وقد رسموا خرائط ملونة للسماء وألف عبدالرحمن الصوفي كتاباً عن النجوم الثوابت به خرائط مصورة وبين مواضع ألف نجم ورسمها على شكل الإنسان أو الحيوان وكلها رصدها بنفسه ووصفها وصفاً دقيقاً ووضع أقدارها من جديد بدقة متناهية تقرب من التقديرات الحديثة .
والمسلمون أول من أثبت بالتجربة والمشاهدة والحساب نظرية أن الأرض كروية وسوف نأتي إلى تفصيل ذلك في باب الجغرافية أما عن علاقة الشمس بالأرض فقد تقبل المسلمون أول الأمر نظرية بطليموس التي تقول (بأن الأرض هي مركز الكون كله .. وأن الشمس والقمر وسائر النجوم تدور حولها .. ولم يعارضه الرازي وابن سينا في ذلك .. ثم جاء البيروني فشكك في هذه النظرية وقال في كتابه (علم الهيئة) بإمكانه أن يكون العكس صحيحاً أي أن تكون الأرض هي التي تدور حول الشمس مرة كل عام إلى جانب دورانها حول نفسها مرة كل يوم وليلة ثم جاء أبو سعيد أحمد بن محمد الدجاني المتوفى سنة 1024م والذي عاصر البيروني فأكد هذا القول واستنبط اسطرلاباً خاصاً حسب نظريته الجديد يسمى (الاسطرلاب الزورقي(7)) وهكذا فتح المسلمون الطريق أمام كوبرنكس عام 1543 لكي يثبت هذه النظرية . وكذلك حسب الفرغاني وابن رسته أبعاد الشمس والقمر والزهرة والمريخ وعطارد وزحل والمشتري عن مركز الأرض .. وقدر البتاني أن بعد(
الشمس في أبعد أفركها يساوي 1146 مرة مثل نصف قطر الأرض وفي أقرب مواقعها مثل 1070 مرة وهي نتائج قريبة من الحقيقة .
واكتشف ابن الهيثم طبيعة الغلاف الجوي حول الأرض وقدر ارتفاعه 15 كيلو متر وهو الصحيح ، وقد ابتكر المسلمون تقاويم شمسية فاقت في ضبطها واتقانها كل التقاويم السابقة وحسبوا أيام السنة الشمسية بأنها 365 يوماً وست ساعات وتسع دقائق وعشر ثوان فكان الخطأ في حسابهم بمقدار دقيقتين و 22 ثانية وقد اكتشف ابن رشد الكلف على وجه الشمس وفسره بأنه بسبب عبور عطارد أمامها وفسر ابن الهيثم الكثير من الظاهر الفلكية والفضائية والضوئية مثل الكسوف والخسوف والطيف وقوس قزح .
ويعتبر عباس بن فرناس العالم الأندلسي (المتوفى سنة 887م) إلى جانب أنه اخترع أول مخترع للطائرة والميقاته فهو أول مخترع للقبة الفضائية فقد أقام في ساحة بيته قبة ضخمة جمع فيها النجوم والأفلاك في مواقعها ومثل الشهب والنيازك والبرق والرعد وكان يزوره الولاة والعلماء والأعيان فيعجبون من اختراعه هذا ووصفه الشعراء في قصائدهم .
الفلك والتنجيم
قد يتصور الناس أن اهتمام المسلمين بالفلك يرجع إلى الشغف بمعرفة الحظ وامستقبل والغيب .. ورغم أن العلاقة بين النجوم والحظ والغيب مازالت تثير انتباه واهتمام الناس في عصرنا الحاضر إلا أن علماء المسلمين كانوا أول من وضع خطاً فاصلاً بين العلمين بصفة قاطعة فاعتبروا الفلك علماً يقيناً والتنجيم طناً وتخميناً ، ورغم أن بعض الخلفاء كان يستشير المنجمين ويستطلع النجوم قبل الأحداث الهامة مثل الحرب إلا أنهم كانوا لا يعملون بتلك الاستطلاعات بل كان أكثرهم يتحداها كما حدث مع المعتصم قبل غزو عمورية فقد حذره المنجمون من الفشل والهزيمة .. ومع ذلك فلم يتراجع بل ذهب وقاتل وانتصر فقال المتنبي في ذلك :
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب