مختارات من روائع الشعر العربي

يقول الإمام الشافعي

ولرب نازلةٍ يضيقُ لها الفتى ===== ذَرْعاً وعندَ اللّهِ منها المخرجُ

ضاقتْ فلما استحكمَتْ حلقاتُها ===== فرجَتْ وكنْتُ أظنُّها لا تفرجُ

جزى الله قائلها خيرا

إِذا النائباتُ بلغْنَ المدى ===== وكادتْ تذوبُ لهُنَّ المهجُ

وحلَّ البلاءُ وبانَ العزاءُ ===== فعندَ التناهي يكونُ الفرجْ

يختار الموت شوقا إلى لقاء الله

كان عبد الله بن أبي زكريا يقول: لو خيرت بين أن أعمر مائة سنة في طاعة الله أو أن أقبض في يومي هذا أو في ساعتي هذه لاخترت أن أقبض شوقاً إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى الصالحين من عباده.

جزى الله قائلها خيرا

لا تجزعنَّ إِذا نابتْكَ نائبةٌ ===== واصبِرْ ففي الصبرِ عندَ الضيقِ متسعُ

إِن الكريمَ إِذا نابتْهُ نائبةٌ ===== لم يبدُ منه على علاتِه الهلعُ

جزى الله قائلها خيرا

لا تكرهِ المكروهَ عند نزولِهِ ===== إِن المكارِه لم تزلْ متباينه

كم نعمةٍ لم تستقلَّ بشكرها ===== للّهِ، في طيِّ المكارِه كامنهْ

يقول أبو الفتح البستي‏

لا تيأسنَّ لعسرةٍ فوراءَها ===== يسرانِ وعداً ليس فيه خِلافُ

كم عسرةٍ قلقَ الفتى لنزولِها ===== للّهِ في إِعسارِها ألطافُ

من قول المنتصر بن بلال الانصاري

فما شِدَّةٌ يوماً وإِن جَلَّ خطبُها ===== بنازلةٍ إِلا سيتبعها يسرُ

وإِن عَسُرَتْ يوماً على المرءِ حاجةٌ ===== وضاقتْ عليه كان مفتاحَها الصبرُ

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه

إِذا ما عرا خطبٌ من الدهرِ فاصطبرْ ===== فإِن الليالي بالخطوبِ حواملُ

وكُلُّ الذي يأتي به الدهرُ زائلٌ ===== سريعاً فلا تجزعْ لما هو زائلُ

يقول بهاء الدين زهي

إِذا أصبحتَ في عسرٍ ===== فلا تَحْزَنْ له وافْرَحْ

فبعدَ العُسْرِ يُسْرٌ عا ===== جِلٌ واقرأ ألم نَشْرَحْ

يقول أبو العتاهية

قـطـعـت ُ مـنــك ِ حـبـائــل الآمــالــي ===== وحططت ُ عـن ظهـر المطـي رحالـي
ويئـسـت ُ أن أبـقـى لـشــيءٍ نـلــت ُ ===== مـمـا فـيـك ِ يادنـيـا وأن يبـقـى لـــي
فوجـت ُ بـرد اليـأس بـيـن جوانـحـي ===== وأرحـت ُ مـن حـلّـي ومــن ترحـالـي
ولئـن يئـسـت ُ لــرب بـرقـة ِ خـلَّـب ٍ ===== بـرقــة لـــذي طــمــع ٍ وبــرقــةِ آل ِ
مــا كــان أشــأم إذ رجــاؤكِ قـاتـلـي ===== وبـنـات ُ وعـــدكِ يعتـلـجـن َّ بـبـالـي
فـــألآن يـادنـيـا عـرفـتــكِ فـاذهـبــي ===== يـــــادار كــــــل تــشــتــت ٍ وزوال ِ
والآن أبصـرت السبيـل إلـى الـهـدى ===== وتفـرغـت همـمـي عـــن الأشـغــال ِ
ولـقـد أقـــام لـــي المـشـيـبُ نـعـاتـه ===== يُـفـضـي إلـــي َّ بـمـفـرق ٍ وقــــذال ِ
ولقـد رأيــت الـمـوت يـبـرق سيـفـه ===== بـيـد المنـيـة حـيـث ُ كـنــت حـيـالـي
ولقـد رأيـت عـرى الحـيـاة تخـرمـت ===== ولـقــد تـصــدى الـوارثــون لـمـالـي
ولـقـد رأيــت عـلـى الـفـنـاء أدلـــة ً ===== فيـمـا تنـكـر مـــن تـصــرفِ حـالــي
وإذا اعتبرت ُ رأيت خطـب حـوداث ً ===== يـجـريـن َّ بــــا لأرزاق ِ والآجــــال ِ
وإذا تنـاسـبـت الــرجــال فــمــا أرى ===== نسـبـا ً يـقـاس ُ بـصـالـح الأعـمــال ِ
وإذا بحثـت ُ عــن التـقـي وجـدوتـه ُ ===== رجـــلاً يـصــدق ُ قــولــه ُ بـفـعــال ِ
وإذا اتـقــى الله امـــرؤ ٌ وأطــاعــه ُ ===== فــيــداه بــيــن مــكــارم ٍ ومــعـــال ِ
وعلـى التقـي إذا ترسّـخ َفـي التـقـى ===== تـاجـان ٍ : تــاج ُ سكيـنـة ٍ وجـــلال ِ
والليـل ُ يـذهـب ُ والنـهـار ُ تـعـاورا ً ===== بالـخـلـق فـــي الأدبـــار ِ والأقـبــال ِ
وبحـسـب مــن تُنـعـى إلـيـه نفـسـه ُ ===== مــنــه بــأيـــام ٍ خــلـــت ْ ولــيـــال ِ
إضرب بطرفك حيث ُ شئت َ فأنت في ===== عـبـيـر ٍ لـهــن َّ تـــدارك ٌ وتــــوال ِ
يبكـي الجديـد ُ وأنــت فــي تجـدِيـدِه ِ ===== وجمـيـع ُ مــا جــددت َ مـنــه فـبــال ِ
يـا أيهـا البطـر الـذي هـو فــي غــد ٍ ===== فـــي قـــره ِ مـتـفــرق ُ الأوصــــال ِ
حذفَ المنى عنه المشمَّر فـي الهـدى ===== وأرى مــنَّــاك طـويــلــة الأذيـــــال ِ
ولـقَـل َّ مـــا تـلـقـى أغـــر لنـفـسـه ِ ===== مــن لاعــب ٍ مــرح ٍ بـهـا مُـخـتـال ِ
يـاتـاجـر الـغــي الـمـضـر بــرشــده ِ ===== حـتــى مـتــى بـالـغـيّ أنـــت تُـغـالـي
الــحــمـــدلله الــحــمــيــد بــمـــنـــهِ ===== خـسـرت ولــم تـربـح يـــد الـبـطـال ِ
لله يــوم ٌ تقـشـعـر ُ مـنــه جـلـودهـم ===== وتشـيـب ُ مـنــه ذوائـــبُ الأطـفــال ِ
يــــــوم الـــنـــوازل ِ والـــــــزلازل ِ ===== والحوامل ِ فيه إذ يقذفن َّ بـا لأحمـال ِ
يـوم التغابـن ِ والتبـايُـن ُ والنـتـازل ِ ===== والأمـــــور عـظـيـمــة الاهــــــوال ِ
يـــوم ٌ يـنــادى فـيــه ِ كـــل مـظـلـل ِ ===== بـمـقـطـعـات الــنـــار والأغــــــلال ِ
للمتـقـيـن هـنــاك نُــــزل ُ كــرامــة ٍ ===== عـلـت الـوجــوه نـضــرة ٍ وجـمــال ِ
ز ُمـرٌ أضــاءت للحِـسـاب وجوهـهـا ===== فـلـهــا بــريــق ٌ عـنـدهــا وتــلالــي
وسـوابـق ٌ غُـــر ٌ محـجـلـة ٌ جـــرت ===== خمـص البـطـون ِ وخفيـفـة الأثـقـال ِ
مـن كـل أشعـث َ كـان أغبـر نـاحـلا ً ===== خـلــق الـــرداء مـرقــع الـسـربــال ِ
حيـل ابـن آدم فــي الأمــور ِ كثـيـرة ٌ ===== والـمـوت يقـطـع ُ حـيـلـة المـحـتـال ِ
نــزلــوا بــأكــرم ِ ســيــد ٍ فـاظـلـهـم ===== فـــي دار ِ مُـلــك ِجـلالــة ٍ وظـــلال ِ
ومـن النعـاة ِ إلــى ابــن آدم نفـسـه ِ ===== حَـرَ ك ُ الخطـى وطلـوع ُ كـل هـلال ِ
مـالـي أراك لـحُـرِّ وجـهــك مُخـلـقـا ً ===== أخـلـقـت ِ يـادنـيـا وجـــوه َ رجـــال ِ
قسـت َ السـؤال َ فكـان أعظـم َ قيمـة ً ===== مــن كــل عـارفـة ٍ جــرت بـســؤال ِ
كـن بالسـؤال ِ أشــدَّ عَـقـد ِ ضنـانـة ٍ ===== مـمـن يـضـن ّ علـيـك بـــا لأمـــوال ِ
ولقـد عجـبـت ُ مــن المُثـمـر ِ مـالـه ُ ===== نـســي َ المُـثـمـر ُ زيـنــة الأقــــلال ِ
وإذا امـرؤ ٌ لبـس الشكـوك َ بعـزمـه ِ ===== سلـك الطريـق علـى عقـود ِ ضـلال ِ
وإذا اد ّعت خُـدع الحـوداث ِ قسـوة ً ===== شـهـدت لـهـن َّ مـصـارع ُ الأبـطـال ِ
وإذا ابتليـت َ ببـذل ِ وجهـك َ سائـلا ً ===== فـأبــذلــه ُ لـلـمـتـكـرم ِ الـمـفـضــال ِ
وإذا خشـيـت َ تـعــذرا ً فـــي بـلــدة ٍ ===== فـاشــدد يـديــك َ بـعـاجـل الـتـرحـال ِ
واصبـر علـى غِـيَـر الـزمـان ِ فإنـمـا ===== فــرج الشـدائـد ِ مـثـل ُ حــل ِ عـقـال

يقول علي بن أبي طالب‏

ولا تيأسْ فإِن اليأسَ كفرٌ ===== لعل اللّه يُغْني من قليلِ

وإِن العسرَ يتبعُه يسارُ ===== وقولُ اللّهِ أصدقُ كلَّ قِيلِ

ويقول علي بن أبي طالب‏ رضي الله عنه

فلو أن العقولَ تَجُرُّ رِزْقاً ===== لكان الرزقُ عندَ ذَوِي العقولِ

فما نُوَبُ الحوادثِ باقياتٌ ===== ولا البؤسى تدومُ ولا النعيمُ

كما يمضي سرورٌ وهو جَمٌّ ===== كذلكَ ما يسوؤكَ لا يدومُ

فلا تهلكْ على ما فاتَ وَجْداً ===== ولا تفردْكَ بالأسفِ الهُمومُ

يقول خليل مطران

أقيلوا أخاكم إِذا ما عثرْ ===== فإِن الجميلَ جميلُ الأثرْ

وأولوه نصرا على طارئٍ ===== يبيدُ الشبابَ إِذا ما انتصر

هنيئًا لمن يدرأُ النازلا ===== تِ ببعضِ الصلات إِذا ما قدرْ

يقول ابن زنجي البغدادي‏

وإِذا اصطنعتَ إِلى أخيـ ===== ـك صنيعةً فانْسَ الصنيعهْ

والشكرُ من كرمِ الفتى ===== والكفرُ من لؤمِ الطبيعهْ

والصبرُ أكرمُ صاحبٍ ===== فاصحبهُ إِن نزلت فجيعهْ

يقول صالح بن عبد القدوس‏

إِذا كنتَ لا ترجى لدفع ملمةٍ ===== ولم يك للمعروف عندك موضعُ

ولا أنت ذو جاهٍ يعاشُ بجاههِ ===== ولا أنت يومَ البعثِ للناس تشفعُ

فعيشكَ في الدنيا وموتكَ واحدٌ ===== وعُودُ خلالٍ من حياتكَ أنفعُ

يقول طرفة بن العبد

وما هذه الأيامُ إِلا معارةٌ ===== فما استطعتَ من معروفها فتزودِ

فإِنكَ لا تدري بأية بلدةٍ ===== تموتُ ولا ما يُحدِثُ الله في غدِ

يقول أبو الفتح البستي‏

إِذا خدمَ السلطانَ قومٌ ليشرفوا ===== به وينالُوا كُلَّ ما يتشوَّفوا

خدمتُ إِلهي واعتصمْتُ بحبلهِ ===== ليعصمني من شَرِّ ما أتخوَّفُ

ويُكرمني بالعلمِ والحلمِ والتُّقى ===== ويؤتيني ما ليس يَفْنى ويَتْلَفُ

فخدمةُ من يُعْطي السلاطين ملكهمْ ===== وينزعُهُ عنهم أجَلُّ وأشرفُ

يقول علي بن أبي طالب

لا تأمنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَسٍ ===== ولو تمتعتَ بالحُجّابِ والحرسِ

واعلمْ بأن سهامَ الموتِ نافذةٌ ===== في كل مدّرع منا ومُتَّرِسِ

ما بالُ دنياكَ ترضى أن تدنسهُ ===== وثوبك الدهرَ مغسولٌ من الدنسِ؟

ترجو النجاةَ ولم تَسْلُكْ مسالكَها ===== إِن السفينةَ لا تجري على اليَبَسِ

يقول محمود الوراق

يُحِبُّ الفتى طولَ البقاءِ كأنه ===== على ثقةٍ أن البقاءَ بقاءُ

إِذا ما طوى يوماً طوى اليومُ بعضَه ===== ويطويه إِن جَنّ المساءُ مساءُ

زيادة في الجسمِ نقْصُ حياتِه ===== وأنى على نقصِ الحياةِ نماءُ

جديدان لا يبقى الجميعُ عليها ===== ولا لهما بعد الجميعِ بقاءُ

يقول أبو العتاهية‏

الموتُ بابٌ وكل الناس داخلهُ ===== فليت شعري بعد البابِ ما الدارُ؟

الدارُ جنةُ خلدٍ إِن عملتَ بما ===== يرضي الإِلهَ وإِن قصرتَ فالنارُ

يقول ابن الجهم

أزِفَ الرحيلُ وليسَ لي من زادِ ===== غيرُ الذنوبِ لشقْوتي ونكادي

يا غفلتي عما جنيتُ وحيرتي ===== يوماً ينادي للحسابِ منادِ

غَلبت عليَّ شقاوتي ومطامعي ===== حتى فنيتُ وما بَلَغْتُ مرادي

يا غافلاً عما يرادُ به غَداً ===== في موقفٍ صَعْب على الوُرَّادِ

اقرأ كتابَكَ كل ما قدمتَه ===== يحْصَى عليك بصيحةِ الميعادِ

يا غافلاً من قبلِ موتكَ فاتعظْ ===== والبسْ ليومِ الجمع ثوبَ حدادِ

يقول أبو العلاء المعري‏

يمرُّ الحَوْل بعدَ الحولِ عني ===== وتلكَ مصارعُ الأقوامِ حولي

كأني بالأُلَى حَفَروا لجاري ===== وقد أخذوا المحافرَ وانْتَحَوا لي

يقول ابن حمديس

أيُّ خطبٍ عن قوسِه الموتُ يرمي؟ ===== وسهامٌ تصيبُ منه فتُصْمي

يسرعُ الحيُّ في الحياةِ ببُرْءٍ ===== ثم يفضي إِلى المماتِ بسُقْمِ

والذي أعجزَ الأطباءَ داءٌ ===== فَقْدُ روحٍ به ووجدانُ جِسْمِ

يقول أبو ذئيب الهذلي

وإِذا المنيةُ أنشبتْ أظفارَها ===== ألفيْت كُلَّ تميمةٍ لا تنفعُ

لا بدَّ من تلفٍ مقيمٍ فانتظرْ ===== أبأرضِ قومِك أم بأخرى المَصْرَعُ؟

جزي الله قائلها خيرا

أروني امرأ من قبضةِ الدهرِ مارقا ===== ومن ليس يوماً للمنيةِ ذائقا

هو الموتُ ركّاضٌ إِلى كل مهجةٍ ===== يُكلّ مطايانا ويُعْيي السواب

» موسوعة روائع الشعر العربي
» من روائع الشعر العربي- القصيدة العمرية - حافظ ابراهيم
» قصيدة غزلية تعتبر من روائع الشعر العربي الفصيح
» من عجائب الشعر العربي
» علم العروض ( صناعة الشعر )