى بإعادة بناء الكنيسة على نفقته الخاصة.
كما شهدت قرية أبو قرقاص البلد بمحافظة مصادمات طائفية دامية أدت إلى مقتل اثنين من المسلمين قبل أن يتدخل قادة الجماعة الإسلامية والحركة السلفية بالمنطقة لمنع انتشار أعمال انتقاميَّة بالغة السوء ضدّ المسيحيين الموجودين في القرية والقرى المجاورة.. وعلى إثرها قرَّر المجلس العسكري تحويل عشرة أقباط إلى النيابة العسكرية تمهيدًا لاتخاذ عقوبات رادعة بحقهم حال ثبوت إدانتهم.
وفي منطقة إمبابة اندلعت اشتباكات طائفية تعتبر الأسوأ من نوعها حتى الآن فعلى إثر سريان إشاعة باختطاف فتاة أسلمت منذ حوالي ستة أشهر ووجودها في إحدى دور الرعاية التابعة لإحدى الكنائس بمنطقة إمبابة بالجيزة وقعت اشتباكات بين المسلمين والمسيحيين تطورت إلى إطلاق نار من جانب النصارى وردود فعل من جانب المسلمين مما أدى إلى مقتل عشرة أشخاص من الجانبين إضافة إلى مائة وخمسين مصابًا وإحراق كنيستين بمنطقة إمبابة.
ومن ناحية أخرى فقد شهدت الأيام الماضية العديد من الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بإفراج الكنيسة عن النساء اللائي أشهرن إسلامهن ويعتقد أنهن موجودات داخل الأديرة بعد أن قام نظام "مبارك" بتسلميهن للكنيسة في إطار صفقة كانت تستهدف دعم الكنيسة الأرثوذكسية المصرية لملف توريث الحكم.. واللافت للنظر أن هذه المظاهرات تصدرها التيار السلفي مما أدى إلى حالة من ردَّة الفعل الإعلاميَّة العنيفة ضدّه.
ويبقى أن نشير هنا إلى العديد من النقاط الهامة في هذا الملف الملتهب :
1- يجب على الدولة المصريَّة وهي تسعى إلى إعادة بناء هيبتها ونهضتها أن تسعى إلى تصفية الجيوب التي كانت بمثابة كيانات موازية داخل الدولة أعطت لنفسها حق احتجاز النساء والتحكم فيهن وفي اعتقادهن، وهو أمر لم يحدثْ إلا في عصور التفتيش، كما أنه يجب شنّ حملات لجمع السلاح من الكنائس والدور الملحقة بها وهو الأمر الذي أشار إليه اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية في حديثه عن وجوب عدم حمل السلام أثناء دخول الكنائس!! فالرسالة التي يجب أن يفهمها الجميع أنه ليس هناك أحد فوق القانون وسلطته وأن ممارسات عصر مبارك التي حابت الكنيسة لصالح مشروع التوريث قد ولَّت إلى غير رجعة.. فالدولة المصريَّة في عهد مبارك التي تنازلت عن هيبتها وسلطانها طواعيةً يجب عليها اليوم أن تثبت أنها حاضرة وبقوَّة.
2- يجب على التيار الإسلامي (والسلفي منه بصفة خاصة) أن يتقن إدارة الأزمات بحرفيَّة ومهارة عالية فقد كان بوسعه أن يحوِّل ملف (كاميليا شحاتة) التي يعتقد أن الكنيسة تحتجزها عقب إشهار إسلامها إلى ملف حقوقي من الدرجة الأولى يجذب العديد من المنظمات الحقوقيَّة -رغم تمويل بعضها المشبوه – ويحرم المتربصين بالتيار الإسلامي والسلفي منه بوجهٍ خاص من إمكانيَّة التربُّص به والإيقاع به.
3- البعد عن الإثارة والحشد والتعبئة ومراعاة الظرف الدقيق الذي تمرُّ به البلاد وترتيب دقيق للأولويات إذ يبقى على الحركة الإسلاميَّة أن تعرف أن قضية الحريات هي القضيَّة الأهمّ التي يجب السعي لإقرارها فقد رأى الإسلاميون كيف أن غياب الحريات أصابهم بضرَر بالغ يتضاءل بجواره كل ما أصاب الآخرين.. وهناك بعض القوى يهمها تعطيل مسيرة الديمقراطيَّة والانتخابات البرلمانية والرئاسية. فلا ينبغى على أبناء الحركة الإسلاميَّة أن يستدرجَهم بعيدًا عن الحلم الذى تهفو إليه الأفئدة وتشتاق.