أَهَذا وَجْهُ بغْدادِ..؟!
رأيتك ذات يومٍ
دون ميعادِ..
وكنتُ أقلب التَّاريخَ
في شوقٍ إلى الماضي
وأقرأ سِفْر أجدادي..
ورحتُ أقطِّع الآمادَ
في سَفَرٍ لآماد..
لأنظر كيف يحيا المرءُ
محفوفاً بأمجادِ..
وأكتبُ كلّما أرسيتُ
في زمنٍ من الأزمانِ
تاريخاً لميلادي..
لأني جئتُ من زمنٍ
نموتُ به ونحيا
دون ميلادِ..!
* *
وبينا كنتُ في سفري..
أحلّق - هارباً من واقعي.
في أعذب السِّيَرِ..
رأيتك من بعيدٍ
كان وجهك فرقةَ القمرِ..
وفي عينيك دجلةُ
والفراتُ وقصةُ المطرِ..!
أهذا وجه بغداد..؟!
* *
أهذا أنتِ يا بغدادُ..؟!
ما أبهاكَ..ما أحلى..!
لقد رسموا لوجهك في
فؤادي صورةً أخرى..
فآلافٌ من القتلى
وآلافٌ من الأسرى
وآلافٌ من الجرحى..
وآلاف على الآلاف
أجرى دمعهم نهرا..
وقالوا لي - وما أدهى الذي قالوا -
بأنك لم تعودي زهرة الدنيا..
وقالوا إن هارون الرشيدَ
مضَتْ سحابته..ولم ترجعْ..!
وعاد مكانها جيشٌ
من الرشاش والمدفعْ..
يدمّر كل شيءٍ دون أن
يرحم أشياخاً ولا رضّعْ..
كريه الوجه أعمى أبكمٌ
كالحقد لا يسمعْ..
وقالوا لي - وما أقبح ما قالوا -
بأنا اليوم في وادٍ..
وأنت هناك
تحتضرين في وادِ..!
وكدتُ أُصَدِّقُ الواشين
لولا أنني
أبصرت أمَّتَنا
على العَهْدِ..
تنام بملء جفنيها..
وتجهل زورة السُّهْدِ..
فعدت أقلب التاريخ
أقرأ سِفْر أجدادي..
وأنظر كيف يحيا المرء
محفوفاً بأمجادِ..!!
محمود بن عودة العمراني