(5)
"صالح عليه السلام"
وقد أرسله الله إلى ثمود:
قال الله تعالى في شأنه: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ
قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 141-142].
* نسب صالح:
أرسل الله صالحاً عليه السلام في قبيلة من القبائل العربية البائدة،
المتفرعة من أولاد سام بن نوح عليه السلام، وهي قبيلة ثمود، وسميت بذلك
نسبة إلى أحد أجدادها، وهو: ثمود بن عامر بن إرم بن سام بن نوح (عليه
السلام)، وقيل: ثمود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح (عليه السلام).
وسيدنا صالح عليه السلام من هذه القبيلة، ويتصل نسبه بثمود.
أما نسبه: فهو: (صالح عليه السلام) بن عبيد بن أسف بن ماشخ بن عبيد
بن حاذر - أو - صالح بن جابر بن ثمود بن عامر بن إرم بن سام بن (نوح عليه
السلام). والله أعلم.
* مساكن ثمود:
كانت مساكن ثمود بالحِجْر، ولذلك سماهم الله في القرآن الكريم أصحاب
الحِجر بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ
الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ
* وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ *
فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ * فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الحِجْر: 80 - 84]
والحِجْر: أرض بين الشام والحجاز إلى وادي القرى، وتقع في الطريق
البري للمسافر من الشام إلى الحجاز. وآثار مدائن هؤلاء القوم ظاهرة حتى
الآن، وتسمى مدائن صالح، كما تعرف ديارهم باسم (فجّ الناقة).
* حياة صالح مع قومه في فقرات:
لقد فصل القرآن الكريم قصة سيدنا صالح عليه السلام مع قومه ثمود في نحو إحدى عشرة سورة، وأبرز ما فيها النقاط التالية:
1- إثبات نبوته ورسالته إلى ثمود.
2- ذكر أن ثمود كانوا خلفاء في الأرض من بعد عاد.
3- ذكر أن هؤلاء القوم كانوا:
(أ) آمنين ممتَّعين بنعمة من الله في جنات وعيون، وزروع مختلفة، وأشجار نخيل مثمرة.
(ب) يتخذون من السهول قصوراً، وينحتون الجبال بيوتاً فارهين.
(جـ) أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله.
4- ذكر أن صالحاً عليه السلام دعاهم إلى الله بمثل دعوة الرسل،
وأمرهم بالتقوى، ونهاهم عن عبادة الأوثان، فآمن معه ثُلة قليلة، أما
أكثرهم فكذبوه، واستكبروا عن اتّباعه، وكفروا برسالته، وطلبوا منه معجزةً
تشهد بصدقه، فجاءهم بمعجزة الناقة، وقال لهم: ذروها تأكل من أرض الله ولا
تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب، فأصروا على العناد، وبعثوا أشقاهم فعقر
الناقة، فقال لهم: "تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب". ولما
حان أجل العذاب أرسل الله عليهم الصيحة مصبحين، فدمرتهم تدميراً، وأصبحوا
في ديارهم جاثمين هلكى، وأنجى الله برحمته سيدنا صالحاً والذين آمنوا معه.
وتم بذلك أمر الله وقضاؤه: "سنة الله في الذين خلَوا من قبل".
(6)
"إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام"
قد أثبت الله نبوته ورسالته في مواطن عديدة من الكتاب العزيز، وشهد
له بأنه كان أمة قانتاً لله حنيفاً. قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ
أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *
شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *
وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ
الصَّالِحِينَ} [النحل: 120 - 122].
* نسب إبراهيم:
ذكر المؤرخون نسبه واصلاً إلى سام بن نوح عليه السلام، ونوح - في
سلسلة نسب إبراهيم- هو الأب الثاني عشر. وقد أسقط بعض النسابين من آبائه
في سلسلة النسب (قينان)، بسبب أنه كان ساحراً.
فهو على ما يذكرون: إبراهيم "أبرام" (عليه السلام) بن تارح "وهو آزر
كما ورد في القرآن الكريم" بن ناحور بن ساروغ "سروج" بن رعو بن فالغ
"فالج" بن عابر بن شالح بن قينان - الذي يسقطونه من النسب لأنه كان ساحراً
- بن أرفكشاذ "أرفخشذ" بن سام بن نوح (عليه السلام). والله أعلم.
* حياة إبراهيم عليه السلام في فقرات:
1- موجز حياته عند أهل التاريخ:
ذكر المؤرخون: أنه ولد بالأهواز، وقيل: ببابل - وهي مدينة في العراق -.
ويذكر أهل التوراة أنه كان من أهل "فدّان آرام" بالعراق.
وكان أبوه نجاراً، يصنع الأصنام ويبيعها لمن يعبدها.
وبعد نضاله في الدعوة إلى التوحيد ونبذ الأصنام، وما كان من أمره مع
نمروذ بن لوش ملك العراق، وإلقائه في النار، ونجاته منها بالمعجزة - كما
قص الله علينا في كتابه المجيد -، انتقل إلى أور الكلدانيين - وهي مدينة
كانت قرب الشاطئ الغربي للفرات - ومعه في رحلته زوجته سارة وقد آمنت معه،
وابن أخيه لوط بن هاران بن آزر وقد آمن معه وهاجر معه، كما قال تعالى:
{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت 29].
كما هاجر معه في الرحلة ثُلة من قومه الذين آمنوا معه، وأبوه آزر دون أن يؤمن به، وأقام في أور الكلدانيين حقبةً من الزمن.
ثم رحل إلى حاران أو "حرَّان".
ثم رحل إلى أرض الكنعانيين - وهي أرض فلسطين -، وأقام في "شكيم" وهي مدينة "نابلس".
ثم رحل إلى مصر، وكان ذلك في عهد ملوك الرعاة، وهم العماليق -
ويسميهم الرومان: "هكسوس" -، واسم فرعون مصر حينئذٍ: "سنان بن علوان"،
وقيل "طوليس".
وقد وهب فرعون هذا سارة زوجة إبراهيم - بعد أن عصمها الله منه - جاريةٌ من جواريه اسمها: "هاجر"، فوهبتها لزوجها فاستولدها.
ولما وُلِدَ له من هاجر "إسماعيل" - وكان عمره (86) سنة - سافر بأمر
من الله إلى وادي مكة، وترك عند بيت الله الحرام ولده الصغير إسماعيل مع
أمه هاجر، وعاد إلى أرض الكنعانيين.
ثم وهبه الله ولداً من زوجته سارة سماه "إسحاق"، وذلك حين صار عمره (100) سنة.
وكان يتعهد ولده إسماعيل في وادي مكة من آن إلى آخر، وبنى مع ولده
إسماعيل البيت الحرام بأمر من الله. قال الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].
وقد جاء في الإِصحاح الخامس والعشرين من "سفر التكوين": أن إبراهيم
تزوج بعد وفاة سارة زوجة اسمها "قطورة"، فولدت له ستة أولاد هم: زمران
ويقشان ومدان ويشباق وشوحا ومديان.
وإلى مديان - هو مدين - بن إبراهيم هذا ينسب "أهل مدين" الذي أرسل إليهم "شعيب عليه السلام".
ولما بلغ عمر إبراهيم عليه السلام (175) سنة ختم الله حياته في أرض
فلسطين، ودفن في مدينة الخليل "حبرون وكان اسمها في الأصل قرية أربع"، في
المغارة المقام عليها الآن مقام الخليل عليه السلام، وتعرف بمغارة
الأنبياء.
واختتن وهو ابن ثمانين سنة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "اختتن إبراهيم النبي وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم". رواه
البخاري ومسلم.
2- لمحات من قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن:
وقد بسط القرآن الكريم مشاهد بارزة مهمة من حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام في عدة سور، وأبرز ما فيها النقاط التالية:
1- بدأ حياته عليه السلام باحتقار الأصنام، وبيان سخف عبادتها، ثم
ثورته عليها وتحطيمها، غير مكترث بما ينجم عن عمله هذا، وتنبيه عابديها
على خطئهم البالغ في عبادتها وتعظيمها، ونشأته على ما بقي محفوظاً من ملّة
نوح عليه السلام.
2- تأمّلاته في ملكوت السماوات والأرض، وبحثه الذي دلّه على جلال
الرب وكمال صفاته وتنزه ذاته عن كل صفة من صفات الحدوث وعوارض النقص.
3- توجُّهه إلى الله فاطر السماوات والأرض، وتبرؤه مما يشرك المشركون.
4- بلوغه منزلة النبوة والرسالة باصطفاء الله له، واضطلاعه بمهامها، وإنزال الصحف عليه المسماة "بصحف إبراهيم".
5- محاجّته لقومه بالبراهين والأدلة المنطقية المقنعة والملزمة،
وثباته في محاجّةِ من آتاه الله الملك في البلاد، وارتقاؤه إلى أعلى مراتب
الإِيمان بأن الله هو الذي يميت ويحيي، ويطعم ويسقي، ويمرض ويشفي، وبيده
كل شيء.
6- تعرضه للعذاب من قبل قومه، وذلك بإيقاد النار له في بنيان أعدوه
لهذا الغاية، وإلقاؤه فيها، وصبره وثباته وثقته بالله، ثم سلامته من حرّها
وضُرّها، إذ قال الله لها: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى
إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] !!
7- عزمه على الهجرة من أرض الشرك، وإيمان لوط به ومهاجرته معه.
8- إثبات أن الله أنزل عليه صحفاً تسمى "صحف إبراهيم".
9- زيارته مكة، وإسكانه في واديها بعض ذريته وهو "إسماعيل". ورفع
قواعد بيت الله الحرام فيها بعد سنوات من الإسكان مع ولده إسماعيل عليهما
السلام. وعهدُ اللهِ له ولولده إسماعيل أن يطهرا البيت للطائفين والعاكفين
والركّع السُّجود، وأمر الله له أن يؤذِّن في الناس بالحج. ومشاهد رائعة
من مواقف التجاءاته إلى الله، ومناجاته له بالعبادة والدعاء.
10- طلبه من الله أن يريه كيف يحيي الموتى، وذلك ليطمئن قلبه، ويزداد
يقينه بالحياة بعد الموت، إذا رأى بالمشاهدة الحسية كيفية حدوث ذلك.
11- أن الله وهبه - على كبر سنه - إسماعيل وإسحاق، وخرق العادة له بإكرامه بإسحاق من امرأته العجوز العاقر "سارة".
12- مجادلته الملائكة المرسلين لإِهلاك قوم لوط، لعل الله أن يدرأ
عنهم العذاب الماحق، وذلك طمعاً بأن يهتدوا ويستقيموا، إلاَّ أن جواب الرب
ناداه: {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 11].
13- إكرام الله له بأن جعل في ذريته النبوة والكتاب من بعده، وقد كان
واقع الأمر كما وعده الله، فجميع الأنبياء والرسل من بعده كانوا من ذريته.
أما لوط عليه السلام فإنه كان معاصراً له، على أن إبراهيم كان عمه فيمكن
دخوله في عموم الذرية.
قال أبو هريرة: (تلك أمكم يا بني ماء السماء).
مَهْيَمْ: كلمة استفهام، بمعنى: ما حالك، ما شأنك؟